عندما تمكن الحوثيون من اجتياح صنعاء ظهيرة 21 سبتمبر/أيلول الماضي، وسيطروا على أغلب المراكز السيادية فيها، بمؤازرة مجاميع إسناد قبلية وعسكرية وحزبية معلومة الولاء والتبعية، شرعوا بانتهاج طرق أخرى، لفرض وجودهم على ما تبقى من محافظات البلاد، عبر التوسع والانتشار غير المسلح، أو ما يمكن أن نسميه "التطبيع بالقوة الناعمة"، وهي خطوة متقدمة، استمدت شرعيتها وديناميتها مما حققوه على الأرض، من إخضاع للمدن والاستيلاء على معسكرات الجيش، مستفيدين من حالة الصرَع المصطنع الذي تمثلته أجهزة الدولة بكل أنواعها، وفي مستوياتها كافة، ولم تمنع هذه الاستراتيجية، كذلك، من اللجوء إلى خيار "حروب العنف" الذي اتُّبع لإخضاع محافظة عمران، أو في محاولة السيطرة على مناطق من محافظة الجوف، وصولاً إلى اجتياح العاصمة، وهو نفسه ما اتبعوه، أخيراً، في يريم والرضمة في محافظة إب، وكذلك في مديريتي رداع وولد ربيع في محافظة البيضاء، تحت مدعى محاربة تنظيم أنصار الشريعة التابع للقاعدة، بمساعدة وحدات عسكرية برية من الجيش اليمني، وتمهيد من الطيران الحربي اليمني والطيران الأميركي من دون طيار، تؤازرهم مجاميع قبلية محلية، مناوئة لجناح قبلي، يتهم باحتضانه التنظيم في تلك المناطق.
يقف محللون سياسيون وعسكريون متابعون للشأن اليمني عند جزيئاتٍ، تقع على حواف الصراع السياسي الدائر، من دون اختراق عمق المسألة وجوهرها، نظرا لحالة الالتباس من جهة، والتداعيات الاجتماعية التي قد تنشأ نتيجة التناول الصريح لقضايا شائكة وحساسة من هذا النوع، تتموضع وراء ما يجري؛ كالمذهبية، والقبلية، والسلالية، والمناطقية، وهو موقف تغيب معه التفسيرات الحقيقية، وتطغى عليها التكهنات والافتراضات.
[b]طبع الحركة وفكرة التطبيع بالقوة[/b]
نشأت الحركة الحوثية، حركة دينية تنويرية إصلاحية، لكنها كانت في سر المؤسس والمطور الحقيقي لها، حسين بدر الدين الحوثي، نواة لكيان سياسي مؤدلج، جامعٍ لكل أبناء الزيدية والفرق الشيعية المختلفة والهاشميين بدرجة أولى، بعدما تشتتوا في الأحزاب السياسية التي لا يمكنهم فيها الحفاظ على هويتهم وثقافتهم، أو التعبير عنها، والتأثير بها في سياسات واستراتيجيات وأهداف تلك الأحزاب بالقدر الكافي، خصوصاً الأحزاب الدينية التي يغلب عليها الفكر السلفي، مثل حزب التجمع اليمني للإصلاح، وكذا الأحزاب القومية واليسارية التي لا تتيح ذلك بتاتاً، وفقا لطبيعة تكوينها وأيدولوجيتها، ويزاد على ذلك، فشل بعض الأحزاب ذات التكوين المذهبي الزيدي، كحزب الحق، أو التي تحاول النأي عن تلك التهمة، كحزب اتحاد القوى الشعبية.
على مدى أكثر من عقدين من نشأتها، لم تتمكن الحركة الحوثية من تحقيق أهدافها، نتيجة الردع الذي كانت تواجهه من السلطة، وكذا التمرد المسلح الذي واجهت به نفوذ الدولة في معقلها في صعدة، وقد مثلت أحداث ثورة فبراير/شباط 2011 فرصة ثمينة، لتعلن ثورتها ضد الجميع، سلطة وثوارا، ثم حاولت، في تلك المرحلة، أن تبدي ذلك صراحة، لكن رجالها أدركوا أن الوقت غير مناسب، وأن مرحلة أخرى تنتظرها بمفردها، لتقوم بذلك العمل، ولذلك، لم تشارك في التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأعلنت أن الثورة مستمرة، ثم انطلقت لتحقيق الهدف الرئيس من نشأتها، وتوسيع دائرة الاحتواء لفئات كثيرة داخل المناطق السنية، على أساس نفعي أو سلالي أو مذهبي، أو حتى الذين لم يجدوا الحامل السياسي الحقيقي الذي يعبر عن معاناتهم وتطلعاتهم المشروعة، فضلاً عن استمالة من يقفون موقفاً عدائياً من حزب التجمع اليمني للإصلاح والجماعات السلفية التي تقف موقف المواجهة الفكرية من هذه الحركة.
