يقترب الشابان اليمنيان، سليمان النواب، وصفاء الهبل، من إكمال بناء منزل لأسرة فقيرة، بجهود ذاتية، بعدما جعلهم العوز في قبضة المؤجر الذي استغل الأسرة كلها لخدمته، إلى أن تحرّش بواحدة من فتياتها.
وتحكي القصة جانباً من حالات استغلال الفقر في اليمن، لكنها تجسّد، في جانب آخر، صورة رائعة للعمل الإنساني في ظل الأوضاع المضطربة التي يعيشها البلد.
وتشهد اليمن ارتفاعاً غير مسبوق لإيجارات المساكن والمكاتب والمحلات التجارية، وارتفعت معدلات الإيجار بأكثر من 10% خلال العام الماضي 2014، وفق تقديرات شركات عقارات في اليمن.
وقالت الهبل ل "العربي الجديد": "تتكون الأسرة من سبعة أفراد، الأب أبكم وأصم، والأم وثلاثة أولاد وبنتين، موضحة أن الأبناء جميعاً يدرسون، في مراحل تعليمية مختلفة".
وأضافت: "علمنا بالحالة ونحن في بداية تأسيس مبادر "Be+" أو "كن إيجابيا"، وعملنا على تقديم دعم مادي محدود، وبعد متابعة استمرت مدة أربع سنوات لاحظنا أن أوضاعهم لم تتحسن بسبب سوء تعامل المؤجّر معهم.
ووفق الهبل، عجزت الأسرة عن دفع قيمة إيجار المسكن، فاستغل المؤجِّر أوضاعهم وفقرهم، فعمل الأب لدى المؤجر مقابل سكنه وأسرته، بالرغم من أن المؤجر يجني أرباحاً جيدة إلا أنه استغل إعاقة الأب.
وتضيف الهبل: "عندما كبرت البنت الأولى بدأت تصرفات المؤجر تزداد غرابه وبدأ يضايق الفتاة ويتحرش بها. أبلغتنا الفتاة بذلك، واضطررنا إلى القيام بخطوة للمساهمة في حل مشكلتهم جذرياً، وقد تفضلت إحدى المحسنات بالمساهمة في قيمة قطعة أرض، وتمكنا حتى الآن من تنفيذ أغلب البناء، لكننا لا نزال في أمسّ الحاجة لكثير من المساعدات لإتمام المنزل، حتى يكون صالحا للسكن".
وقالت الهبل، إن المبادرة إنسانية ولا علاقة لها بأي توجّه سياسية أو حركة دينية، موضحة أن كافة النشاطات التي تقوم بها المبادرة يتم نشرها والتعريف بها على صفحة خاصة بالمبادرة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وأضافت: "نحن فقط نسعى إلى نشر الخير والمشاركة الإنسانية، وتنميتها بعيدا عن كل ما يدور في الساحة من صراع سياسي ومذهبي".
ومنذ 21 سبتمبر/أيلول الماضي، تسيطر جماعة الحوثي بقوة السلاح على المؤسسات الرئيسية في صنعاء، ويتّهم مسؤولون يمنيون وعواصم عربية وغربية، إيران، بدعم الحوثيين بالمال والسلاح، ضمن صراع على النفوذ في عدة دول في المنطقة بين إيران والسعودية جارة اليمن، وهو ما تنفيه طهران.
وقال الناشط الحقوقي، غمدان اليوسفي، في حديثه عن المشروع: "هؤلاء هم أنصار الإنسان".
وانتشر في اليمن مؤخرا اسم "الأنصار" مع أسماء جماعات مسلحة، فجماعة الحوثيين أطلقت على نفسها اسم "أنصار الله" وتنظيم القاعدة في اليمن أطلق على نفسه اسم "أنصار الشريعة".
وقال اليوسفي: "صفاء الهبل وسليمان النواب شابان يعملان من أجل الناس بلا تقديم مشاريع ولا منح ولا مقرّ ولا سيارة ولا أي من مظاهر البذخ التي تُعرف بها الجمعيات والمنظمات".
وأضاف "يبحثان عمن يستحق، فيسدّون رمقه، ويعالجان مريضه، واليوم يبنيان مسكنا لأسرة أعوزها الفقر، وجدا متبرعا بأرضية فقاما بالبناء بعد توثيق الاوراق واعتمادها، ووصلا إلى هذه المرحلة".
وفاقمت النزاعات المسلحة في اليمن من معدلات الفقر. وبحسب التقارير الرسمية، زاد مستوى الفقر من 35% في عام 2006 إلى 54.4% في عام 2014، وتقدّر البطالة بنحو 35%، في حين تصل هذه النسبة بين الشباب إلى 60%.
ويقول خبراء الاقتصاد إن أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد اليمني تتمثّل في التفاوت الكبير في توزيع الدخول والثروة، إذ إن 10% من السكان الأقل دخلاً لا يحصلون سوى على 3 بالمائة من الدخل القومي، بينما 10% من السكان الأعلى دخلاً يستحوذون على ما نسبته 34% من الدخل القومي، بحسب إحصاءات حكومية.
وزادت معاناة الاقتصاد اليمني الذي أصبح على حافة الانهيار، عقب سيطرة تنظيم أنصار الله "الحوثيين" على العاصمة صنعاء، ما دفع الرئيس اليمني ووزراء حكومة الكفاءات الوطنية إلى الاستقالة في 22 من يناير/كانون الثاني الماضي، على خلفية مواجهات عنيفة بين الحرس الرئاسي ومسلحي جماعة الحوثي، أفضت إلى سيطرة الحوثيين على دار الرئاسة اليمنية، ومحاصرة منزل الرئيس اليمني وعدد من وزراء حكومته.