يواجه رئيس الحكومة اليمنية المقبل، المتفق على تسميتها بموجب اتفاق "السلم والشراكة"، الموقّع في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، بحكومة "الشراكة"، جملة من التحديات في ظلّ ظرف حسّاس ومنعطف حرج تمرّ به البلاد، ما قد يتطلب منه بالتأكيد أداء استثنائياً على أكثر من مستوى.
لعلّ مطلب إعادة بسط سلطة الدولة، هو أبرز العناوين المطروحة على جدول أعمال الحكومة المرتقبة. والواقع أنه لم يعد مطلوباً منه ما كان مطلوباً من سابقيه بإعادة بسط سلطة الدولة على كل أطراف البلاد، بل إنّ رئيس الحكومة سيحقّق نجاحاً مقبولاً، إذا استطاع إعادة بسط سلطة الدولة في مركز الحكم، العاصمة صنعاء، وأقرب المحافظات إليها عمران، بعد أن آلت كلتا المدينتين لسيطرة مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). كما يقع على عاتق رئيس الوزراء المقبل عبء كبير في مهمّة إيجاد توافق بين مكونات متنافرة، انطلاقاً من أنّه من المقرّر أن تضمّ التشكيلة الحكومية الجديدة، مكوّنات سياسيّة عدة، لا يتوافر بين بعضها البعض، الحدّ الأدنى من التوافق والانسجام، بل إنّ بعضها يقع على النقيض من الآخر.
ولا يغيب التحدي الاقتصادي عن قائمة التحديات التي تنتظر الحكومة المقبلة ورئيسها، إذ إنّ هذا التحدي في اليمن، كان ولا يزال، توأم التحدّي الأمني، بسبب ما يعانيه اليمن من شحّ في الموارد وزيادة في النفقات، مع صعوبة ضبط الإيرادات وفاتورة الاختلالات الأمنيّة المتلاحقة، التي نجم عنها ضعف قطاعي الاستثمار والسياحة، عدا الفساد الإداري والمالي الذي صار أخطبوطاً يلتهم مردود الإصلاحات الاقتصاديّة، ويبتكر يوماً بعد يوم، آليات ترسّخ بقاءه وتنوّع أساليبه.
وتزداد أهمية الاقتصاد، مع تراجع حكومة "الوفاق" عن زيادة الأسعار الكبيرة، التي كانت قد فرضتها على المشتقات النفطية، والتي قال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي دفاعاً عن تلك الزيادة، إنّها كانت ضرورية لمنع اقتصاد البلد من الانهيار. ونتيجة تصعيد الحوثيين، جرى التراجع عن ثلثي تلك الزيادة، في ظلّ تلكؤ المانحين الدوليين عن تقديم تعهّداتهم، ولا يزال الانفجار المحتمل وقوعه من جراء التردي الاقتصادي، بمثابة القنبلة الموقوتة التي لا يتنبّه لها الكثيرون في اليمن.
وتُعدّ إعادة ثقة المواطن بالحكومة من التحدّيات الأساسيّة. بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين، ساد شعور عام بأنّ الدولة انهارت، أو أنّها على وشك الانهيار، بعدما أصبحت تحت رحمة هذه الجماعات، ولم يعد لهياكل الدولة إلا تواجد صوري، بعدما صارت الكلمة بيد المسلحين. وبالتالي، فإنّ إشعار المواطن اليمني بوجود حكومة قادرة على أن تستعيد ملامح الدولة، يشكّل أبرز التحديات أمام حكومة "الشراكة".
وإلى جانب كلّ ما تقدّم، يبقى أن التحدي الأول أمام رئيس الوزراء الجديد، يتمثّل بتشكيل الحكومة نفسها، واختيار أعضاء حكومته بالشكل الأنسب. ومن شأن هذا التحدّي أن يظهر براعة رئيس الوزراء، في حال تمكّن من تشكيل طاقم متجانس من مكوّنات متنافرة. ومن الممكن أن ينجح في ذلك إذا لم يلاقِ تدخلات كبيرة في هذه المهمة.