في السنوات العشر الأخيرة، برزت الحركة الحوثية حركة دينية (مذهبية) مسلحة ذات ارتباط خارجي، تتصدره علاقتها مع طهران وحزب الله اللبناني، فاعتركت معها القوات المسلحة اليمنية في ست حروب (2004م- 2010م) واحتشدت إلى جانب القوات المسلحة مجاميع شعبية من محافظة صعدة، نفسها، ومن محافظة عمران على الطريق بينها والعاصمة، ثم توافد إلى صفوف الطرفين مقاتلون كثيرون من أغلب مناطق البلاد، بدافع مذهبي مشترك ومتباين الغايات، لكون الحركة تسعى إلى قيام دولة شيعية داخل بلد أغلب سكانه من السنة، أما الدافع الآخر فحداثي، وجسّده من التحق بالصف المناهض للحركة، باعتبارها حركة مسلحة جامدة الأفكار، تستهدف إسقاط النظام الجمهوري والتجربة الديمقراطية الناشئة، والعودة بالدولة إلى النظام الملكي، وإن حتى بثوب جمهوري، بحسب ما كان يثار في تلك الفترة، بل وحتى هذه الأيام.
ما يجب أن يشار إليه؛ لفهم ما يدور، اليوم، من تحرك وتوسع للحوثيين في مناطق معينة، أن خطأً كبيراً سلكته الدولة، وما تزال، في مواجهة أي جماعة مسلحة متمردة عليها، وهو استدعاء الروح المذهبية لمواجهة تلك الجماعة والتعبئة الدينية غير المعلنة إزاءها؛ فيندفع إلى صفوف طرفي المواجهة شباب تؤطرهم أفكار دينية متطرفة، كلٌ إزاء خصمه، ما أثر سلباً على مجريات المعارك لصالح الحوثيين، بحيث أوهن من عدالة القضية التي يقاتل الجندي اليمني تحت رايتها، كونه، في الأصل، يخوض معركة ضد جماعة مسلحة متمردة على النظام الجمهوري، من دون اعتبار لمذهب أو عرق أو سلالة. بعدها خرج المتقاتلون من هذه الحروب بضغائن وجروح عميقة متبادلة، يستعصي على النسيان طيها، واستطاعت الحركة، كذلك، أن تسجل في رصيدها نقاط فوز ثمينة، حين استخدمت المواجهات المسلحة التي خاضتها ضد القوات السعودية عام 2010 على الحدود المشتركة بين البلدين، واجهة لإثبات وطنية مشروعها في الدفاع عن الأرض والعرض.
إزاء تلك الضغائن والثارات والجروح العميقة المتبادلة، لا يمكن أن تكون جماعة أنصار الله (الحوثيون) مقبولةً أو مأمونة الجانب، داخلياً، في ظرف ومناخ غير حربي، إلا بانتهاجها مبدأ الإخضاع بالقوة المسلحة، أو بالقوة الناعمة، تجاه من لا يقبلون وجودها في مناطقهم؛ ولذا، فقد أتاح لها ما حققته في ميدان المواجهات المسلحة من قضاء مبرم على كثيرين من مناوئيها العسكريين والقبليين والسياسيين والدينيين، أن تعمد إلى استراتيجية "التطبيع بالقوة" في المناطق التي تحتاجها؛ ليكون وجودها ونشاطها السياسي والديني والاجتماعي، في الأيام المقبلة، أمرا غير قابل للرفض أو المساومة، بعد انتزاع ذلك بموجب اتفاقية السلم والشراكة الذي فرضته على المجموعة الحاكمة، ليلة اجتياح صنعاء في 21سبتمبر/أيلول الماضي، بعدما أزاحت وعطلت الكثير من مراكز النفوذ والتأثير السني في المناطق الزيدية، سواء الزعامات الدينية أو القبلية أو الأعيان المدنية؛ كالجامعات، والمعاهد، ودور القرآن، ودور الحديث، والروابط العلمية، والمقار الحزبية.
