يطلق أميركيون على المنتمين إلى الحزب الديمقراطي وصف الشيعة الأميركيين، وعلى المنتمين إلى الحزب الجمهوري وصف السنّة الأميركيين، وذلك سخرية من سياسييهم.
وكثيراً ما يتساءل أميركيون عن رئيسهم، باراك أوباما، هل هو شيعي أم سني؟ ولا يطرحون هذا السؤال تندّراً، كما يفعل بعض خبثاء المثقفين، بل يطرحونه ببراءة وجدية، ويتنافسون، في البحث عن إجابة صحيحة، مستندين إلى سياسات أوباما، أكثر من استنادهم إلى حقائق نشأته المسيحية، على مذهب والدته البروتستانتي. ومثلاً، يتهم أميركيون أوباما، بأنه منحاز للسنّة العرب ضد الشيعة العرب، بسبب "مذهبه السني الديني"، ويستندون، في هذا التفسير، إلى ضغوطه العلنية على رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، للاهتمام بمعاناة السنّة في العراق.
وينطلق أوباما في مطالبته المالكي بذلك من وجهة نظر سياسية قائمة على حقيقة أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، يستثمر معاناة السنّة لصالحه.
لكن، لا يكلّف المقتنعون بأن أوباما سني المذهب، وليس بروتستانتياً، أنفسهم حتى في الاستماع إلى وجهة النظر التي تفسّر دوافع بعض تصريحاته. وعلى النقيض من ذلك، هناك مَن يتّهم أوباما بأنه متشيّع للنظام العلوي في سورية، بدافع من انتماءٍ مذهبي متقارب مع بشار الأسد، لمجرد أنه رفض توجيه ضربات لنظام الأخير، بسبب محاذير أو مصالح سياسية بحتة.
عندما تمدّد (داعش) فجأة، واجتاح محافظات عراقية شاسعة في منتصف عام 2014 الجاري، أصيب أوباما بالرعب، واستنفر كل طاقاته لمنع مسلحي هذا التنظيم من الاقتراب من العاصمة بغداد ومن مدينة أربيل الشمالية. وبعدها بأسابيع، بدأت أنباء مماثلة ترد من اليمن، ليس عن تنظيم سني، وإنما عن تنظيم شيعي، هو تنظيم الحوثي الذي يرفع أصحابه شعار الموت لأميركا، ويلعنون اليهود في صرخات مشبعة بالعنصرية الواضحة.
[b]الحوثي ينافس داعش[/b]
وبدأ تنظيم الحوثي ينافس داعش بقوة في سرعة تمدّده، إلى أن قضم عدة محافظات في شمال اليمن، كان أحدثها عمران، قرب العاصمة صنعاء، ولم يحرك أوباما ساكناً لهذا الخطر. واستمر الحوثي في تقدمه إلى أن استولى على العاصمة التي يديرها حليف أوباما الوثيق ضد "القاعدة" في اليمن، الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومع ذلك، اكتفت الإدارة بإصدار البيانات المنددة التي تذكّر قارئيها ببيانات جامعة الدول العربية، وليست صادرة عن دولة عظمى، تتعرّض مصالحها لخطر.
ولأن تنظيم داعش سني، وتنظيم الحوثي شيعي، فقد اتهم مدوّنون أوباما مجدداً بأنه منحاز للسنّة العرب ضد الشيعة العرب. وبالطبع، الرأيان غير صحيحين.
ولا يخلو الجدل، أحياناً، من آراء منطقية، إذ هناك مَن يطرح أن أوباما يختلف عن سلفه جورج بوش الابن، في أنه يقرأ ويحاول التعمّق في الثقافات والآراء، ويتبنى قناعاتٍ سياسية عن الشيعة والسنّة، تفسّر بعض سياساته تجاههما. ومن قناعاتٍ يقول معلّقون في المحطات الأميركية إن أوباما يتبناها، أن الإرهاب الحقيقي، من وجهة نظره، سني وليس شيعياً.
وبغضّ النظر عن صحة أن أوباما مقتنع بذلك أم لا، فإن هذه القناعة شائعةٌ بين مثقفين أميركيين كثيرين، متأثرين بكتابات الراحل حديثاً فؤاد عجمي. ولا يستبعد أن أوباما مقتنع بها من خلال إحصاءات تُقدّم له عن أعداد العمليات الانتحارية أو التفجيرية في سنوات بعينها، ومَن قاموا بها.
