بعد أيام من اجتياح جماعة "أنصار الله" للعاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر/أيلول الفائت، التقيت مصادفةً، بواحد من مسلحي الجماعة، لا يتجاوز عمره الـ16، ويلقب نفسه "أبو راكان"، بينما كان يحمل على ظهره "كلاشنكوف" طبعت عليه شعارات "الصرخة"، قال إنه ترك دراسته وانخرط يحارب في صفوف الحوثيين، وإن زعيمهم عبدالملك الحوثي، ينوي تحويل مساحة "الفرقة الأولى مدرع" العسكرية إلى حديقة لأبناء الشعب.
وما لفت انتباهي كان ردة فعله على تعليقي حول ضرورة أن يقوم زعيمهم بتحويل "جامعة الإيمان" أيضاً لمسرح وطني أو لدور سينما. تغيرت ملامح وجهه على الفور وقال: "أستغفر الله. أنت تريد سينما. هذا فسق".
عند هذه النقطة بالذات توقف حديثي الودي مع "أبو راكان"، وبدأت التفكير كم أن هذه الجماعة وغيرها من الجماعات المشابهة، تغسل أدمغة الفتية والشباب، حتى يظهروا أمامك بهذه الحماسة التي قد تؤذيك إذا ما تحدثت بعفوية، عن أهمية إيجاد سينما أو مسرح في مدينتك. وعلى الأرجح، لا تكون تلك الحماسة لفظية وحسب، وإنما حماسة قتالية أيضاً، تدفعهم لأرض المعركة يقدمون أرواحهم فيها دونما تردد أو حيرة وخوف.
أحد الشبان المرابطين في إحدى نقاط التفتيش الحوثية في صنعاء، يعتقد أنه يقوم بمهمة وطنية وإنسانية ودينية لأنه يحمي العاصمة وأبناءها ممن أسماهم "الإرهابيين المفسدين" داخل النظام الحاكم، نافياً أنه يؤدي تلك المهمة لدافع مادي يتحصل عليه، بحيث أنكر أنهم يتسلمون مبالغ مالية منذ سيطرتهم على شوارع صنعاء ومؤسساتها.
وأضاف شاب آخر كان بجواره: "كل شبان اللجان الشعبية هم جنود مجندة لله وللإسلام وللسيد عبدالملك الحوثي".
لا يملك شباب الحركة الحوثية، حين يستمعون لخطابات وأطروحات قيادات حركتهم، سوى أن يحفظوها جيداً، ويرددوها صبح مساء، بل ويقاتلوا من أجلها.
ومن الملاحظ تصدر وجوه شابة مناصب عليا ووسطى في جماعة الحوثي. وتكاد تكون حركة "أنصار الله" هي الوحيدة التي يقودها شاب لا يتجاوز عمره 33 عاماً، دوناً عن كل المكونات السياسية وحتى الجماعات الدينية المعتدلة أو تلك المتطرفة.
وتجدر الإشارة، إلى أن هناك امتعاضاً في الأوساط الشبابية اليمنية من سيطرة الأجيال القديمة على زمام الحكم والمعارضة في البلاد. ومما زاد الطين بلة، انتهاء ثورة الشباب فبراير/شباط 2011 ضد نظام صالح، بيد كهول وعواجيز يديرون نظام الجمهورية التي تعاني من ويلات اقتصادية وأمنية وسياسية متزايدة.
أحد الموالين للحركة يؤكد أن الشباب يتصدرون الواجهة السياسية والعسكرية للحركة، مشيراً إلى أن غالبية القيادات الميدانية العسكرية هم ممن لا تزيد أعمارهم عن ثلاثين سنة، وأن زعيم الحركة الذي أخرجها من جبال مران في صعدة شمال اليمن، هو شاب ثلاثيني.
واستغلت جماعة الحوثي بطالة الشباب في المناطق التي ينتشر فيها المذهب الزيدي الشيعي، واستقطبتهم لصفوفها مستخدمة وسائل عديدة بعضها ترغيبية وأخرى ترهيبية. وقد كثفت لبعضهم دروسها الدينية من خلال ملازم مؤسس الحركة حسين بدر الدين الذي قتل في إحدى حروب الحركة مع جيش الدولة عام 2004 في صعدة.
ويقول مصدر مطلع لـ"جيل" إن الجماعة في حروبها الأخيرة، "لجأت إلى فرض فدية على كل أسرة لا تقدم شباباً من أبنائها لجبهة القتال".
وقالت المدير التنفيذي لمؤسسة "بصمة شباب"، نسرين الجبري لـ"جيل": إن المستوى التعليمي المتدني فضلاً عن المستوى الاقتصادي الرديء والبطالة، سهل عملية استقطاب الشباب من قبل الجماعات الأصولية في اليمن".
ومهما كانت البيئة المحيطة مؤهلة لاستقطاب الشباب إلى الجماعات الدينية المتطرفة، لم يكن ممكنا لجماعات الموت هذه أن تحوز هذا اللفيف من الشباب لو تركت ثورته لحالها، ولو وجد مساحة ليقول لوطنه ما يعتمل في صدره.