إذن، هكذا تبدو صورة الحركة الحوثية حتى يومنا، وهكذا تمضي في طريقها التوسعي من دون اكتراث للنتائج، وهي تستأثر بوظائف الدولة، بل وتنكر وجودها، بعدما ضربت أقوى ركائزها مع ما تنادي به من إخلاء للمدن من المعسكرات، ونزع لأسلحة الجماعات المسلحة، لكنها تستأثر بتلك الأسلحة وبالمعسكرات لنفسها، وتحتل مراكز سيادية حكومية وحزبية تحت يافطات ثورية وتصحيحية، ولا غرابة أن تقوم، بمعزل عن إرادة الدولة وأجهزتها المختلفة، بالانتقام ممن تراهم أعداءها، أو من تتهمهم باستهداف أعضائها ورموزها، بل وتجبر وحدات الجيش على القتال في صفوفها، أو أن تسطو على أسلحتها لدعم قواتها في هذه المواجهات، مثلما حصل في مناطق كثيرة من اليمن، كما لا يستبعد أن تشن، مستقبلاً، حروباً منفردة على دول الجوار، من دون قرار مركز الدولة، كما صنعت من قبل، تأسياً بما يقوم به حزب الله اللبناني، الملهم الروحي للحركة.
[b]تشريح العربة الحوثية[/b]
كشفت الوقائع والأحداث التي شهدت وتشهدها مدن اليمن أن الحوثيين ليسوا وحدهم من يقف وراء كل هذا الصخب والأحداث والاجتياحات المذهلة فيها، وأنهم ليسوا وحدهم من يقف وراء تعطيل وظائف الدولة وأدوارها، وفرض الوصاية على مؤسساتها، بل هناك أيادٍ أخرى لها ارتباطها الوثيق بكل ما يدور، وإن كان الحوثيون، وحدهم، من يشغلون واجهة الأحداث الكبيرة، لكن الواقع غير ذلك، فما هم إلا ترس واحد يدور داخل ماكينة ضخمة، تربض داخل عربة أطلق عليها كاتب هذا المقال "عربة الانقلاب الحوثي". والآن، لنشرّح جسد هذه العربة.
[b]الماكينة[/b]
يتجلى للمتتبع لأحداث ما يجري في البلاد، أن حزب المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله (الحوثيين) يتقاسمان تكوين هذه الماكينة، وإن كان المؤتمر صاحب الحظ الوافر فيها، من خلال خبرات كثيرين من رجاله في إدارة الأزمات وتوجيه الأحداث لما يتمتعون به من نفوذ في كافة أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وقد تلاقت مصالحهما منذ اللحظات الأولى لمعارك دماج أواخر عام 2013 وبداية عام 2014، بعدما تبين اشتراك بعض أبناء الشيخ عبدالله الأحمر في المواجهات المسلحة في الصف المنافح للحوثيين، وتطور الأمر، بعد ذلك، في أثناء المواجهات التي امتدت إلى معاقل أبناء الأحمر في مركز قبيلة حاشد وما حولها، التي يتزعمون قيادتها بعد وفاة أبيهم في أواخر ديسمبر/كانون أول عام 2007م.
بدت تلك الأحداث وامتداداتها فرصة لحزب المؤتمر ولرئيسه شخصياً (رئيس الجمهورية السابق، علي عبدالله صالح) لرد الصاع بأضعافه، على خلفية موقف أبناء الشيخ الأحمر من ثورة فبراير/شباط عام 2011 التي أسقطت صالح من كرسي السلطة، غير أن معلومات ساقها عضو في لجنة الوساطة الرئاسية في قضية دماج، تؤكد ضلوع الرئيس عبدربه منصور هادي، كذلك، في التهيئة، لأن يكسب الحوثيون جولة المواجهة بتهجير سلفيي دماج، وتقزيم من حاولوا الظهور أبطالاً ومجاهدين، ومنهم حسين عبدالله الأحمر الذي تزعم ما سمي ب"تحالف النصرة"، والذي شكل لنصرة سلفيي دماج، جراء حصارهم من الحوثيين، في ديسمبر/كانون أول عام 2013، وقد فتحت له جبهات قتال في كل من: كتاف التابعة لمحافظة صعدة، وحرض القريبة منها والتابعة لمحافظة حجة، ثم تكرر المشهد التحالفي، وفق هذه الثلاثية (الحوثي، وصالح، وهادي) على اختلاف كيفياته، في ما تلا ذلك من أحداث، بالسيطرة على مناطق حاشد وعمران وصولا إلى اجتياح العاصمة وإسقاط مراكز القوى المناوئة لهذه الثلاثية، غير أن تفاصيل الكثير مما جرى لم يكن ضمن المتفق عليه وهو ما قلب السحر على بعض السحرة!
