arpo28

هل يلدغ جنوبيو اليمن من الخارج مرتين؟

يسعى جنوبيو اليمن إلى استعادة الدولة التي اتحدت مع الشمال عام 1990، وسط سيل من التعقيدات التي تحيط قضيتهم.

الوحدة مع الشمال ما لبثت أن انتكست بعد أربع سنوات من عمرها، عقب الحرب التي شنها النظام اليمني، بقيادة الرئيس السابق، علي عبدالله صالح وشركائه على الجنوب. وبرغم نشوء حركة احتجاجية جنوبية، فإن التجاوب الدولي بدا معدوماً في ما يخص الضغط على النظام ودفعه إلى الرضوخ للمطالب الجنوبية.

بعد التطورات التي حدثت في اليمن، في الآونة الأخيرة، بدأ الجنوبيون يتحركون في أكثر من اتجاه، فقد أعلنوا تصعيداً جديداً على الأرض إلى جانب العمل السياسي في المحيط اليمني، مستغلين ما آلت إليه الأوضاع في صنعاء خصوصاً والشمال عامة.

ورغم التباين الذي كان سائداً في الجنوب خلال الفترة الأخيرة، واتهامات شعبية للقيادات الجنوبية بعجزها عن تحقيق مطالبهم، إلا أن بوادر تحركات سياسية جنوبية يُعتقد أنها من دفعت الجنوبيين إلى التفاؤل، وخصوصاً بعد عودة عشرات القيادات والشخصيات السياسية الجنوبية، بينهم وزراء ومسؤولون وقيادات حزبية من صنعاء إلى عدن، بمن فيهم المقربون من الرئيس هادي، للبدء في تحركات سياسية في الجنوب، وإعلان تأييدهم مطالب الجنوبيين.

بعض هذه القيادات كانت إلى وقت قريب ترفض بشكل قاطع تبني تلك المطالب، وتحديداً مطلب فك الارتباط، بل إن بعضهم كان يؤيد الوحدة، سواء الاندماجية أو الاتحادية.

يبرر اليوم هؤلاء تبنيهم هذه المطالب بالقول إن "قرارهم جاء بعد عشرين عاماً قضوها على أمل إقامة دولة يمنية موحدة، ذات نظام وقانون وعدل، إلا أن ذلك لم يحدث، الأمر الذي جعلهم يتخذون مثل هذه الخطوة".

وفي الوقت الذي تلقى فيه هذه التحركات ترحيباً في الأوساط الشعبية والسياسية، يعتبرها البعض خطوة انتهازية، فيما يرى فيها البعض الآخر نكاية في الحوثيين الذين أسقطوا صنعاء.

لكن العودة إلى عدن لم تكن من صنعاء فقط، بل هناك عودة شخصيات سياسية واقتصادية وسلاطين (حكموا اليمن الجنوبي إبان الاستعمار البريطاني) كانوا في الخارج، وتحديداً من دول الخليج. هؤلاء عادوا خلال الفترة الأخيرة إلى عدن وحضرموت والمهرة، فيما ارتفعت أصوات تطالب قيادات الخارج الأخرى، وفي مقدمها الرئيسان السابقان، علي سالم البيض وعلي ناصر محمد، ورئيس الوزراء الأسبق، حيدر أبو بكر العطاس، بالعودة إلى الجنوب.

رغم ذلك، يُنظر إلى هذه التحركات على أنها جاءت بعد إيعاز خارجي، عبر إعطاء الجنوبيين ضوءاً أخضر لتحركات سياسية على طريق الانفصال. وتُلمّح بعض القيادات الجنوبية في الحراك الجنوبي في الداخل والخارج إلى وجود نافذة فتحت للجنوبيين من أطراف خارجية، وأن هذه النافذة جاءت بعد إسقاط الحوثيين صنعاء.

ويشير قيادي سياسي بارز في الحراك الجنوبي، فضل عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه النافذة "جاءت من بعض دول الخارج، بينها إقليمية فتحت بعض خطوط تفاهمات مع أطراف جنوبية معينة، بعد سقوط عاصمة البلاد بيد الحوثيين حلفاء إيران، وبعد أن اقتنعت تلك الأطراف أن القوى السياسية في الشمال لم تكن جادة في عملية الانتقال السياسي، وبناء الدولة اليمنية المدنية مناصفة مع الجنوبيين".

لكن مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، ذكرت اسم دولتين تكاد تكون دخلت على الخط مع الجنوبيين، وهما بريطانيا والسعودية.

كما أن عدداً من قيادات الحراك، وشخصيات منخرطة فيه، تلقت دعوات من بعض العواصم، فيما يوجد البعض حالياً من قيادات الداخل في عواصم خارجية بينها خليجية ولم تفصح عن طبيعة هذا الوجود، مع أن البعض اعتبرها زيارات طبيعية عادية، كون تلك الدول تنظر إلى أن مشكلة عدم التعامل مع الجنوبيين تأتي بسبب مشاكل الجنوبيين الداخلية، بما فيها عدم التوحد.

