تتجه مدينة رداع التاريخية لتسجيل اسمها في لائحة الضحايا الكثر الذين خلفتهم المواجهات بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، فهذه المدينة الغنية بالمواقع التراثية تئن تحت سطوة السلاح والجهل بقيمتها التاريخية.
بدلا أن تدرج مدينة رداع اليمنية (جنوب شرق صنعاء) على لائحة التراث العالمي حولتها الأطراف المتصارعة -خاصة الحوثيين وتنظيم القاعدة- لساحة قتال تدمر البشر والحجر، خصوصا الآثار والمواقع التاريخية الثمينة في هذه المدينة.
وتشتهر رداع -التابعة لمحافظة البيضاء- بقلعة تاريخية شيدها أحد ملوك التبايعة (مملكة التبّع) في القرن الثالث الميلادي، وبجوارها مسجد العامرية المبني مطلع القرن الـ16، والذي أبهر الهولنديين وخصصوا مبالغ كبيرة لترميمه وضمه لقائمة التراث العالمي.
ويستخدم الحوثيون هذه القلعة -منذ أن سيطروا على رداع في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي- موقعا عسكريا كونها حامية للمدينة، وحصنا منيعا يقيهم هجمات القاعدة، نظرا لارتفاعها وشدة تحصينها من جميع الاتجاهات، حيث لا يمكن الدخول إليها إلا عبر بوابة واحدة.
حاولت الجزيرة نت زيارة القلعة للتأكد من هوية المتواجدين فيها، لكن تم منعها بحجة أنها موقع عسكري، ولكن كان واضحا سيطرة مسلحي جماعة الحوثي عليها، يساندهم بضعة أفراد من وحدات الأمن المركزي التابعة للجيش اليمني.
كارثة إنسانية
وحسب الناشط الحقوقي في رداع عمار التام، فإن هذه القلعة والعديد من المواقع التراثية المحيطة بها أصبحت في مرمى الصراع المسلح، مشيرا إلى أن القلعة الأثرية -التي تم تحويلها موقعا عسكريا- تعد من أكثر المعالم التاريخية في المدينة المهددة بخطر الانهيار نتيجة الصراع المسلح.
وقال للجزيرة نت إن هناك مدفعية وأسلحة ثقيلة جلبها الحوثيون إلى داخل هذه القلعة التي سبق أن لحقت بأسوارها أضرار جراء تعرضها لقصف متبادل بين الطرفين رغم كل النداءات المتكررة بضرورة إبعادها عن الصراع.
وأضاف أن أكثر ما يضاعف مخاطر سقوط هذه القلعة في أي لحظة ظهور تشققات كبيرة في جدرانها كونها لم ترمم لعقود، مشيرا إلى أن تهدمها لن يمحو إرثا وتاريخا ثقافيا في المدينة يمتد لآلاف السنين فقط، بل ستنجم عنه كارثة إنسانية تهدد سكان المنازل المحيطة بها.
توقف السياحة
وللسياحة في هذه المدينة حصة الأسد من معاناتها، فالنشاط السياحي متوقف بشكل كامل فيها منذ سنوات طويلة جراء الصراعات المستمرة، حسب مدير مكتب السياحة بمدينة رداع قاسم محمد عشيش.
وتابع أن المخاطر التي أصبحت تهدد المعالم الأثرية والسياحية كثيرة، أبرزها عوامل التعرية التي بدأت تؤثر في كثير منها.
وقال عشيش للجزيرة نت إن كثيرا من هذه المباني الأثرية لم ترمم منذ سنوات، وإن الوضع الحالي لقلعة رداع خطير جدا، وينذر بكارثة وشيكة إن لم تتم إعادة ترميم أسوارها ومرافقها التي أصبحت سيئة للغاية ومعرضة للسقوط في أي لحظة.
وأوضح أن البوابة الرئيسة للقلعة تعرضت للانهيار في سبتمبر/أيلول عام 2012جراء الإهمال وتسرب مياه الأمطار وتمت إعادة بنائها على نفقة السلطة المحلية في رداع، لكن باقي أجزاء القلعة لا تزال على حالها دون ترميم منذ سنوات.
ولا يخفي المسؤولون والمختصون بالتراث في مدينة رداع مخاوفهم من وصول الصراعات والنزاعات المسلحة الدائرة في عدد من المناطق إلى المباني والآثار التاريخية، ويرى مدير الآثار بمحافظة البيضاء غازي الماوري أن الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة تتحملها الدولة والمجتمع المدني.
وقال للجزيرة نت إن على جميع الأطراف المتصارعة العمل على حماية هذا الإرث التاريخي وعدم الزج به في أتون الصراعات المسلحة، لما له من أهمية كبيرة باعتباره كنزا تاريخيا ورافدا اقتصاديا كبيرا لمنطقة رداع واليمن ككل.