ارتفعت، في الآونة الأخيرة، وتيرة الاقتحامات والنهب للمصارف والمؤسسات المالية اليمنية، الحكومية والخاصة، في عدد من محافظات البلاد، خصوصاً الجنوبية منها، في تطور غير مسبوق لأعمال العنف المرتبطة بالجماعات المسلّحة، وسط غموض حول الجهة التي تقف خلفها، وشكوك حول تورط مسؤولي هذه المؤسسات.
وباتت البنوك والمؤسسات المالية الحكومية والخاصة، في مرمى غزوات النهب في محافظات جنوب اليمن، لا سيما المحافظات التي يوجد فيها تنظيم "القاعدة" وجناحه، تنظيم "أنصار الشريعة"، الذي شنّ عدّة هجمات بات يطلق عليها الأهالي "غزوات البنوك"، بدأها في مدينة سيئون، عاصمة الوادي والصحراء لحضرموت، شرق البلاد، وامتدت لتصل إلى شبوة وأبين ومأرب. ويوم الثلاثاء الماضي، وقعت أربع عمليات نهب لبنك حكومي وآخر خاص، ومكتب البريد في مدينة الشحر، بمحافظة حضرموت، بالإضافة إلى عملية نهب في محافظة شبوة طالت أموال أحد البنوك، عقب محاولة نقلها من محافظة مأرب.
وكان التنظيم قد اعترف في أكثر من مرّة بقيامة بعمليات اقتحام للبنوك والمدن، في مدينتي سيئون والمكلا.
واتهم مصدر في وزارة الداخلية اليمنية، في حديث لـ"العربي الجديد"، عناصر تنظيم "القاعدة" بالوقوف وراء عمليات النهب التي تطال البنوك والمؤسسات المالية الحكومية والخاصة. ولم يستبعد المصدر، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن تكون "هناك أطراف أخرى متورطة في هذه العمليات لتسهيل قيام التنظيم بذلك، عبر تزويده بالمعلومات"، مؤكّداً أنّ "أكثر من خمس وعشرين عملية نهب حصلت لمؤسسات مالية وبنوك حكومية وخاصة، في عدد من محافظات اليمن، وغالبيتها في المحافظات الجنوبية الشرقية منها، كحضرموت وشبوة".
ولجأ تنظيم "القاعدة" إلى غزوات النهب لتمويل عملياته، خصوصاً بعد حصوله على فتوى دينية تتيح له القيام بذلك، إذ يرجح الخبراء أنه يعاني من أزمة تمويل خانقة بعد عملية تجفيف المنابع التي قامت بها الحكومة اليمنية.
ورجّحت مصادر في السلطات المحلية، في محافظتي حضرموت وشبوة، أنّ ما بات يُعرف ب"غزوات البنوك" لم تعد حكراً على عناصر تنظيم "القاعدة"، بل قد تكون أطراف أخرى متورطة، كالعصابات، وأطراف سياسية، خصوصاً، لا سيما أنّها زادت في الفترة الأخيرة، وبشكل منظّم أكثر تغلب عليه صفة الشبكات، وباتت تجري بشكل شبه يومي.
ويقول المحلل السياسي ماجد الداعري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القاعدة" اتخذ من عمليات نهب البنوك والمؤسسات المالية "استراتيجية جديدة له لتغطية نفقات هجماته". غير أنّه اتهم "جهات معينة"، لم يسمّها، بالتورط، واتهم "المسؤولين عن تلك المصارف والمؤسسات بالتواطؤ، إن لم يكن التنسيق السري مع التنظيم". ويدعم اتهامه هذا بالقول إن بعض تلك المرافق المالية تعاني من فضائح وفساد وعجز مالي، لا سيما الحكومية منها، لذلك يلجأ بعض مسؤوليها إلى التنسيق مع عناصر تنظيم "القاعدة" لتسهيل عملية اقتحامها "كنوع من تغطية عجز هذه المرافق عبر نهب التنظيم لها".
ولا تُستبعد احتمالات تورط جهات سياسية، إذ يرى مراقبون أنّ هناك شخصيات تعمل من أجل إفشال مهمة المسؤولين الجدد مع التغييرات الحكومية الجديدة في قيادة عدد من المحافظات، والتي كان من بينها حضرموت.
لكن يكاد يتفق الجميع أن ارتفاع وتيرة هذه الأعمال تعود بشكل أساسي إلى الانفلات الأمني وتعثر الدولة عن القيام بواجبها، وتحول الجيش المنقسم من موقع المهاجم إلى موقع المدافع، بعد الضربات التي تلقاها من قبل "القاعدة" والحوثيين والاختراقات التي ضربت عزيمة أفراده، خاصة في محافظة حضرموت.
وعلى خلفية تزايد هذه العمليات، لجأت العديد من المصارف إلى إغلاق عدد من الفروع التابعة لها كإجراءات احترازية، في الوقت الذي باشرت الأجهزة الأمنية تحقيقاتها مع بعض قيادات تلك المرافق المنهوبة.