arpo23

الساحة الإعلاميّة في قبضة الحوثيين في 2014

لم يمرّ عام 2014 على وسائل الإعلام اليمنية بسهولة. فقد تحوّل عدد منها من وسيلة ناقلة للأخبار إلى خبر بحد ذاته: مقتل صحافيين، اعتداءات، اقتحامات، أعمال نهب، وقصف لمكاتبها.

لطالما ارتبط الإعلام في اليمن بالواقع السياسي والأحداث عموماً في البلاد، سواء في حالة الاستقرار والاضطراب. لكن الأبرز في 2014، أنّ وسائل الإعلام صارت الهدف الأول في طريق ضرب خصوم السياسة.

بدت أخبار اقتحام جماعة أنصار الله (الحوثيون) منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، في سبتمبر/ أيلول الماضي مقرات إعلامية وتهديدات تلقاها عدد من الصحافيين في النصف الثاني من العام الحالي، الحدث الأبرز.

وظلت التقارير الصحافية والحقوقية عن اليمن تركز على واقع الانتهاكات التي تعرّض لها الإعلام على أيدي مسلحي جماعة الحوثيين. إذ كانت السلطة هي صاحبة اليد الطولى خلال الأعوام الماضية في الانتهاكات، لكن الحوثيين بدوا أكثر بطشاً في التعامل مع وسائل الإعلام وفي فترة قياسية لا تتجاوز أربعة أشهر.

وتسارعت الأحداث والانتهاكات التي تتعرض لها وسائل الإعلام منذ تقدم معارك الحوثيين إلى العاصمة، التي تحتضن مئات من المقرات والمؤسسات الإعلامية التلفزيونية، والورقية، والإلكترونية، والإذاعية.

ورصدت منظمة محلية أكثر من 50 انتهاكاً تعرضت لها وسائل الإعلام، في غضون شهر واحد على سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء. وقالت منظمة "حرية" إن الانتهاكات شملت وسائل إعلام حكومية، وخاصة وحزبية، وحملات تحريض واعتداءات تعرض لها صحافيون.
وتعرض مبنى التلفزيون الحكومي، الذي يضم محطات "اليمن" و"سبأ" و"الإيمان"، في منتصف سبتمبر الماضي، لقصف مدفعي وحصار لطاقم عمله بنيران الحوثيين، وسيطروا عليه بعد أيام من بدء الهجوم.

وتوقف بث تلك المحطات، واضطرت الحكومة إلى إعادة البث من مكان آخر بعد سيطرة الحوثيين على المبنى. وبعد أيام، أعلن التلفزيون عودة البث من مبناه الرئيس في حي الجراف، شمالي العاصمة صنعاء.

كما هاجم الحوثيون محطة "سهيل" الخاصة وتمكنوا من اقتحامها ونهب أدواتها ومعداتها، ومحاصرة العاملين فيها، ثم سيطروا على مقرها، وتوقف بث المحطة لأكثر من شهر ونصف.
كما اقتحمت الجماعة المسلحة إذاعة "حياة أف أم" التي يملكها رجال أعمال في العاصمة، ونهبت معداتها. وتعرض المكتب الإعلامي لـ"الحزب الاشتراكي اليمني"، الذي يدير موقع "الاشتراكي نت" وصحيفة "الثوري" الورقية، للاقتحام، كما اختطف أحد عامليها.

كما اقتحموا منازل صحافيين، من بينهم المدير السابق للفضائية اليمنية عبد الغني الشميري، والكاتبة الصحافية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "الشموع" سيف الحاضري، ووزير الإعلام السابق علي العمراني، والمنتج في مكتب قناة "الجزيرة" يوسف قاضي، ومراسل موقع "الجزيرة نت" عبده يحيى عايش، ونائب رئيس الدائرة الاعلامية في حزب "الاصلاح" عدنان العديني.

واضطرت صحيفة "المصدر" إلى الاحتجاب لأيام، وأغلق تلفزيون "يمن شباب" المحلي مقره، فضلاً عن مغادرة صحافيين إلى خارج العاصمة، خشية اقتحام مقرات عملهم أو تعرضهم للاعتقال من قبل مسلحي الجماعة.