وبغضّ النظر عن هذه الأرقام، ليس صحيحاً ما يطرحه مثقفون أميركيون، في حواراتهم التلفزيونية، أن العمليات الانتحارية اختراع سني، إذ إن أبرز العمليات الانتحارية في العالم العربي بدأها اليسار، فكانت اللبنانية سناء محيدلي، مثلاً، تنتمي إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي، عندما فجّرت نفسها أمام حاجز معادٍ عام 1982، وقبلها، في 1978، فجّر انتحاري يمني، من الجنوب اليمني الاشتراكي، نفسه في مكتب الرئيس الشمالي، أحمد الغشمي، لاغتياله. وكان الانتحاري مهدي تفاريش، شيوعياً، ولا يعرف مذهب عائلته الديني، لأن في الجنوب السني إسماعيلية شيعة، خصوصاً في منطقة يافع.
والاعتقاد الأميركي أن الشيعة أكثر مسالمة، والتطرّف الشيعي أقل خطراً على المصالح الأميركية من التطرف السني، راسخ في أوساط كثيرة، وقد لا يقتصر على أوباما، بل كان محافظون جدد كثيرون في عهد جورج بوش مقتنعين بهذه الفرضية.
بدليل أن الحركة الحوثية في اليمن بدأت فعلياً في 2004، أي في عهد بوش. ولافت أن بوش وأوباما رفضا إدراج الحركة الحوثية في قائمة الإرهاب، على الرغم من أنها ترفع شعاراً مخيفاً ضد أميركا، على غير أمر (داعش)، وقد ساهم هذا الأمر في اختلاف رد الفعل الأميركي على التمدّد الحوثي الذي جاء أقل حدّة من القلق من (داعش) في العراق. فحتى لو أراد أوباما أن يواجه الخطر الحوثي، فليس لديه مبرر قانوني يتحرك بموجبه، كون الحركة غير مدرجة في قائمة الإرهاب، ولم ترتكب أي عملية علنية ضد الولايات المتحدة.
[b]خطوط مع إيران[/b]
ويقول مصدر أميركي مطّلع، لـ"العربي الجديد"، إن أوباما، في نظرته الإيجابية سياسياً للشيعة، مصيباً أو غير مصيب، يتمنى أن يفتح خطوطاً من الحوار والود مع إيران، لولا خشيته من إغضاب إسرائيل.
والتأثير الإسرائيلي على صنّاع القرار في الولايات المتحدة يعرقل محاولات التقارب مع إيران، لكن صانع القرار يناور أحياناً، بتقديم خدمات غير مباشرة لإيران، في مقابل توقعاتٍ بخدمات مماثلة. ومن أكبر الخدمات المجانية التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة لإيران الشيعية في هذه الآونة تخليصها من خطر (داعش).
وبشأن الخطر الحوثي في اليمن، علمت "العربي الجديد" أن الإدارة الأميركية تلقّت تقدير موقف من أجهزة تابعة، أهم خلاصاتها أن الهجوم الأميركي على (داعش) في سورية والعراق سوف يؤدي، لا محالة، إلى فرار مئاتٍ، وربما آلافٍ، من المقاتلين الأجانب من سورية والعراق إلى اليمن.
ولن يجدوا مكاناً يأمنوا فيه جزئياً على أنفسهم، أو ينشطوا فيه، أفضل من اليمن. ووفقاً للخلاصات، توصلت الإدارة الأميركية إلى استنتاج أن ضرب (داعش) لن يؤدي إلى إزالة الخطر، وإنما إلى نقل معقله من الشام إلى اليمن.
ويدعم هذا الاستنتاج ما يتردد من معلومات في الصحافة اليمنية أن التقدم الحوثي المفاجئ نحو صنعاء لم يأتِ معزولاً عن حساباتٍ دولية وإقليمية، إذ تدرك إدارة أوباما أن الحكومات المتعاونة يمكن أن تقوم بدور فعال في مطاردة عناصر القاعدة، أو غيرها، لكن هذه الفعالية لن تصل إلى فعالية الصراع العقائدي، إذ إن التناقض الشيعي السني والأحقاد التاريخية بين مَن يسمّون الروافض والنواصب، يمكن أن يستغلّ سياسياً لتحجيم خطر الطرفين، من دون حاجةٍ لدفع مبالغ طائلة لأنظمةٍ نجحت على مدى السنين الماضية في تحويل الحرب على "القاعدة" إلى تجارة رابحة.
