أكد مصدر مسؤول في غرفة تجارة العاصمة اليمنية صنعاء أن جماعة الحوثي المسلحة التي استولت على السلطة في اليمن، تراجعت عن قرارها بمنع استيراد العديد من السلع، بعد استياء رجال الأعمال الذين يعمل معظمهم في الاستيراد.
وأعلنت جماعة الحوثي نهاية فبراير/شباط الماضي، منع استيراد الخضروات والفواكه والمعلبات، التي يتم إنتاجها محلياً بمختلف أنواعها، وكذلك المياه المعدنية والغازية، وبعض مواد البناء، وتأجيل تراخيص استيراد السيارات الخاصة مرتفعة الثمن، وإيقاف استيراد مولّدات الكهرباء والدراجات النارية والسجائر بمختلف أنواعها بشكل كامل.
وقال المصدر في غرفة التجارة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لمراسل "العربي الجديد"، إن قرار جماعة الحوثي بمنع استيراد عدة سلع استهلاكية، أثار استياء رجال الأعمال في صنعاء، والذين يعمل معظمهم في الاستيراد، مشيراً إلى أن اللجنة الثورية التي شكلتها الجماعة ذكرت أن "القرار كان مجرد مقترح".
وشكلت جماعة الحوثي، ما أطلقت عليها اللجنة الثورية العليا في فبراير/شباط، وأناطت بها إدارة شؤون البلاد بعد تعطيل المؤسسات الشرعية عقب الانقلاب الذي قامت به.
ولم يصدر بعد بيان رسمي من جماعة الحوثي عن تراجعهم عن حظر استيراد السلع الاستهلاكية. وأكد المحلل الاقتصادي، علي الشميري، في تصريح خاص، أن قرار منع الاستيراد لبعض السلع يبرهن فشل الحوثيين في إدارة الملف الاقتصادي.
وقال الشميري "جماعة الحوثي اجتهدت لتبرهن على قدرتها على إدارة مؤسسات الدولة والملف الاقتصادي وأصدرت عدة قرارات، منها حظر استيراد عدة سلع دون النظر إلى خطورة الأمر وتأثيراته، ودون علمهم باتفاقية انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية والتي بموجبها أصبحت اليمن سوقاً مفتوحاً".
وسيطرت جماعة الحوثي على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وأحكمت سيطرتها على مؤسسات الدولة بعد اجتياح معسكرات الجيش ونهب سلاح الدولة، فيما أعلن الرئيس عبد ربه منصور يوم السبت الماضي عدن عاصمة مؤقتة للبلاد بعدما تمكن من كسر الإقامة الجبرية التي فرضها الحوثيون عليه في صنعاء والمغادرة إلى عدن جنوب البلاد.
ويقول خبراء الاقتصاد إنه لم يسبق لجماعة الحوثي التعامل مع الضغوط الاقتصادية. واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، الدكتور محمد حلبوب، أن قرار منع الاستيراد كارثي في حال تطبيقه.
وقال حلبوب "معلوماتي أن جماعة الحوثي تراجعت عن هذا القرار، لكن إذا تم تنفيذه فهو دليل على فشل اقتصادي للجماعة، لأن السبب الأساسي للركود الاقتصادي في صنعاء ليس اقتصادياً بل سياسي".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن صنعاء تعاني من ركود اقتصادي، مضيفاً أنه "في حال استمرار جماعة الحوثي في سياستهم الفاشلة اقتصادياً فإن صنعاء ستتحول إلى قرية مع توقف الأعمال وحركة التجارة بفعل العزلة الدولية".
وتشهد صنعاء حالة من الركود التجاري، وباتت الحركة التجارية شبه متوقفة، وهناك ضعف شديد في الإقبال على المطاعم والفنادق وشراء المواد الاستهلاكية، وتراجع ملحوظ في متسوقي المراكز التجارية.
وأدّت سيطرة الحوثي على العاصمة اليمنية إلى إغلاق كثير من المحال التجارية، وتراجع الاستثمار، ما أدى إلى تسريح أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وارتفاع نسبة البطالة، وتزايد معدلات الفقر بالتبعية، بسبب ضعف دخل المواطن وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي.
وأكد مصدر مسؤول في ميناء الحديدة التجاري، وهو الميناء الرئيس على الساحل الغربي لليمن على البحر
الأحمر، تراجع حركة الاستيراد عبر الميناء بمعدل 90% منذ سيطرة الحوثيين على المدينة والميناء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال المصدر لـ"العربي الجديد" إن "هناك انخفاضاً مخيفاً للواردات من البضائع والسلع إلى ميناء الحديدة.. في الوضع الطبيعي كنا نسجل 150 بياناً جمركياً يومياً للبضائع الواردة، بينما اليوم لا نصل إلى أكثر من 10 بيانات في اليوم".
وتتولى الحكومة اليمنية استيراد المواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والحبوب. ووفقاً للمصرف المركزي اليمني، بلغت فاتورة استيراد الوقود والمواد الغذائية الأساسية على مدى العام الماضي نحو 2.655 مليار دولار.
بينما يتم استيراد باقي الأغذية والأجهزة الإلكترونية والسيارات عن طريق الشركات الخاصة. وتشير بيانات وزارة الصناعة والتجارة إلى أن قيمة واردات السيارات تبلغ 1.7 مليار دولار خلال العامين الأخيرين.
ولم تقتصر إجراءات الحوثيين على منع الاستيراد وإنما تعدّت إلى تقليص مزايا مالية للموظفين الحكوميين، ويتمثل في إلغاء الأجور الإضافية والمكافآت والحوافز.
وقلل زعيم جماعة الحوثي، عبد الملك الحوثي، من التحذيرات المحلية والدولية التي تتحدث عن انهيار وشيك للاقتصاد اليمني، بالتزامن مع إرسال وفد حوثي إلى إيران الشهر الماضي، لطلب الدعم للاقتصاد اليمني، فيما يشكك المراقبون في قدرة إيران على تقديم الدعم المطلوب في الوقت الذي تعاني فيه من حصار اقتصادي وتهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وكانت منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في اليمن، قد حذرت في تقرير لها في فبراير/شباط من أن الوضع الاقتصادي في اليمن أصبح على حافة الانهيار، مشيرة إلى أن من هم تحت خط الفقر يصلون إلى 60% من عدد سكان البلاد البالغ 26 مليوناً.
وبحسب إحصاءات حكومية، تكبّد الاقتصاد والموازنة العامة خسائر تقارب 1.48 تريليون ريال (6.9 مليارات دولار)، جراء التخريب المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء، بين عامي 2012 و2014، كما أصابت الخسائر شركات القطاع الخاص، نتيجة الوضع الأمني المتدهور، وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة منذ أكثر من نحو ستة أشهر.