لم يكن قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بتكليف أحمد عوض بن مبارك بتشكيل حكومة "شراكة" محصّلة للمشاورات مع القوى السياسية، بقدر ما كان خياراً رئاسياً تجاوز "التوافق"، الأمر الذي من شأنه زيادة تعقيد المشهد، فجماعة "أنصار الله" (الحوثيون) التي تسيطر فعلياً على صنعاء، رفضت القرار، فضلاً عن كون أبرز القوى الأخرى تتحفّظ على تعيينه، وإن لم تُعلن رفضها المباشر.
وجاء الرفض الحوثي "قاطعاً" وشديد اللهجة، بطريقة توحي بصعوبة التراجع عن قرار الرفض، والسبب الذي قدمته هو أن تعيين بن مبارك قرار مفروض من الخارج، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي اجتمع سفيرها ماثيو تولر، بهادي قبل إصدار قرار التكليف. وأما السبب الثاني فهو الخروج عن التوافق، باعتبار رئيس الوزراء المعيّن اختير من هادي شخصياً، الذي لم ينل موافقة كافة القوى، المُفترض مشاوراتها في اختيار رئيس الحكومة والوزراء.
وكشف القيادي في حزب "الإصلاح" صلاح باتيس، عن تفاصيل مكالمة هاتفية أجراها مع هادي، دافع فيها الأخير عن قراره، واعترف بأن بن مبارك هو خياره. وقال هادي: "بعد مشاورات طويلة وترشيح أكثر من شخصية، بل وعرض الأمر عليهم، اعتذر بعضهم، كما أن آخرين لم تنطبق عليهم الشروط، حتى وصلتُ إلى قناعة بأن الدكتور أحمد عوض بن مبارك هو الشخص الأنسب، كون الشروط المتفق عليها تنطبق عليه". وأضاف أنه "الأدرى بمخرجات الحوار الوطني الشامل، الذي ينبغي أن يكون في أولويات جدول أعمال الحكومة؛ لأنه أمينه العام".
ودافع هادي في المكالمة التي نشر باتيس تفاصيلها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عن اختيار بن مبارك، على الرغم من رفض القوى الأخرى، معتبراً أن "اختيار رئيس الحكومة من صلاحيات رئيس الجمهورية وبالشروط المتفق عليها، وذلك وفقاً لاتفاق السلم والشراكة الموقّع في 21 سبتمبر/أيلول، بالتزامن مع دخول الحوثيين صنعاء".
وحول انسحاب المسلّحين من صنعاء وعمران وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للدولة، قال هادي إن "هذا الأمر هو السبب الذي جعلني أحسم أمر رئيس الحكومة، لأنه بحسب الاتفاق يبدأ الحوثيون التنفيذ بمجرد تسمية رئيس الحكومة، وهم الآن ملزمون بالتنفيذ، وليس لديهم أي عذر".
وأكد هادي أيضاً تواجد بن مبارك في تركيا، وقال إنه "سيعود قريباً ليباشر عمله"، في إشارة إلى أنه مُصرّ على تعيينه، رغم اعتراض الحوثيين، ورغم التحفّظ من قوى أخرى، بعضها لم تحدد موقفاً رسمياً حتى الآن.
ولاقى تكليف بن مبارك رفضاً أيضاً من حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الذي ذكر في بيان للجنة العامة فيه (المكتب السياسي للحزب)، أن بن مبارك شخصية "لا تتوفر فيها الشروط المتفق عليها في وثيقة السلم والشراكة الوطنية، وكذلك المعايير المهنية المتعارف عليها". واعتبر أن اختياره "مثّل خروجاً على اتفاق السلم والشراكة، وعلى قاعدة التوافق العام، خصوصاً في نصوصه المتعلقة بالمعايير الخاصة باختيار رئيس للوزراء التي أكدت على الحيادية والاستقلالية وعدم التحزب".
وأضاف بيان حزب "المؤتمر"، الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أن "هذا التكليف يجعل المصالح الوطنية في خطر شديد؛ جراء مواقف الرجل غير الحيادية والعدائية لوحدة الوطن، فوق ذلك فإن تكليفه بتشكيل ورئاسة الحكومة جاء خارج التوافق الوطني". وأوضح الحزب أنه كان قد فوّض هادي باختيار الشخصية التي يريد وفقاً للقائمة التي تم استبعاد بن مبارك منها.
كما كانت مصادر سياسية أكدت في وقت سابق أن بن مبارك تم رفضه من ممثلي القوى السياسية بالإجماع. وفي هذا السياق، أكد مستشار رئيس الجمهورية عن جماعة الحوثي، صالح الصماد، الذي حضر الاجتماع مع هادي قبل التعيين، في بيان، اليوم الأربعاء، أن بن مبارك تم رفضه واستبعاده من قائمة المرشحين قبل أسبوعين، مستغرباً إعادة طرحه من قبل رئيس الجمهورية، مجدِداً رفض الجماعة القاطع لقرار تكليفه.
ويضع هذا الرفض البلاد أمام خيارات مفتوحة، تتباين الآراء والتوقعات حولها، بين أن يسعى هادي إلى إقناع الحوثي بالموافقة أو أن يتراجع عن تكليف بن مبارك، أو أن تتصاعد الخلافات بين الحوثيين وهادي نفسه، وكذلك من الممكن أن تكتفي جماعة الحوثي بالرفض وتنسحب من المشاركة في الحكومة في مقابل السكوت عن تشكيلها. كما أن من المؤكد أن فرص تشكيل حكومة بن مبارك وإقناع القوى السياسية وفي مقدمتها الحوثيون بالتراجع عن التحفظ أو الرفض، قليلة في ظل الوضع السياسي المتأزم.
مراقبون يمنيون استخلص "العربي الجديد" آراءهم اعتبروا أن هادي وضع نفسه في مأزق حرج، لأنه المعني بالدفاع عن قراره قبل غيره من القوى السياسية، ويمكن أن يكون قرار تعيين بن مبارك بداية لتحولات دراماتيكية، على غرار قرار رفع أسعار الوقود في أغسطس/آب الماضي، والذي على ضوئه صعّد الحوثيون احتجاجاتهم لإسقاط الحكومة وسيطروا على العاصمة صنعاء. وذهبت العديد من الآراء في مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن قرار تعيين بن مبارك هو "جرعة الأضحى" التي لها ما بعدها.
وانتقد حزب "التجمّع اليمني للإصلاح" التصريحات التي ربطته بقرار الرئيس اليمني، بعد تزايد الانتقادات والمواقف الرافضة للقرار. ونقل الموقع الرسمي للحزب عن عضو الدائرة الإعلامية رشاد الشرعبي أنه "خلال التباحث حول تسمية رئيس الوزراء لم يصر الاصلاح على مرشح بعينه، بقدر حرصه على أن يحظى المرشح بقبول جميع المكونات السياسية والسير في اجراءات تنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية".
من جهته أيّد الحزب "الاشتراكي" قرار هادي، وانتقد الاشتراكي على لسان مصدر مسؤول في أمانته العامة،المعترضين على تسمية رئيس الحكومة.