arpo28

لجنة صياغة الدستور: سريّة وسفريات وصفقات مشبوهة

ليس لدى اليمنيين ما يقولونه كثيراً عن الدستور الذي تعدّه لجنة مكوّنة من 17 عضواً في الغرف المغلقة منذ ستة أشهر، باستثناء الانتقادات الموجهة إليها والحديث عن سفرياتها.

أحاطت اللجنة عملها ب "السريّة" وسافر أعضاؤها، أخيراً، إلى الإمارات لقضاء شهر يراجعون فيه المسودة النهائية لدستور بلد تتسابق على مساحاته الجماعات المسلحة، وسبق أن قضت اللجنة قرابة شهر في ألمانيا لأخذ دروس عن "الفيدرالية".

وتوَجّه اليمن نحو صياغة دستور جديد بعد تنحّي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ‏تحت ضغط ثورة فبراير/شباط 2011، ودخول اليمن فترة انتقالية بموجب المبادرة الخليجية التي نظمت عملية نقل السلطة وكانت بمثابة "بديل دستوري مؤقت".

وتولّى نائب صالح، عبد ربه منصور هادي ‏الرئاسة خلفاً له وعمل على عقد مؤتمر حوار استمر عشرة أشهر، خرج بتوصيات لصياغة ‏دستور جديد يتغيّر معه شكل الدولة من صيغتها البسيطة إلى المركّبة: دولة اتحادية ‏بستة أقاليم. ‏ويصبح سارياً بعد عرضه على الاستفتاء الشعبي.

وأصدر هادي قراراً بتعيين لجنة صياغة الدستور في مارس/آذار الماضي، واستمر عمل اللجنة بشكل سري متنقلة في عواصم خارجية. وحطّت رحالها أخيراً في أبوظبي الأربعاء الماضي. وبحسب تصريحات رئيسها إسماعيل الوزير، فإن اللجنة ستعقد اجتماعاتها "وفقاً لخطة عمل اللجنة وفي إطار إنهاء ومراجعة المسودة الأولية للدستور".

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر في أبوظبي أن اللجنة افتتحت اجتماعاتها "المغلقة"، الخميس الماضي، بحضور مساعد وزير الخارجية للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، السفير أحمد الجرمان وطاقم فني تابع للمبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر.

ووفقاً لقرار رئيس الجمهورية الذي يحمل رقم 26 لسنة 2014 بشأن آلية عمل اللجنة، فإنه "ينبغي أن تتم صياغة الدستور والاستفتاء عليه خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام الواحد، يبدأ احتسابه من تاريخ تسمية أعضاء اللجنة في الثامن من مارس/آذار الماضي. وينصّ القرار أيضاً على أنه "لا يجوز لأعضاء اللجنة الإدلاء بتصريحات عامة حول مضمون أعمال اللجنة ولا يجوز أيضاً تسريب أي وثائق أو معلومات حول أعمال اللجنة باستثناء ما تصرح رئاسة اللجنة بنشره عبر إدارة الإعلام في الأمانة العامة".

[b]انتقادات لاذعة[/b]

ولاقت الطبيعة السرّيّة لعمل اللجنة وتعدد سفرياتها، انتقادات حادة من قانونيين وكتاب وسياسيين، فضلاً عن المعارضة التي واجهتها منذ تشكليها في مارس/آذار الماضي، والتي تتركز غالبيتها حول عدم أهلية وكفاءة معظم أعضاء اللجنة، عدا عن الانتقادات التي وُجّهت لمخرجات مؤتمر الحوار التي تعتبر موجِهات للدستور قيد الصياغة.

وقبل ذلك كله، انهالت أيضاً اعتراضات على مسألة صياغة دستور جديد، باعتبار أن مشكلة الدستور الحالي لا تتمثل في نصوصه بل في عدم تطبيقها، إذ يرى الخبير القانوني عادل مجاهد الشرجبي، أن ‏الدستور الحالي "يتضمن الحد الأدنى من متطلبات الدولة الحديثة والنظام الديمقراطي. لكن ‏المشكلة أن تلك الأحكام لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وتم انتهاك الكثير من أحكام الدستور، سواء من ‏قبل الحكومة أو من قبل المجتمع". ‏

من جهته، يعتبر المحامي والخبير القانوني هائل سلام، في حديثه ل "العربي الجديد"، أن الكلام عن الدستور سابق لأوانه، لأن "العملية تُطبخ سريّاً ولا نعلم أي شيءٍ عن اتجاهات صياغته". معتبراً أن سفريات لجنة الدستور إلى "ما وصفه هادي، بالدول الشقيقة والصديقة لتستقي من تجاربها، تجعل اليمن استثناء فاضحاً ومخزياً في هذا الخصوص".

