على الرغم من توقيع "اتفاق السلام والشراكة الوطنية" في اليمن في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول 2014؛ إلا أن الدولة لم تستطع بسط نفوذها على الأراضي اليمنية كافة، إذ ظلت شكوك كل طرف في الطرف الآخر، أقوى من بنود الاتفاق الذي دعا من بين أمور أخرى، إلى إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية وتحقيق الرفاه الاقتصادي.
وللأسف، إن ما حدث خلال الأشهر الثلاثة التي أعقبت الاتفاق على الورق، هو العكس تماماً، إذ تأججت حرب عمياء لا تحسب أطرافها ولا تتحسب من انهيار اليمن كدولة ومجتمع. فقد أطلق جمال بن عمر، الوسيط الأممي، تحذيره الصادم بأن الاقتصاد اليمني على شفا الانهيار، وأن استمرار العنف، يمكن أن يصل قريباً بالدولة اليمنية، إلى الوقف التام للخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والكهرباء والماء، والعجز عن دفع رواتب الموظفين.
فقد أوقع المتحاربون والمتطرفون الإرهابيون، تخريباً وعطباً في البنية التحتية لنقل البترول، وتزويد السكان بالطاقة، وفُجرت الأنابيب التي تمر في البلاد، لتحرم الدولة من عوائد مالية معتبرة، وتفشى الفساد في هوامش الحرب، بمعدلات خرافية، وحلّ المسلحون الجامحون في كافة المحافظات، بدلاً من عمال التنمية والأشغال البناءة والمشروعات التي تلبي حاجات أساسية للسكان. ويترنح البنك المركزي اليمني الآن، تحت ثقل الديون الخارجية (7 مليارات دولار) والداخلية (17 مليار دولار)، إذ تأجل سداد أقساط هذه الديون، بسبب التدمير الحاصل في المرافق الإنتاجية وأنابيب البترول، ما يجعل الدولة مضطرة للبحث عن دائنين آخرين، يرفعون مديونيتها إلى معدلات أعلى من معدلات الحرب ونيرانها وأثمانها الباهظة.
ومن المفارقات، أن الأوساط الرسمية اليمنية، أظهرت منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة في 21 سبتمبر الماضي، الكثير من الحذر في التصريحات حول مسؤولية هؤلاء عن بؤس الاقتصاد الذاهب إلى كارثة.
بل إن مبعوث الأمم المتحدة نفسه، لم يجرؤ على لوم الحوثيين، واكتفى في تصريحاته الإعلامية بالقول إن "الفراغ الأمني" هو السبب، وأن الوضع معقّد، ولا يتحمل مسؤولية التردي حزب واحد". لكن ما لا يختلف عليه اثنان، أن هؤلاء جعلوا الاقتصاد اليمني أسوأ، لأن المانحين توقفوا عن الدعم بذريعة تردي البيئة الاقتصادية في اليمن وإدارة الحوثيين للحكومة!
اتفاق السلم والشراكة الوطنية، كان عصارة فكر ومنطق جميع حكماء الطيف السياسي والفكري اليمني، لكن بؤس الحال الاقتصادية ينذر بكارثة محققة ما لم يقترن كلام اليمنيين بإرادة وطنية تأخذهم إلى السلم الحقيقي والشراكة!