ليس خبراً. قتل ثلاثة أشخاص في عمر الشباب في منزلهم في شابل هيل، شمال كارولاينا، فجراً، ليس خبراً. وقتل الثلاثة على يد رجل أميركي أبيض ليس إرهاباً. فالإرهاب بالنسبة للإعلام، وخاصةً الغربي، نوعان فقط: ذلك الذي يرتكبه مسلمون، أو ذلك الذي يرتكبه أشخاص من أصول أفريقية. كل ما عدا ذلك... حوادث فردية.
عند الخامسة من فجر اليوم، قتل الشاب السوري ضيا شادي بركات (23 عاماً)، وزوجته الفلسطينية يسر محمد أبو صالحة (21 عاماً)، وأختها رزان محمد أبو صالحة (19 عاماً)، بعدما أطلق شخص عليهم الرصاص، لتُلقي الشرطة القبض على كريغ سيفان هيكس (49 عاماً) بتهمة القتل المتعمّد.
نفتح الوكالات والمواقع الأجنبية: على "رويترز"، لا شيء. على "بي بي سي"، لا شيء. على "سي إن إن"، لا شيء أيضاً، وطبعاً لا ذكر للموضوع على القنوات الأميركيّة. وليس الموضوع من اختصاص "فوكس نيوز". فالقناة الأميركيّة متخصّصة في "فضح جرائم المسلمين"، ونشر الإسلاموفوبيا.
بعد 12 ساعة على الجريمة، لا شيء في الإعلام. فقط الإعلام البريطاني من تحدّث عن الموضوع، وكانت تغطية صحيفة "الاندبندنت" البريطانيّة تُغرّد وحيدة خارج السرب، حيث كانت أول الكاشفين عن القضيّة، وتابعت ردود الفعل حولها. لتعود بعدها "سي إن إن"، أي بعد 12 ساعة من الجريمة، لتذكر الموضوع. أما الصحف الأميركية الأشهر، مثل "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"تايم"، ففضّلت تخصيص فقرة "الخبر العاجل" لإعلان جون ستيوارت التوقف عن تقديم برنامجه "ذي دالي شو"، في وقت لاحق هذا العام.
على مواقع التواصل، غضب عارم من تعاطي وسائل الاعلام مع الجريمة، وتغريدات مكثّفة حول الثلاثة، وحياتهم ونشاطاتهم الإنسانيّة. وصل الوسم المتعلق بالجريمة #ChapelHillShooting إلى لائحة الأكثر تداولاً على تويتر" بسرعة. هكذا، تعرّفنا على أنّ يسر وضيا تزوجا قبل 6 أسابيع، وكانا يوزّعان الطعام ومنتجات للأسنان للمشردين، ويجمعان مساعدات وتبرعات للاجئين السوريين.
وبدأ أصدقاء الضحايا بجمع تبرّعات لضمان سيرورة أعمالهم الخيريّة بعد وفاتهم. وكتب أحد الأشخاص: "هذا ليس وفاةً لأعمالكم الخيريّة بالطبع"، على مدونة بركات للأعمال الخيرية. وأنشأت ثلاث صفحات على "فيسبوك" تُكرّم الضحايا، وكتب القيّمون على إحداها: "الاعزاء ضيا بركات ويسر أبو صالحة ورزان أبو صالحة عادوا إلى ربهم (...) ولقد كانوا نموذجاً في الحياة والموت".
التغريدات أيضاً، أظهرت أنّ كريغ، المشتبه به في عملية القتل، هو أحد معجبي المذيع الأميركي بيل ماهر، والذي عُرف بمواقفه المحرّضة على المسلمين.
وبينما كانت صحيفة "الإندبندنت" تُشبّه عملية القتل بالإعدام، سأل المغردون: "أين التظاهرات التي خرجت من أجل شارلي إيبدو من حق هؤلاء؟"، فيما سأل آخرون عن اهتمام الاعلام العربي بالحدث، بينما كان ينتفض لصحيفة "شارلي إيبدو" عند الاعتداء الارهابي عليها.
لا شيء يُخفّف وطأة الحزن المرافقة للخبر والمنشورات على وسائل التواصل اليوم. ولا يُخفّف الغضب التغريدات المرحّبة بالموضوع، "لأنّهم مسلمون"، تماماً كما لا تُخفّفه تغريدة تقول: "اقتلوهم جميعاً، قالت القاضية جانين بيرو (إحدى مذيعات فوكس نيوز)".