ويتساءل سلام "ماذا يمكن أن يكون الغرض منها (السفريات) على أي حال، ما الذي قد تجده هناك ولم تجده هنا في عصر ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؟". ويضيف "التجربة الاتحادية لدولة الإمارات التي قد تزعم كمبرر للزيارة، يمكن إطلاع اللجنة عليها هنا دونما حاجة أو ضرورة للسفر، خصوصاً أن اللجنة للصياغة، وليست لجنة إعداد".

من جهته، يسخر الكاتب السياسي نبيل سبيع، من سفريات اللجنة التي قال إنها "ستستلهم وتستفيد من تجارب كل البلدان باستثناء اليمن، وأنها ستخرج علينا بدستور يمكن تطبيقه في كل البلدان باستثناء اليمن". ويضيف في تعليق منشور على "فيسبوك"، أن الدستور اليمني المقبل "هو أول دستور في العالم يسافر خارج بلاده قبل أن يولد، وأكثر دستور في العالم يسافر خارج بلاده وهو لا يزال مسودة، وربما سيكون أول دستور في العالم يتعرف إلى بلدان عدة من دون أن يحظى بفرصة واحدة للتعرف إلى بلده".

[b]صفقات مشبوهة[/b]

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء فؤاد الصلاحي، فيعتبر أن أعضاء اللجنة "لا أحد فيهم له خبرة في الدستور، عدا اثنين، الأول كان وزيراً مع صالح، والثاني قانوني مغمور لم يكتب شيئاً في الفقه الدستوري".

وتابع الصلاحي، في تصريحات ل "العربي الجديد"، أنه "تم تنقل اللجنة من دولة إلى أخرى في إطار ترفيه خمس نجوم مع أن إعداد الدستور لم يكن ليتطلب هذا الأمر، فهناك خبراء كان بإمكانهم كتابة الدستور في شهرين من دون سفر إلى أي دولة"، معللاً ذلك ب "أن نصوص الدستور تعبير عن المشهد اليمني وظروف تحوله وأهداف ثورته ولا قيمة للخبرة الفنية في هذا الأمر، لأن مضمون الدستور سياسي واقتصادي واجتماعي محلي".

ويشير الصلاحي إلى أن التأخير في إنجاز صياغة الدستور يأتي "لأن المُخرِج لهذا الأمر يريد إطالة الوقت من أجل ترتيبات سياسية لمراكز القوى وحلفاء الخارج". ويعتبر أن "وجود اللجنة في خارج اليمن لا يعني إلا مزيداً من تدخل الخارج في نص الدستور وجعل اللجنة مرنة وقابلة للتكيف مع من عيّنها" وجميعهم، حسب وصفه، "متطلعون لمناصب مقبلة". ويشدد على أن الأصل في المرحلة الحالية هو إعادة للدولة وتحقيق الاستقرار الذي يعدّ الدستور إحدى أدوات تحقيقه.

ويؤكد الصلاحي أن "الأمر الخطير والأكثر أهمية أن نصوص الدستور في مسودتها الأولية يجب أن تعرض على الشعب لمناقشته ثم الاستفتاء عليه وحتى اليوم تعمل لجنة الدستور بعيداً عن الشعب ورقابته عدا معرفة مراكز القوى والأجهزة الامنية".

ويستبعد "إنجاز الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (كما هو مفترض). لأن مراكز القوى تريد تمديد الرئاسة لهادي، وفق صفقات ومساومات تحت مبرر الظروف الأمنية وعدم إنجاز ما كان متوقعاً من المهام السياسية وتحت مبرر المشهد الجديد بظهور (الحوثيين) وتمددهم في عموم اليمن. وهنا يكون للخارج الإقليمي ووكلائه، حصة من صناعة القرار السياسي، بما في ذلك صناعة الدستور وفق مقاساتهم".

[b]دستور آخر على الواقع[/b]

تُوصف مهمة اللجنة بأنها "فنية" تقوم بالجمع والتوفيق بين مخرجات مؤتمر الحوار الذي انعقد على مدى عشرة أشهر، من مارس/آذار 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2014، وأبرز مقرراته تحويل البلاد من نظام الدولة الموحدة إلى دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم تتمتع مكوناتها بسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية.

وأثرت التطورات الميدانية الدراماتيكية على متابعة اليمنيين لأعمال لجنة الدستور وتغير المشهد بطريقة سريعة من حديث حلول "الأقاليم" و"مخرجات الحوار"، ليغدو حديثاً ترفياً مقارنة بالتطورات المأساوية على الأرض، إذ ما يزال القسم الأغلب من "الحراك الجنوبي" يرفض مقررات الحوار.

وفي اتجاه آخر، سيطر "الحوثيون" على مركز الدولة ومحافظات واسعة شمالي البلاد، وكل ذلك يجعل من خطى فرض الأمر الواقع من الأطراف المختلفة أسرع بكثير من خطوات بناء الدولة وفقاً للدستور المرتقب.

زر الذهاب إلى الأعلى