ويبدي كثيرون من أفراد ميليشيا أنصار الله، من دون وجل، أن مشاركتهم مع الحوثيين في كل المواجهات والتوسعات، إنما تأتي في إطار تفاهمات مشتركة، أهمها التأسيس لتحالف سياسي مستقبلي قوي، يضمن عودة نجل الرئيس السابق إلى المشهد السياسي أو العسكري، بعيدا عن ضغائن الماضي التي فرقت بينهما؛ لخلق شراكة قوية مستقبلية تواجه كيانات سياسية بعينها وتحييدها عن أي استحقاقات قادمة.
[b]الهيكل[/b]
يتجلى هيكل العربة في صورة حوثية من خلال الوجوه التي تدّعي ذلك، وقد عزز من القبول بهذا الخداع لدى البسطاء، الأعلام الحوثية، وشعارهم المسمى "الصرخة"، الذي يلصق على الأسلحة والسيارات والهواتف المحمولة وعلى جدران المنازل والمكاتب الحكومية، بل ومن خلال ترديد مفردات هذا الشعار في المحافل والشوارع ووسائل النقل، بل وفي المعسكرات والدوائر الحكومية، لكن، من يعرف الحقيقة الكاملة هم الملتحمون بهذه المرافق والأعيان، فالحوثيين ليسوا بهذا الحجم ولا بهذه الأعداد الضخمة، ولا بهذا النفوذ وهذا التأثير، ولا بهذه القدرات والإمكانات، وسيكتشف المخدوعون، منهم وبهم، أنهم لا يختلفون كثيرا عن هيكل الحصان الطروادي في الأساطير الإغريقية.
[b]الوقود[/b]
يحرك الماكينة وقود حزبي، ومناطقي، ومذهبي، ثأري، يتقاسمه شركاء هذا الحشد، ويجتر المشهد التفاعلي داخل هذه الماكينة، مواجعه الملتهبة من صراعات خمسة عقود، في إطار النظام الجمهوري، وعشرات أمثالها خلال التاريخ اليمني الوسيط والحديث، اصطدم فيها الفكر بالفكر، والقبيلة بالحداثة والمدنية، والمذهب بالمذهب، والجغرافيا بالجغرافيا، في أكثر من جولة، وكانت آخر تلك الجولات اجتياح صنعاء، قبل أكثر من شهر، الذي حمل فيه طياته ردا عنيفا من طرف ضد أطراف تحالفت عليه في أحداث ثورة 2011، وأخرى لها ثارت ماضوية، لا تخرج عن تلك الثنائية، لتنتصر فيها القبيلة الغشوم، والسلالة المتحالفة، والثأر السياسي، ويسيّج ذلك كله أنانية الجغرافيا المحتكرة لمركز الحكم، في هذه الثنائية الجدلية، التي كشفت عنها أحداث 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
في كل المناطق التي يجتاحها الحوثيون، يبرز الوجه السلالي والمذهبي في صفوف من يشايعونهم، بما في ذلك أبناء الجماعات والفرق الشيعية الأخرى، ولعل أبرز ما رصد في مسيرة التحرك الحوثية خلال سيطرتها وبسط نفوذها في المدن، موقف فرقة الإسماعيلية الشيعية في منطقة عراس قرب مدينة يريم، وموقف أغلب الهاشميين في مدينتي إب والرضمة التابعتين لمحافظة إب، وكذا مديريتي رداع وولد ربيع التابعتين لمحافظة البيضاء، حيث تدافع أبناء مثل هذه الجماعات للقتال في صفوف الحوثيين، في أغلب المواجهات التي دارت هناك، وبالتطوع في اللجان الأمنية الحوثية التي تنظمها في المدن التي تسيطر عليها.
