يحاول شباب اليمن التمسك بخيار السلمية كوسيلة آمنة وشرعية، للمطالبة بالتغيير نحو الأفضل، وبما يضمن عدم انجرار البلاد إلى مربع العنف الذي طالما عاد على اليمن بخسائر بشرية ومادية عالية.
وبالرغم من الانتشار الواسع للسلاح بمختلف أنواعه وأحجامه، يفضل أغلب اليمنيين عدم استخدامه لحل مشاكلهم وخلافاتهم، أو عند المطالبة بحقوقهم السياسية.
ومنذ فبراير 2011، تشتعل المدن اليمنية الرئيسية بتظاهرات واعتصامات سلمية تجوب الشوارع وتحيط بالمؤسسات الحكومية، بهدف تحقيق بعض المطالب، أو رفض إجراءات أو قرارات لا تحترم مطالب التغيير الذي ضحّى لأجلها مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
وبعد إعلان الرئيس عبدربه منصور هادي استقالته في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، هو ورئيس حكومته خالد محفوظ بحاح؛ تصاعدت وتيرة التظاهرات والمسيرات الشبابية السلمية بصورة لافتة، منددة بالانقلاب الذي نفذته حركة أنصار الله (الحوثيين)، ومطالبة بخروج الجماعات المسلحة من المدن، وفك الحصار عن الرئيس المستقيل وأعضاء الحكومة المحاصرين في منازلهم بصنعاء.
ويقابل الحوثيون هذه الاحتجاجات السلمية بالقمع، مستخدمين الرصاص الحي والهروات والسلاح الأبيض، وخطف الشباب واحتجازهم في سجون مراكز الشرطة التي يسيطرون عليها، بالإضافة إلى معتقلاتهم الخاصة.
يحيى السواري (22 سنة) أحد الشباب الذين اختطفتهم عناصر تابعة لأنصار الله في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، في تظاهرة نفذها شباب أمام البوابة الشرقية لجامعة صنعاء الجديدة.
أطلق الحوثيون الرصاص الحي في الهواء لتفريق التظاهرة، وبعدما تفرقت التظاهرة، قاموا بالقبض على بعض الشباب، كان يحيى أحدهم. يقول: "أخذونا إلى مبنى كان عبارة عن فندق مهجور في شارع التحرير بالعاصمة، وضعوني في إحدى الغرف مع أربعة آخرين".
مشيرا إلى أن أحد زملائه تم اقتياده معصوب العينين إلى مكان آخر فيه 20 مختطفا آخرين، لا يعرف أحد عنهم شيئا".
يواصل السواري الحديث لـ"العربي الجديد" بأنهم "حققوا معنا وهم مسكونون بفكرة المؤامرة.. كانوا يسألوننا مرارا: من وراءكم؟ ولصالح من تعملون؟ ومن يمول أنشطتكم؟". ويؤكد أن الحوثيين "لا يؤمنون بأننا شباب نتحرك وفق قناعاتنا، ونخرج عفوياً لنطالب بحقوقنا وحقوق الشعب اليمني".
ويضيف: "سألتهم عن أسباب اعتدائهم على المحتجين واختطاف آخرين؟ فيردون بقولهم المحتجون والمتظاهرون مخربون".
مبادرة "فك الحصار"
مع استمرار الحوثيين في اختطاف الشباب بعد الاعتداء عليهم في التظاهرات وزجهم في السجون والمعتقلات، كان لا بد للشباب من وسيلة لوقف هذه الانتهاكات بحقهم وتقليل الخسائر في صفوفهم.
وهذا ما دفع الشباب إلى ابتكار وسيلة جديدة للمقاومة السلمية لجماعة الحوثي المسلحة. فأطلق عدد من الصحافيين والناشطين مبادرة "لن نظل مكتوفي الأيدي" والتي تهدف إلى فك أسر الشباب المختطف من السجون.
يحكي الناشط محمد اليمني (32 سنة) بدايات هذه المبادرة، مشيرا إلى أن "انتهاكات أنصار الحوثي وتخليهم عن القيم التي طالما تحلى بها أهل اليمن، كانت أحد أهم دوافع ابتكار هذا الأسلوب لمواجهتهم".
ويضيف "كانت البداية عندما انتشر خبر حصار مسلحين حوثيين لمنزل عبدالله بن حميد الأحمر، نجل رجل الأعمال القيادي في حزب الإصلاح والمقيم خارج البلد والذي استهدف الحوثيون أخيرا منازله وبعض ممتلكاته للاستحواذ عليها".
هذا الأمر دفع الشباب إلى التوجه للمنزل ومواجهة الحوثيين بلا سلاح، لمنعهم من الإساءة لأسرته المكونة من النساء والأطفال.
ويؤكد اليمني أن شرارة البدء كانت من قبل الكاتب والروائي محمود ياسين، الذي أعلن على صفحته على "فيسبوك" أنه ذاهب لفك الحصار، الأمر الذي دفع بالكثير من الشباب إلى اللحاق به صوب ذلك المنزل. وما إن وصل الشباب إلى المنزل "حتى اضطرت العناصر الحوثية المسلحة إلى الانسحاب".
كانت هذه الخطوة بمثابة درس في الأخلاق لمسلحي الجماعة ولوجهاء المجتمع وسلطات الدولة أيضا، التي لم تستطع حماية رعاياها كما يقول اليمني. تحولت هذه الفكرة إلى مبادرة انضم إليها الكثير من الشباب، وتكررت العملية مع الشباب الذين يتم اختطافهم على يد عناصر الحوثي المسلحة في التظاهرات السلمية.
ويقوم الشباب ومجموعة الصحافيين والكتاب المعروفين بالذهاب إلى موقع احتجاز الشباب بعد تحديده، ويتم الاعتصام أمام السجن إلى حين الإفراج عن الشباب المعتقل.
منع التظاهرات السلمية
وأصدر وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة، اللواء جلال الرويشان، الأحد الماضي، توجيهات لمراكز الشرطة في العاصمة بمنع المسيرات والاحتجاجات غير المرخصة من الوزارة، والتي تعارض جماعة الحوثيين. مبررا ذلك بالظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
وقال الرويشان، في التعميم المختوم بختم وزارة الداخلية، إن مسلحي تنظيم القاعدة قد يستهدفون تلك المظاهرات في تكرار لمذبحة كلية الشرطة.
وسخر الناشط عامر السعيدي، وهو أحد شباب ثورة التغيير، من هذه التوجيهات، مشيرا إلى أن الحوثيين "يحاولون تضييق المساحة وتقليصها أمام الرافضين، ولكن هذه المرة باسم وزير داخلية مستأجر"، بحسب تعبيره.
ويطالب السعيدي شباب الثورة بإسقاط هذه المحاولة بذات الوسائل السلمية التي أثبتت عجز الحوثي أمامها وخوفه منها.
وتسيطر الجماعة على كافة مؤسسات الدولة المركزية، ومنها وزارة الداخلية، وتوجت ذلك بما سمته ب"الإعلان الدستوري" الذي يفوضها حاكما أعلى في البلاد منذ السادس من الشهر الجاري.
من جانبه، يؤكد الناشط علي الذبحاني، أن الحوثيين يعجزون عن مقاومة أي حراك شعبي سلمي. لكنهم في المقابل "يفتكون بخصومهم الذين يستخدمون السلاح دفاعا عن أنفسهم". وهذا ما يجعل العناصر الحوثية عاجزة أمام أي تحرك سلمي، وتحاول الحد منه بوسائل مختلفة، منها الترهيب والاعتداءات والاختطافات، بحسب قوله.