[b]الانتخابات... الغاية المنسيّة[/b]
كانت المهمة الأبرز أمام حكومة الوفاق الوطني (السابقة) هي تهيئة البلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية تنتهي بموجبها الفترة الانتقالية ليدخل اليمن بعدها في وضع طبيعي، تنبثق فيه شرعيّة مؤسّساته من الشعب المشارك في هذه الانتخابات، وليس من مبادرات خليجيّة أو توافقات سياسيّة أو إكراه عسكري. لكنّ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، أوصت بصياغة دستور جديد يعيد النظر في قواعد التنافس الانتخابي وصلاحيات مؤسّسات الدولة. وبعد إقرار الدستور الموكل صياغته حالياً إلى لجنة مختصة، بناء على استفتاء شعبي، يصبح البلد، في ضوء ذلك، أمام استحقاقات انتخابيّة برلمانيّة ورئاسيّة.
وإذا وضعت الحكومة الجديدة نصب عينيها، أن غاية وجودها في هذه الفترة، إيصال البلاد إلى انتخابات جديدة، فإنها ستختصر على نفسها الكثير. أما إذا تحايلت على هذه الغاية وسعت إلى التمديد لنفسها وللآخرين (الرئاسة والبرلمان)، فإنها على الأرجح، ستُبقي البلاد على ظهر العوامة، من دون أن تصل بها إلى الأمان.
[b]آمال وعوائق[/b]
على الرغم من ضخامة التحدّيات الماثلة أمام حكومة "الشراكة"، فإنّ الانتصار على مجمل هذه التحدّيات يظلّ أمراً وارداً، إذا أُعطيت الحكومة الصلاحيّة الكاملة ونجت من التدخّلات الخارجيّة، خصوصاً من رئيس السلطة التنفيذيّة في البلاد ومراكز القوى الأخرى، سواء كانت داخليّة أو خارجيّة، علماً أنّه لا ينبغي التعويل كثيراً على قدرة الحكومة على إعادة بسط سلطة الدولة على صنعاء وسواها، ما لم تخضع سلطة الجيش لهذه الخطة، وإلا تتحوّل ورقة غامضة بيد الرئاسة، كما كان الحال في الفترة السابقة.
من هنا، فإنّ أي تشكيل حكومي لا يتضمّن تغيير وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، لن يكون ذا جدوى، فالأخير وفي نظر العديد من القوى السياسية اليمنية، هو الضلع الأساسي في تضعضع الجيش وتساقط المعسكرات والمدن، بل وحتى في استنزاف ميزانيّة الدولة.
في المقابل، وعلى رغم التحديات والعوائق، فإن من شأن رغبة أغلب المكونات المشاركة في الحكومة، في إخراج اليمن من المأزق الحرج الذي وصل إليه، أن تذلّل معظم العقبات إذا كانت هذه رغبة هادي أيضاً.
[b]مشكلات في التركيبة[/b]
وعلى الرغم من كلّ الآمال المعقودة على هذه الحكومة، فإنّ عوائق بنيويّة في تركيبتها قد تحول من دون أداء وظيفتها بالشكل الأمثل، حالها في ذلك حال حكومات الائتلاف في أي بلد، إذ يكون التشكيل الحكومي في الحكومات الائتلافية مهدداً بانسحاب طرف منه في أيّ لحظة. ولعلّ أبرز العوائق البنيويّة في تشكيلة حكومة "الشراكة"، تتمثّل في أنّ المشاكل التي من المفترض أن تتصدّى لها، ناتجة من أطراف باتت جزءاً من تشكيل الحكومة ذاته.
فالمشكلات الناجمة عن سيطرة الحوثيين وتوسّعهم ووجود المسلحين في الشوارع، ستحضر على جدول أعمال الحكومة، التي سيكون الحوثيون قد باتوا جزءاً منها، ما قد يضع الحكومة أمام معضلة "الثلث المعطل" (الحوثيون وحلفاؤهم). ويمكن لهذا الأمر أن يقف عائقا أمام أيّ توجه جادٍ لإعادة بسط سلطة الدولة على حساب الميليشيا.
