يبدو أن خلافات "داعش" و"القاعدة" انتقلت إلى اليمن، إذ أعلن تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" رفضه لـ"خلافة" تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في موقف فاجأ جمهور الأول المتعاطف مع "داعش"، وانطلقت معه التحذيرات من انتقال الانقسام في صفوف الجهاديين إلى اليمن.
وجاء موقف "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" في تسجيل مصوّر لقرابة نصف ساعة تلاه القيادي في التنظيم حارث النظاري، الجمعة، وعقّب فيه على كلمة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، معتبراً أن "داعش" جماعة مجاهدة كغيرها من الجماعات المجاهدة، لكن إعلان الخلافة "لم يستوفِ الشروط اللازمة ولم يتم عبر المشورة مع أهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية، أو على الأقل بعضهم من العلماء الصادقين وقادة الجماعات المجاهدة"، موضحاً "أننا لا نرى صحة انعقاد هذه الخلافة ولا ما رتبوه على ذلك ولا نرى أن هذا الإعلان يبطل شرعية الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة".
وقال النظاري إنهم "فاجأونا بعدة خطوات كان منها إعلان الخلافة والتي مؤداها تصدير الفتنة والاقتتال إلى جبهات أخرى". وتابع "أعلنوا عن تنصيب خليفة لكل المسلمين، من دون أن تستوفي الخلافة شروطها ومن دون أن يوجدوا أي صيغة أو طريقة لحل الخلاف مع الجماعات المجاهدة في الشام".
وحمّل "داعش" كل "ما يترتب على هذه الاجتهادات والخطوات الخطيرة من إضعاف شوكة المجاهدين"، و"مسؤولية ما قد ينتج عن التعصب للآراء والتوسّع في الاجتهادات من سفك للدماء المحرمة بحجة التمدد وبسط سلطان الدولة"، مؤكداً أنه "في حال حصول الخلاف فنحن ملتزمون بالتحاكم إلى الشريعة الإسلامية عبر محكمة مستقلّة تفصل في الأمور وتحل الخلاف مع أي طرف من إخواننا المسلمين".
وكان تنظيم "قاعدة جزيرة العرب" الذي يضم فرعي التنظيم في اليمن والسعودية، قد تجنّب خلال الفترة الماضية تحديد موقفه المباشر من "داعش"، ودعا إلى وقف الاقتتال بينه وبين الجماعات الجهادية في سورية.
ويعتبر الباحث المتخصص في شؤون تنظيم "القاعدة" عبد الرزاق الجمل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "إعلان تمدّد الدولة الإسلامية إلى اليمن وإلغاء الجماعات فيها هو أكثر ما أزعج قاعدة اليمن وليس موضوع شرعية الخلافة من عدمه".
وركّز بيان "القاعدة" في الرد على كلمة البغدادي، أكثر من مرة، على مسألة قرار "داعش" بإلغاء الجماعات الجهادية حول العالم.
ويوضح الجمل في هذا الصدد، أن "قاعدة اليمن" ربما يتوقّع في الأيام المقبلة أن ينشغل أنصار وأتباع "الدولة الإسلامية" بإلغاء الجماعات الأخرى بشكل عملي، وعلى رأس تلك الجماعات تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، الذي كان يُنتظر منه، أكثر من غيره، مبايعة "داعش"، و"ذلك يعني الحرب، والحرب تعني ضعف الطرفين لصالح الخصوم".
لهذا، يضيف الجمل، "حمّلَ البيان الشيخ البغدادي تبعات تلك الفتوى التي جاءت في مرحلة تسليم البلد لجماعة الحوثي، وإعلان الجماعة الحرب على تنظيم القاعدة، والبدء عملياً بذلك في عدد من المحافظات اليمنية".