وفرضت الجماعة المسلحة، مع سيطرتها على العاصمة، نفوذها على التغطية الإخبارية لوسائل إعلام حكومية، من بينها وكالة "سبأ"، وموقع "سبتمبر نت" الناطق باسم الجيش، وإذاعة صنعاء.

وتعرضت وسائل إعلام دولية وطواقمها العاملة في اليمن للتحريض والتشهير والاعتداء على طواقمها. وهذه القنوات هي: "الجزيرة"، و"العربية"، و"بي بي سي"، و"سكاي نيوز عربية"، وموقع "سي أن أن عربي"، وصحيفة "القدس العربي".

انتهاكات السلطة

ولم يكن الحوثيون وحدهم مَن يغلقون وسائل الإعلام، إذ اقتحمت قوات الحرس الرئاسي، في 11 يونيو/ حزيران، مقر تلفزيون "اليمن اليوم"، في العاصمة وأوقفت بثه بعد مصادرة أجهزته وعدد من معداته. وعقّد الخلاف السياسي الحاد بين الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح من إمكانية عودة بثه.

لكنّ المحطة عاودت البثّ، في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني، بعد تعاظم الخلاف بين هادي وصالح وإصدار الأخير مع قيادات موالية له في "حزب المؤتمر الشعبي العام" قراراً بفصل هادي من موقعه كأمين عام للحزب.
وأعلنت المحطة، السبت الماضي، الإفراج عن إحدى مذيعاتها بعد يوم من اختطافها في أحد أحياء العاصمة، وقالت في شريطها الإخباري، إن المذيعة داليا دائل اختطفها مجهولون في حي الحصبة، مساء الجمعة الماضي، واقتادوها إلى مكان مجهول.

وفي مدينة عدن (جنوب البلاد)، أقدمت قوات مكافحة الشغب على الضرب بأعقاب البنادق لصحافيين معتصمين أمام مؤسسة "14 أكتوبر للصحافة" (حكومية)، في يونيو الماضي، واستخدمت الغازات المسيلة للدموع وإطلاق الرصاص الحي لفض الاعتصام.
وامتدت لأشهر أزمة في إدارة المؤسسة، التي يتهم فيها صحافيون وعاملون رئيس مجلس إدارتها بالفساد المالي والإداري. لكن الاعتصامات وتنفيذ فعاليات احتجاجية لم يلق أي تجاوب من السلطات المعنية حتى اليوم.

اعتداءات الحوثيين تتمدّد
مع تمدّد المعارك التي تخوضها جماعة أنصار الله، وصلت اعتداءاتها إلى محافظة إب (وسط البلاد)، وتعرّضت الإذاعة الحكومية في المحافظة للقصف المدفعي، وتعرّضت مكاتبها للدمار الجزئي، وتوقف بثها لأيام.

ولم يتوقف الأمر هنا، فقد تعرّض صحافيون في المدينة لتهديدات بالقتل، وقال محمود الحمزي، وهو مراسل يعمل لدى موقع "المصدر أونلاين"، إنه تلقى تهديداً بالتصفية على خلفية تغطيته للأحداث الدائرة بالمحافظة.
وقال مراسل موقع "الجزيرة نت" في اليمن، مارب الورد، لـ"العربي الجديد"، إن الإعلام اليمني يمر بأصعب مراحله، بعد حملة "ممنهجة" لجماعة الحوثيين ضد الإعلام مؤسسات وأفراداً تتمثّل في التحريض عبر قناتها التلفزيونية وناشطيها، ثم التهديد العلني على لسان قياداتها وآخرهم زعيمها.

مقتل مخرج إذاعي

في 16 من أغسطسآب الماضي، توفي المخرج في إذاعة صنعاء الحكومية، عبد الرحمن حميد الدين، متأثراً بإصابته عندما فتح مسلحون مجهولون النار عليه وسط العاصمة صنعاء.
ولم تعلن السلطات الأمنية منذ وقوع الحادثة عن هوية الجناة. وفي اليوم ذاته، نجا المخرج في تلفزيون اليمن الحكومي إبراهيم الأبيض من الموت، عقب إحباط محاولة تفجير سيارته بعبوة ناسفة في العاصمة.