كما عملت الأحداث الإرهابية الجماعية والاغتيالات الفردية التي استهدفت عناصر من الجماعة الحوثية، أو من أشياعها ومناصريها، في العامين المنصرمين، من تنظيم القاعدة، على تأجيج روح العداء وعلو نبرة التطرف تجاه مخالفيهم، بل وصل الأمر إلى أن وصفوا كل من يقف في طريق مشروعهم بأنه تكفيري وداعشي وإرهابي، وتحولت تلك المآسي إلى وقود روحي لهذه العربة، تتولى نفثه المنابر الإعلامية المختلفة للجماعة الحوثية، في ظل حالة الإسبات القسري المفروض على المنابر الأخرى المعارضة، وخصوصاً المرئية منها، والتي هاجمت مقارها الجماعة في أثناء اجتياح العاصمة، كالقنوات التلفزيونية الحكومية الثلاث، وقناة سهيل الخاصة التي ناصرت الثورة الشبابية فبراير/شباط 2011م، وبعض الصحف التي عجزت عن مواجهة أعبائها المالية في هذه المواجهة.
[b]سلطة صريعة وتخاذل دولي[/b]
تبين بعد كل أعمال العنف والمواجهات المسلحة، التي قام بها الحوثيون خلال نحو عام، أنها لم تكن لتحدث، لولا رضى مراكز قوى في السلطة تملك قرار الردع والمواجهة، وبتوجيه أميركي غالباً ما يستشعر الخطر تجاه مصالحه، مع أي تنامٍ للقوى السنية في المنطقة، ومنها اليمن، وقد كان ذلك فرصة مواتية لمراكز السلطة تلك، لضرب مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية التي كانت تمثل توازنا إزاء قوى كثيرة قديمة أو صاعدة، وهي تستند إلى قوتها العسكرية التي تحتكم بها، وإلى القوة الشعبية الثورية التي جاءت بنائب رئيس معطل الصلاحيات، لأكثر من عقد ونصف، ليكون رئيسا أراجوزيا بنظر من جاءوا به، لكن هذا الرئيس وفريقه كانا يرتبان المسألة بطريقة أخرى، مستفيدين من تجارب سابقة ألقت بنظراء سابقين لهم إلى الحتوف أو المنافي، بعدما جاءوا إليهم بدولة كاملة التكوين عام 1990، وخرجوا منها مطاردين في صيف 1994.
لم يحسن المتآمرون حبك تلك المؤامرة، بحيث لا تفضي إلى ما أفضت إليه، من تحوّل رئيس الدولة ووزير دفاعه إلى شخصين ضعيفين وخائنين، في نظر الأغلبية الشعبية، ممن يخوضون في الجدل اليومي لوقائع ما جرى من انهيارات في كيانات الدولة، فقد صمت الرئيس ووزير دفاعه عن حرب ضروس، قادها الحوثيون لإسقاط وحدات عسكرية قوية التسليح، كانت تمثل الحزام الأمني الأول للعاصمة والنظام الجمهوري، لتُنهب أسلحتها ويشرد جنودها وضباطها، ثمنا للتخلص من نفر لم يكونوا، على الأقل، بهذا الانتقام والخطر الذي يحمله من احتلوا هذه المواقع، بدلا عنهم، حيث تسكنهم عبر الماضي ودروسه، وستأتي اللحظة التي سينتفض الحوثيون في وجه من تحالفوا معهم، سواء الرئيس السابق علي صالح، أو الرئيس الحالي، عبدربه منصور هادي، كحال الأفعى التي قالت في وجه الغادر بها: "كيف أعاودك وهذا أثر فأسك"؟!
أما الموقف الدولي، فقد كشف لجميع اليمنيين أن التعويل عليه حماقة، ما بعدها حماقة، وقد عبّر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بنعمر، أكثر من مرة، بقوله: "حل المشكلة اليمنية بيد اليمنيين أنفسهم"، وهي حقيقة يجري تجاهلها دائما، ويزيد من تعقيداتها تدخلات أطراف إقليمية متناحرة تجعل من اليمن ساحة بديلة لصراعاتها، ومن ذلك: السعودية، وإيران، إلا أن الدور الإيراني يبدو الأكثر تأثيرا ووضوحا، فيما تتغاضى السعودية عن أخطر الأوراق التي تمس كيانها السياسي، بالرهان على أطراف متعددة، والتآمر على ذاتها بذاتها، وستخسر في النهاية كل شيء، لتجد نفسها أمام وضع مضطرب داخل بلد لا يجب أن يكون على هذا الحال؛ لأن شرر نيرانه ستحرق من حوله بمن في ذلك الرياض.