الجمل الذي أجرى العديد من اللقاءات الصحفية بقادة تنظيم "القاعدة" في اليمن، يرى أن "لغة قاعدة اليمن تغيّرت تجاه "داعش" بعد أن دخل اليمن على خط تمدده، على الرغم من أن هذا هو ما أكده "داعش" في اليوم الأول لإعلانه الخلافة، إذ أعلن وبشكل عام إلغاء الجماعات في كل البلدان التي تتمدّد إليها دولة الخلافة، بحسب ما ورد على لسان المتحدث الرسمي باسمه أبو محمد العدناني".
وكان تنظيم "القاعدة" قد بثّ قبل ساعات من نشر كلمة النظاري، كلمة للمسؤول العسكري لتنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، قاسم الريمي الملقب ب"أبو هريرة"، حول ما أطلق عليه "التحالف الأميركي الحوثي في اليمن"، وهو ما اعتبره الجمل "رداً غير مباشر على ما جاء في كلمة البغدادي بخصوص الحوثيين وعدم مواجهتهم، أما الرد المباشر فقد جاء على لسان النظاري"، في إشارة إلى الانتقاد الذي وجّهه البغدادي لمجاهدي اليمن واعتباره أن الحوثي لم يجد من يقاتله.
وفور نشر بيان "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" بتجديد الولاء لزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري ورفض خلافة البغدادي، انهالت تعليقات الجهاديين في شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات مهاجمة موقف "القاعدة"، ومحرّضة على قيادته، وهو ما يعزز تعاطف قسم من الجهاديين أو مناصريهم مع "داعش"، وينذر بخلافات داخل التنظيم الذي يضمّ نظرياً "قاعدة" اليمن والسعودية، غير أن السلطات السعودية تمكنت من وضع حد لعملياته ونشاطه في السنوات الأخيرة على أراضيها.
وحول ما يمكن أن ينتج عن الأزمة الأخيرة، يستبعد الجمل أن "يتطور الخلاف إلى صراع على المدى القريب"، لكنه يلفت إلى أن "شأن "داعش" في اليمن سيتعاظم، فكثير من المحسوبين على "القاعدة" في اليمن يميلون إليه".
من جهته، يرى المحلل السياسي نبيل الصوفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بيان النظاري، "يكشف عن انقسام واضح في صفوف تنظيمه، فهو يخاطب عناصره في اليمن وليس خارجها، ويؤكد عليهم بضرورة الولاء لـ"القاعدة في الجزيرة العربية"، وهو خطاب موجّه لعناصره وليس لداعش".
ويعتبر الصوفي أن "القاعدة" ببيانه هذا، "يحاول تهدئة الصراع والسيطرة على الميدان، ما يشير إلى مشكلة موجودة، وفي الوقت نفسه يطمئن داعش أنه لن يكون طرفاً ضده، ولكن الولاء في جزيرة العرب يبقى لنا".
ويشير إلى أن البيان يوضح خسارة "القاعدة" أفراداً ومصادر تمويل وإرباكه بسبب "داعش".
يُذكر أن "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" يتّخذ من اليمن مقراً له، وتصنّفه الولايات المتحدة على أنه أخطر فروع التنظيم الدولي الذي يتزعمه الظواهري، إذ تمكّن في الأعوام الثلاثة الماضية، ومن خلال فرعه المحلي "أنصار الشريعة"، من السيطرة على مدن يمنية، في وسط وجنوبي البلاد، وأعلنها "إمارات إسلامية" قبل أن تشن القوات الحكومية عمليات عسكرية لتحريرها. وتُعد قوات الجيش والأمن الهدف الرئيسي لعملياته التي وصلت إلى حد اقتحام مبنى وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء، في ديسمبر/كانون الأول 2013.
ويتعرّض التنظيم لضربات الطائرات الأميركية من دون طيار، التي تصاعدت منذ منتصف العام 2011، وتستهدف مشتبهين بالانتماء للتنظيم بين الفينة والأخرى، ونتج عنها مقتل المئات بينهم مدنيون.
وفي آخر تسجيل، لمن يوصف بأنه "القائد العسكري" للتنظيم، أبو هريرة الريمي، أعلن التنظيم أن جماعة الحوثي باتت أولوية لهجماته.