وفي الوقت الذي تنفي فيه بعض الأطراف السياسية في الجنوب وجود أي خطوط مفتوحة، تتحفظ بعض القيادات في الخوض في تفاصيل حقيقة تطور العلاقة بين الطرفين. لكن القيادي الشيخ، عبد العزيز المفلحي، فنّد أسباب خطوات الجنوبيين الأخيرة في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول إن "الوحدة ماتت وسيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور في صنعاء، يُعمق الأزمة في اليمن، بعد تعرضهم إلى ست حروب ظالمة من النظام السابق بقيادة من سيطر على السلطة لاحقاً، فانتقموا من تلك الرموز وأخرجوها من السلطة جزئياً وزادت الأمور تعقيداً".

وتوقع "جولات انتقامية بين تلك الأطراف"، مشيراً إلى أن "الشيء الجديد هو دخول أطراف جديدة في الصراع على أساس مذهبي". ويؤكد أن "الغائب هنا ما تبقى من شكل الدولة، الذي سيسقط مع مخرجات الحوار، وبالتالي جر البلد إلى حالة من الفوضى، وانعدام الأمن والاستقرار".

وفي إشارة ضمنية إلى تحركات الجنوبيين الأخيرة وأبعادها السياسية المحلية والخارجية، وفقاً لتلك المعطيات التي على الأرض، يقول المفلحي إن "شعب الجنوب كان مدركاً بأنه "لا أمل في بناء الدولة المدنية القائمة على أساس قوة القانون، وليس قانون القوة الغاشمة، لذلك اتخذ قراره من خلال النضال السلمي لاستعادة سيادته على أرضه وبناء دولته المستقلة، لذلك يطلب من المجتمع الإقليمي والدولي حقه في تقرير المصير".

يجري هذا بعد عودة عدد من القيادات السياسية إلى الواجهة والظهور إلى العلن من جديد، بعد أن كانت قد اعتكفت طوال الفترة الماضية على نفسها، والذي قيل إنه اعتكاف بإيعاز أيضاً. وظلت هذه القيادات تراقب الوضع عن كثب، تحديداً ما يجري بين القوى السياسية والحوثيين في الشمال حتى تتضح الرؤية لها. ويبدو أن تصدر حركة الحوثيين المشهد السياسي في صنعاء كان إشارة بالغة الدلالة في هذا السياق.

كما يجري تشكيل مجلس الإنقاذ الجنوبي، الذي يقود مشاوراته القيادي، محمد علي أحمد، والذي أكد أن إعلان وإشهار المجلس سيكون خلال الأيام المقبلة.

كما أن قيادات عسكرية جنوبية، التقت بعدد من قيادات الحراك لتدارس الوضع في الجنوب، وكان وزير الدفاع اللواء، محمد ناصر أحمد، وهو ينتمي إلى الجنوب، قد زار عدداً من المحافظات بما فيها عدن. وحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، فإن "الرجل أجرى عدداً من اللقاءات إلى جانب تفقده المعسكرات التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة".

الوزير نفسه، التقى اللجان الشعبية في أبين، واستقبله عناصرها بترديد شعار "يا بن هادي سير سير نحن جيشك للتحرير"، بثّته قناة اليمن الرسمية، في إشارة للرئيس اليمني بتحرير الجنوب، وهو شعار كان يردده ولا يزال أنصار الحراك الجنوبي لقياداته.

وتجري هذه التحركات السياسية، في موازاة تحركات وحشد على الأرض في تصعيد جديد للجنوبيين، يبدأ من اليوم الثلاثاء، الذي يصادف الذكرى 51 لاستقلال جنوب اليمن عن الاحتلال البريطاني. واتخذ الجنوبيون الذكرى منطلقاً لبداية هذا التصعيد.

ووفقاً للمنظمين، فإن "التصعيد سيشمل تظاهرات متواصلة واعتصامات مفتوحة وعصيان مدني وصولاً إلى إسقاط المؤسسات الحكومية بطرق سلمية، لفرض الأمر الواقع".

ورغم الأمل والتفاؤل وسط الشارع الجنوبي من المعطيات الأخيرة، إلا أن ذلك امتزج بالخوف من معطيات أخرى، كعدم توحّد الجنوبيين وعدم جديّة الخارج الذي قد يقوم باللعبة نفسها التي يؤديها في الشمال وبعض البلدان العربية، فضلاً عن استغلال الجنوب فقط لمواجهة الحوثيين.

ويترافق كل ذلك مع ضرورة عدم إغفال مساعي الحوثيين للتمدد جنوباً، وتحول الجنوب إلى ساحة صراع بينهم وبين تنظيم القاعدة، بعد أن أعلن الحرب ضد التنظيم. وقد يستغل تحركات الجنوبيين على الأرض لإسقاط المدن تحت قبضته لمواجهة الحوثيين في حال لم تكن التحركات الجنوبية مدروسة وموحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى