arpo14

الصراع في اليمن يقذف بمليون عامل إلى رصيف البطالة

يصحو أحمد محمد عبده (55 عاماً) كل صباح، ويذهب ليقف في جولة القاع بالعاصمة صنعاء مع مئات العمال الذين يرابطون في هذه الجولة (مكان لتجمع عمال اليومية) بشكل يومي في انتظار من يطلبهم.

يعمل عبده في البناء وتحديداً في خلط الإسمنت، ورغم أنها مهنة مرهقة مقارنة بعمره، إلا أنه مضطر، لما عليه من التزامات وأسرة يعيلها وفق مقابلة مع "العربي الجديد".

يقول عبده: منذ اجتياح جماعة الحوثي صنعاء انعدمت فرص العمل بشكل نهائي، ونظل لساعات طويلة منذ الصباح الباكر وحتى وقت الظهيرة ولكن لا فائدة، لقد توقفت الأعمال بشكل كامل، خاصة في قطاع البناء".

ويضيف "رغم تقدم العمر أستطيع العمل لساعات طويلة وتحمل المشقة تحت أشعة الشمس، لكن ما لا أتحمله هو البقاء في المنزل بدون عمل وهذا الركود الذي أنهك بيوتنا ونغص معيشتنا، وقد قصم ظهري تراكم الديون".

منذ الساعة الخامسة فجراً يقف العمال على الأرصفة في العديد من التجمعات العمالية بالعاصمة صنعاء، في انتظار أي صاحب عمل أو مقاول في قطاع البناء، بينما كان في سنوات سابقة تكاد تجمعات العمالة تخلو من أي عامل بعد نحو ساعة واحدة من بدء توافدهم، لكن تغير الوضع ويقف العمال على الرصيف حتى ساعات عدة ليقرروا العودة إلى منازلهم حاملين معهم الوجع ومعدات العمل، وفق عبده.

مليون عامل يصنفون في اليمن ضمن فئة عمال البناء غير المنظمين، بحسب تقديرات نقابة عمال البناء والأخشاب، بينما يشير تقرير للجهاز المركزي للإحصاء في عام 2013، إلى أن عدد الذين يتمتعون بحقوق مضمونة في إطار قانون العمل نحو 9300 عامل، يعملون في 664 منشأة.

ويعمل العامل اليمني بأجر لا يتعدى 1500 ريال في اليوم (حوالي 7 دولارات)، بينما لا يتمتع بأية أدوات للسلامة المهنية ويعمل بدون تأمين على حياته.

ويقول الأمين العام لاتحاد عمال اليمن، فضل العاقل، في تصريح ل "العربي الجديد"، إن العامل اليمني يدفع ثمن الصراع السياسي وهو الخاسر الأكبر في لعبة السياسة.

وسيطرت جماعة الحوثي المسلحة على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وشكلت ما أطلقت عليها اللجنة الثورية العليا في فبراير/شباط، وأناطت إليها إدارة شؤون البلاد، بعد تعطيل المؤسسات الشرعية عقب الانقلاب الذي قامت به.

ويضيف العاقل أن "عشرات الآلاف من العمال في قطاع البناء والتشييد لا يجدون أعمالاً؛ بسبب توقف هذا القطاع بشكل كامل".

وبحسب العاقل، فإن توقف العديد من الاستثمارات الخليجية والأجنبية في اليمن، أدى إلى تسريح أكثر من 10 آلاف عامل على مدار الأشهر الستة الأخيرة، بينهم ألفا عامل في الشركات النفطية الأجنبية التي غادرت البلاد، بسبب تردي الوضع الأمني والسياسي.

وقال إن استمرار تدهور الوضع وركود الأعمال، سيقذف بالعمال إلى رصيف البطالة، ما يعني مزيدا من الفقر.

وتشهد السوق العقارية في العاصمة اليمنية صنعاء حالة ركود وتراجع في قيمة الإيجارات وأسعار الأراضي، وتوقفت حركة البناء بشكل كامل.

وعاش قطاع العقارات فترة انتعاش في اليمن خلال الفترة من عام 2007 ‏وحتى 2010، حيث حقق الاستثمار في هذا المجال قفزات، خصوصاً بعد مؤتمر فرص الاستثمار الذي انعقد في العام 2007، واستقطب آنذاك العشرات من المستثمرين العرب والخليجيين، الذين بدأوا في إعداد مخططاتهم لإنشاء مشاريع عملاقة.

ووفقاً لهيئة الاستثمار اليمنية تم تسجيل 24 مشروعاً خلال الفترة من 2007 إلى 2010 بتكلفة 300 مليار ريال ( ‏‏1.39 مليار دولار) تقريباً، ولكن تم تنفيذ 14 مشروعاً فقط، فيما واجهت عشرة مشاريع صعوبات وتوقفت، وبحسب الهيئة فقد تراجع النشاط العقاري في البلاد بعد 2011 بنسبة 40%.

ويحذر رئيس اتحاد المقاولين اليمنيين، صالح الضنين، من انهيار قطاع المقاولات والعقارات نتيجة الاضطرابات التي تشهدها البلاد.

ويقول الضنين ل "العربي الجديد"، إن أكثر قطاع اقتصادي متضرر من الأحداث السياسية والأمنية في البلد هو قطاع المقاولات والعقارات، حيث أدت أحداث عام 2011 إلى توقف كامل لنشاط العقارات، وبفضل الاستقرار السياسي منذ عام 2012 تحرك القطاع العقاري قليلا، لكنه يعود اليوم إلى التوقف مجدداً نتيجة الصراعات التي تشهدها الساحة اليمنية.

ويضيف "عدم الاستقرار السياسي والأمني ينعكس على النشاط العقاري، ومع ظهور أزمة الحوثي وتزايد المخاوف من اندلاع حرب، فإن الناس تتخوف من البيع والشراء".

ويشير إلى أن الكثير من اليمنيين بدأوا بعرض منازلهم للبيع، وفي هذه الحالات يحصل تراجع في قيمة العقار، فالمنزل الذي يصل ثمنه بالعاصمة صنعاء إلى 100 مليون ريال (465 ألف دولار) يضطر مالكه إلى بيعه بنحو 80 مليون ريال ( 372 ألف دولار) بأقل من قيمته الحقيقية بنحو ملحوظ.

ويضيف الضنين "توقف حركة البناء يعني خسائر فادحة لشركات المقاولات والإنشاءات، وعدم حصول أكثر من مليون عامل على فرص للعيش، وهذا سيؤدي إلى كارثة اقتصادية بحسب تعبيره.

وكانت منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في اليمن، قد حذرت في تقرير لها في فبراير/شباط من أن الوضع الاقتصادي في اليمن أصبح على حافة الانهيار، مشيرة إلى أن من هم تحت خط الفقر يصلون إلى 60% من عدد سكان البلاد البالغ 26 مليون، بحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للإحصاء اليمني في 2014.

وبحسب إحصائيات حكومية، تكبّد الاقتصاد والموازنة العامة خسائر تقارب 1.48 تريليون ريال (6.9 مليارات دولار)، جراء التخريب المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء، بين عامي 2012 و2014. كما أصابت الخسائر شركات القطاع الخاص، نتيجة
الوضع الأمني المتدهور، وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة.

وبحسب منظمة أوكسفام البريطانية، فإن نحو 16 مليون شخص في اليمن بحاجة للمساعدة، أي ما يعادل ثلث من هم بحاجة للدعم الإنساني في عموم الشرق الأوسط.

وأدى تراجع معدلات الدخل في اليمن إلى تهاوي حجم القدرة الشرائية للمستهلكين بنسبة 40% خلال العام 2014، مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب تأثر النشاط الاقتصادي الذي يديره القطاع الخاص، حسب دراسات اقتصادية.

زر الذهاب إلى الأعلى