"ساحل العُشّاق" في مدينة عدن جنوبي اليمن تسمية قديمة كانت تشحذ خيال البعيدين، وتدفعهم للذهاب إلى هذه المدينة التي تبعد عن العاصمة صنعاء مسافة 363 كيلومتراً، لزيارة هذا الساحل الجميل. لكنّه اليوم "ساحل للأشباح" كما يصفه بعض زوّاره بعدما هجره العُشّاق والأحباب وساده الفراغ باستثناء بعض الأسر الزائرة وبعض هواة السباحة.
يمتاز "ساحل العشاق" ببعده عن أنظار المدينة إذ يقع أسفل جبل حديد، وترتص على جانبيه الآن هياكل "شاليهات" متعثّرة منذ سنوات، لذا لا يصلح سوى للتنزّه في ساعات النهار، أيضاً بسبب انعدام الإنارة ليلاً.
يقول الحاج غالب عبدالفتاح (56 عاماً) إنّ ساحل العشّاق "كان واحداً من أهم السواحل التي كان يقصدها الزوار من داخل عدن ومن المحافظات الأخرى وحتّى من الدول المجاورة، لكنّه اليوم بات مهجوراً"، مشيراً إلى أنّ "هذا التدهور بدأ بسبب التداعيات الأمنية والسياسية لثورة فبراير/شباط 2011".
ويؤكد عبدالفتاح في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا الساحل في السابق لم يكن يخلو من الزوار طوال أيام الأسبوع، على أنّ أعداد الزوار كانت تتضاعف في العطل والمناسبات والأعياد". لافتاً إلى أن "الحركة في هذا الساحل كانت في السابق تستمرّ حتّى الساعة التاسعة والعاشرة مساء، بينما لا يستمرّ زوار الساحل اليوم حتى الساعة السادسة مساء".
من جانبه، يسرد عزّت عبده إسماعيل، وهو سائق قارب سياحي وحيد مركون في شاطئ العشاق أنّ "تراجع أعداد زائري الشاطئ انعكس سلباً على مصدر دخله الذي تراجع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة". ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت في السابق أحصل في اليوم الواحد على أكثر من 40 ألف ريال يمني (195 دولاراً أميركياً)، لكنّني اليوم بالكاد أحصل على ثمن الوقود الذي يحرّك القارب مع مصاريف الأكل والشرب". موضحاً أنّه يعمل على أخذ الزوار والسّياح والعشاق إلى مناطق بحرية مختلفة عبر قاربه الصغير منذ أكثر من 17 عاماً.
وحول تسمية الساحل ب"ساحل العشّاق" يقول إسماعيل إنّه لا يعرف تحديداً سبب هذه التسمية، لكنّ أبناء عدن تعارفوا على هذه التسمية، "وقد يكون السبب كونه نائياً عن الأنظار وكون المحبّين وأصحاب شهر العسل يقصدونه باعتباره واحداً من أجمل وأكثر الشواطئ هدوءًا في عدن".
ويُشير إسماعيل إلى انعدام الأمن كأحد الأسباب التي أدّت إلى التراجع الملحوظ في أعداد زوار الشاطئ، مؤكداً أنّ كثيراً من زوّاره قد "تعرّضوا لابتزاز بعض العصابات أو مُضايقات من بعض المتشددين دينياً. فهناك جماعات دينية تأتي لسؤال الأسر والعائلات عما إذا كان الرجال والنساء متزوجين أم لا، ويطالبونهم بإبراز وثائق تثبت زواجهم، وفي حالة عدم امتلاكهم لها يقومون بالاعتداء عليهم بالضرب".
الأمر الذي نفاه أحمد العولقي، وهو دعوي في جمعية خيرية، قال إنّ "المطاوعة" (أصحاب اللحى)، لا يتعرضون بالأذى لأيّ أحد وأنّ عموم الناس، سواء المطاوعة أو غيرهم، يستهجنون أيّ ممارسات غير لائقة في الشاطئ وينهرون فاعليها. وأكّد أنّه الأسبوع الماضي زار الشاطئ مع ضيوف له من تعز، وأن النساء قمن بالسباحة مع أزواجهن وأطفالهن دون أيّ مشكلة. والعولقي لا يقصد بالطبع السباحة بالمايوه، فالنساء في سواحل عدن يدخلن إلى الماء بكامل ملابسهنّ.
أما سالم الضالعي فقد أرجع أسباب هذا التراجع إلى "الإهمال المقصود من السلطات الحكومية التي لا تريد الخير لعدن وأهل عدن"، بحسب قوله. وقال الضالعي: "يفتقر ساحل العشاق إلى البنى التحتية مثل الشاليهات والخدمات العامة، بالإضافة إلى الإنارة والمطاعم والمقاهي". مشيراً إلى أنّ "نقص هذه الخدمات يقلّل من فرصة مجيء الزوار".
وكان المجلس المحلي لمديرية التواهي بمحافظة عدن قد دعا في وقت سابق قيادة السلطة المحلية في المحافظة إلى التدخل للحدّ من أعمال البسط على الأراضي والجبال الواقعة في منطقة جولد مور وساحل العشاق. وذلك على اعتبار أنّ "البسط المستمرّ تسببّ في إيقاف عدد من المشاريع الحيوية والخدمية لهذه المناطق، أهمها مشروع شبكة الصرف الصحي ومشروع شقّ وسفلتة الطريق المؤدي إلى ساحل العشاق وإنارته".
وأوضح الأمين العام المحلي لمديرية التواهي سعيد شيباني أنّ "أعمال البسط واسعة ومستمرة، بما فيها الأراضي التي قدّمتها الهيئة العامة للاستثمار إلى المستثمرين، الذين لم ينجزوا أيّ مشاريع استثمارية".
ومن أسباب عزوف الزوّار عن المجيء إلى الساحل كثرة عمليات التكسير المستمرّة للجبال المجاورة، ما ترك أكواماً من الصخور المتناثرة في أرجاء الساحل وتسبّب في إصابات بين صفوف بعض مرتادي الساحل، خصوصاً الأطفال وهواة السباحة.
وتعد سواحل مدينة عدن اليمنية أحد أجمل السواحل في المنطقة العربية لما تتميز به من مناظر طبيعية ومياه صافية واتساع كبير وحواجز جبلية تضمن للأمواج عدم الهيجان، وكلها مؤهلات تجذب إليها السياح من اليمن وخارجه.
ويزداد أعداد زائري الشواطئ العدنية في مواسم عيدي الفطر والأضحى وكذلك أيّام فصل الشتاء حيث يكون الجو معتدلاً في مدينة عدن. وتستقبل المدينة في الأعياد ما يقارب مليون زائر من محافظات الداخل اليمني، يعتبرون زيارة السواحل من أولويات سفرهم إلى المدينة.
ويوجد في عدن العديد من الشواطئ الواسعة مثل الساحل الذهبي (جولد مور)، المجاور لساحل العشّاق، وبجوارهما سواحل رامبو، والرحبة، والعروسة. بالإضافة إلى ساحل أبين في خور مكسر وساحل البريقة في حيّ البريقة، بشاطئه الأكثر صفاء والأكثر بعداً عن زحام المدينة.