صحيفة "الثورة"
ما زال الحوثيون يسيطرون على صحيفة "الثورة" (كبرى الصحف الحكومية في اليمن)، منذ اقتحامها في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، وفرضوا أحد الموالين لهم مسؤولاً "مالياً وتحريرياً".
وأصدر الحوثيون، بالتعاون مع صحافيين موالين لهم، أعداداً من الصحيفة، ونشروا تغطيات إخبارية ومقالات "تشيد" بدور الجماعة في ما يصفونه ب"مكافحة الفساد".
وكانت وزارة الإعلام قد أمرت بتوقف العاملين في الصحيفة عن العمل، وإيقاف توزيعها، لكن ذلك لم يحل دون إصدار أعداد ورقية أخرى من قبل الحوثيين. وكانت نقابة الصحافيين اعتبرت أن الصحيفة مختطفة لدى الحوثيين.

مقتل المصور لوك سومرز
لم يكن المصور الصحافي لوك سومرز يعلم أن الذهاب إلى اليمن قد يكلفه ثمناً غالياً... عاد الشاب الأشقر جثة هامدة بعدما قتله تنظيم "القاعدة" خلال عملية حاولت إنقاذه مطلع ديسمبر الحالي.

وخُطف سومرز، في سبتمبرأيلول عام 2013، وكان قد وصل إلى اليمن مطلع فبراير/ شباط لتغطية الاحتجاجات التي شهدتها البلاد ضد نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
وفي مايو/ أيار الماضي، رحّلت السلطات اليمنية مراسل صحيفة "واشنطن بوست"، آدم بارون. وبررت هذا الإجراء خشية تعرضه "لمكروه". وكشف صحافيون عن تلقي الصحافي الأميركي آدم بارون رسالة من جهاز الأمن القومي (الاستخبارات) تخبره بأنه غير مرحب به في اليمن.

المنظمات الدولية: الحريات في خطر

ومع تطور الأحداث في العاصمة اليمنية، صنعاء، وباقي المحافظات على طول البلاد، بدأت تخرج أصوات محلية وغربية وتعبّر عن قلقها من تدهور الحريات في اليمن. وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود"، التي تتخذ من باريس مقراً لها، جماعة الحوثيين تهديداً لحرية الإعلام واستقرار البلاد، بعد شنهم هجمات على مقرات إعلامية وتهديدهم للصحافيين.

وقالت: "لا يتوانون عن الاستيلاء على مقار وسائل الإعلام واعتقال الصحافيين أو خطفهم"، وقالت نائبة مديرة البرامج في المنظمة، فرجيني دانغل: " تشكل تهديداً حقيقياً لحرية الإعلام وعملية التحول السياسي التي تعيشها البلاد". من جهته، أعرب "الاتحاد الدولي للصحافيين" عن قلقه من محاصرة وقصف الحوثيين لمبنى التلفزيون الحكومي في صنعاء، وعبّر عن صدمته العميقة من "الأخبار المفزعة" عن القصف المتواصل من مسلحي الحوثيين على مبنى التلفزيون. ودعا السلطات اليمنية إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا القصف.

وقال رئيس الاتحاد: "هذا الاعتداء هو انتهاك واضح للقانون الدولي وجريمة ضد حرية الصحافة وحرية التعبير". ها هو العام 2014 يشارف على نهايته، وحرية الإعلام في اليمن في تراجع وتهديد مستمّرين في ظل مشاركة كل الأطراف بهذه الانتهاكات.

كُلّ هذا، علماً أنّ الإعلام اليمني إرتكب الكثير من الانتهاكات المهنيّة هذا العام، وتمّ رصدها. وتنوّعت من انتهاكات المهنة إل التحريض وبثّ الكراهية.

زر الذهاب إلى الأعلى