كما أنّ قيام الحكومة على أساس المناصفة المناطقيّة بين الشمال والجنوب، مع تركّز الوزارات السياديّة الهامّة بيد الجنوب، قد يخلق شعوراً بالغبن لدى الطرف الشمالي، الذي يمثل ثلاثة أرباع عدد السكان. ويعدّ ذلك من العوائق البنيوية أيضاً في تركيبة حكومة "الشراكة".
كما أن حجم الحكومة الكبير يُعدّ عائقاً إضافياً. يتطلّب الظرف الانتقالي اليمني حكومة كفاءات على مهارة عالية في الجانبين الاقتصادي والأمني، في تشكيلة لا تتعدى العشرين وزيراً، لكن يبدو أنّ التشكيلة المرتقبة، بعد تسمية رئيس الوزراء، لن تقل عدداً عن تشكيلة "حكومة الوفاق" (34 وزيراً)، وهذا ما يشكل عبئاً على الحكومة في ظلّ الظرف الانتقالي، ويبرره البعض بأنّ زيادة عدد الوزارات أمر هام لاستيعاب مختلف المكوّنات.
ومن العوائق البنيويّة أيضاً، أنّ عدداً كبيراً من وزراء الحكومة المرتقبين سيكونون من الوجوه الجديدة، التي ستحتاج إلى وقت طويل لتستوعب الواقع الإداري الحكومي والمتطلبات الأساسيّة للعمل الوزاري، إذ مهما كان قدر الكفاءة الذي تتحلّى به الوجوه الجديدة، فقد أظهرت التجربة اليمنيّة الفرق الشاسع بين النظرية والتطبيق.
[b]ميول الحكومة[/b]
لا يبدو أن الطرف الذي ستُحسب عليه الحكومة الجديدة سيكون محظوظاً، ويبدو أن جماعة الحوثي ستكون هذا الطرف، وإن كان نصيبها من الحقائب الوزارية قليلاً. كانت الحكومة السابقة (حكومة الوفاق) محسوبة على حزب "الإصلاح"، على الرغم من أنّ نصيبه الفعلي فيها لم يتجاوز السدس. وخسر "الإصلاح" الكثير من جراء إصرار منافسيه على تصوير حكومة محمد سالم باسندوة وكأنّها "حكومة الإصلاح"، فكان أي إخفاق حكومي يُعزى للحزب مباشرة.
والأرجح أن الشارع السياسي اليمني سيحسب الحكومة على أحد مكوناتها، على الرغم من أنّ هادي، حسب المؤشرات، سيكون له نصيب الأسد في هذه الحكومة من خلال استئثاره بالوزارات السيادية الهامة (الدفاع، المالية، الخارجية، الداخلية)، وذلك وفقاً للمبادرة الرئاسية التي تقدمت بها لجنة أحمد بن دغر، أثناء التفاوض مع الحوثيين، لكنّ اتفاق السلم والشراكة لم يحدد بوضوح ما إذا ستكون الوزارات السيادية موزّعة بين المكونات المشاركة أم من نصيب هادي.
ويرى مراقبون أن الحكومة المرتقبة ستضيّع جزءاً كبيراً من مهامها الرئيسة، إذا انشغلت بمسألة تهيئة البلاد للأقلمة، وفقاً لنظام الفيدرالية المُقر عبر مؤتمر الحوار، أكثر من انشغالها بالتهيئة للانتخابات.
يبقى أنّ هذه القراءة تبقى مبنيّة على أساس استتباب الوضع السياسي والأمني، أما إذا تطوّرت الأمور على نحو دراماتيكي ليستكمل الحوثيون إحكام قبضتهم على الدولة في صنعاء، فإنّ حلّ حكومة الوفاق، والشروع في تشكيل حكومة شراكة، لن يكون إلا بمثابة صناعة فراغ دستوري يسهُل في ظله حدوث أي مفاجآت.