ومهما كان حجم خطر الحركة الحوثية في اليمن، فإنها بعيدة جغرافياً عن إسرائيل، وفي الحسابات الإقليمية، ليس موقعها، هنا، إلا من باب الإشارة إلى تأثيرها على الموقفين الدولي والأميركي، تحديداً. وقد جعلت فوبيا السعودية والإمارات من جماعة الإخوان المسلمين الحركة الحوثية تجيّر ذلك لمصلحتها.
ويتحدث محلّلون يمنيون أن السعودية، أو على الأقل قوى معيّنة داخل أحد أجنحة الحكم فيها، تمكّنت من إقناع الولايات المتحدة بغضّ الطرف عن التمدّد الحوثي، لتحقيق مكاسب معينة، والقيام بالدور الصعب في توجيه ضرباتٍ موجعة لحلفاء "الإخوان"، الأقوياء عسكرياً وقبلياً، وفي مقدمتهم الجنرال علي محسن، قائد الفرقة المدرعة الأولى الذي ظل مرتبطاً بها، بطريقةٍ أو بأخرى، على الرغم من تغيير اسم الفرقة إلى المنطقة السادسة، وإزاحته منها إلى منصب مستشار لشؤون الدفاع.
[b]اتفاقات ضمنية مع الحوثي[/b][b]نصك هنا[/b]
وصحيحٌ أن الحركة الحوثية كثّفت من التسلّح والتجنيد، في الأشهر الأخيرة، لكن الأحداث التي جرت في اليمن لم تعتمد على قوة الحوثيين المتصاعدة، بقدر ما اعتمدت على اتفاقاتٍ ضمنية وتسهيلات واستسلامات مرتّب لها مسبقاً، وتمت بسهوله أكبر ممّا كان متوقعاً.
وقبل تقدم الحركة نحو عمران، ثم صنعاء، كان الرئيس هادي قد تلقّى طلباً سعودياً، وفقاً لمصدر يمني، يقضي بتعيين اللواء محمد الحاوري، أحد حلفاء الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قائداً للفرقة السادسة التي يقع معسكرها على هضبةٍ مطلةٍ على العاصمة.
وفي أثناء الأحداث، ساهم هذا القائد في عدم اعتراض قواته تقدم الحوثي داخل العاصمة اليمنية، ما اضطر اللواء علي محسن إلى التوجه بنفسه إلى مركز قيادة الفرقة، كاشفاً عن استمرار روابطه بكبار ضباطها، ما يفسّر اندلاع اشتباكاتٍ أعاقت تقدم الحوثي مؤقتاً، لكنها لم تمنع استمراره في تنفيذ الخطة التي ربما يكون من بين أطرافها الرئيس السابق ووزير الدفاع الحالي.
ويقول المحلل السعودي جمال خاشقجي، في "تويتر"، إن الحوثيين عندما أطاحوا رئيس الوزراء، محمد سالم باسندوة، وأبقوا على الرئيس هادي، سيطروا بذلك على اليمن كله، ولو ارتكبوا حماقة الانقلاب على هادي، فإنهم يمكن أن ينجحوا في السيطرة على صنعاء، لكن عدن سوف تجبر على الانفصال.
ويبدو أن هذا هو الهدف السعودي النهائي، إذا اتضحت صحة الدور السعودي في دعم الحوثي. ومن الصعب إقناع الأميركيين بتقسيم اليمن إلى أكثر من دولة، ولكن أسلوب الحوثي في التعامل مع المصالح الأميركية، بعدما أصبح صاحب قرارٍ قوي في صنعاء، قد يجعل الأميركيين يوافقون على مجاراة أمراء سعوديين، ساعين إلى فصل الجنوب اليمني عن شماله، تمهيداً لفصل حضرموت، وإلحاقها بمجلس التعاون الخليجي.
ومن تفسيراتٍ أخرى، لا يجوز إهمالها في ما يتعلق بتجاهل واشنطن ما يحدث في اليمن، أنه يندرج ضمن أخطاء يرتكبها أوباما في سياساته الخارجية، علاوة على تأثير (داعش)، من حيث أنه شغل الإدارة عن أي هموم أو أخطار أخرى. أما الدور السعودي في اليمن، فهناك مَن يقول إن أجنحة الحكم غير المتوافقة داخل السعودية، لا تقلّ تخبّطاً عن تخبّط أوباما في سياسته الخارجية، وأنها تفتقد إلى استراتيجية واضحة تجاه اليمن تحديداً.