لا يمكن فهم نفي مصر على لسان وزارة خارجيتها، إلا في ضوء محاولة الضغط، بشأن تشكيل قوة عربية مشتركة، تقوم بمهام الحفاظ على أمن الدول العربية، والتي شهدت اضطرابات على خلفية ثورات ضد الأنظمة الحاكمة.
ما يدعم هذا السيناريو، هو تأييد وزارة الخارجية العمليات العسكرية على معاقل "الحوثيين" في اليمن فور حدوثها، في حين أنّ المدة الزمنية بين النفي والدعم بضع ساعات، حفاظاً على ماء الوجه وعدم خروج النظام الحالي عن حلفائه بالخليج.
ومن المتوقّع أن يطرح الرئيس المصري على قادة الدول العربية، خلال القمة العربية في شرم الشيخ، تشكيل قوة عربية مشتركة خارج مظلة جامعة الدول العربية، أو تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
وشنّت المملكة العربية السعودية عمليةً عسكرية باستخدام سلاح الطيران الملكي، عدة ضربات على نقاط نفوذ وتجمعات "الحوثيين" في اليمن، بالتعاون بين عشر دول تضم مصر، وحملت الحملة اسم "عاصفة الحزم".
فيما لم يكن من مصر، إلا الدعم ل "عاصفة الحزم"، وإبداء الرغبة في المشاركة من خلال قوات جوية وبحرية، إضافة إلى قوات برية إذا لزم الأمر.
وقال بيان وزارة الخارجة المصرية، إن مصر تدعم سياسياً وعسكرياً الخطوة التي اتخذها ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية في اليمن.
وذكر البيان، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس، أن دعم مصر لهذه الخطوة يأتي "استجابةً لطلب الحكومة الشرعية اليمنية، وذلك انطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج العربي".
وأكّد أنه يجري التنسيق حالياً مع السعودية ودول الخليج، بشأن ترتيبات المشاركة بقوة جوية وبحرية مصرية، وقوة برية إذا لزم الأمر، في إطار عمل الائتلاف، وذلك دفاعاً عن أمن واستقرار اليمن، وحفاظاً على وحدة أراضيه، وصيانةً لأمن الدول العربية.
ويهدف السيسي الذي لم يتوقف عن دعم فكرة القوى العربية المشتركة، سواء بتصريحات إعلامية ومنها وسائل عالمية وأميركية في رسالة واضحة لسعي مصر إلى استعادة زمام الأمور في المنطقة، بالتعاون مع دول الخليج تحديدا.
وظهرت فكرة القوى العربية المشركة بالنسبة للسيسي، نظراً لرغبته في التدخل عسكرياً في ليبيا لصالح حكومة طبرق واللواء المتقاعد خليفة حفتر، والذي بات وزيراً للدفاع في هذه الحكومة، بيد أنه لم يتمكن حتى هذه اللحظة بالصورة التي يرغب فيها، بخلاف هجمات جوية على معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية"، بحسب ما أعلن رسمياً.
وفي وقت سابق من أمس الأربعاء، نفت وزارة الخارجية المصرية، ما تردد في عدد من الفضائيات عن موافقة مصر التدخل العسكري في اليمن لوقف انقلاب الحوثيين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير بدر عبد العاطي، في تصريحات صحافية، "لا علم لنا بما نُسب لوزير خارجية اليمن، حول موافقة مصرية خليجية لتدخل عسكري في اليمن".
وتأتي تصريحات عبد العاطي، رداً على وزير خارجية اليمن رياض ياسين، وقوله "إن دول الخليج ومصر وافقت على طلب التدخل العسكري في بلاده".
وأضاف ياسين أن بلاده طلبت من جامعة الدول العربية التدخل عسكرياً في اليمن، فضلاً عن طلب الرئيس اليمني من مجلس الأمن الدولي، التفويض بتدخل عسكري في بلاده، الثلاثاء.
وتعديل مواقف مصر في غضون ساعات قليلة، يوضح أن مصر ربما لم يكن لديها علم مسبق بتفاصيل التدخل عسكرياً في اليمن، أو على الأقل بتوقيت توجيه ضربات جوية إلى معاقل الحوثيين، فضلاً عن احتمالية أن تكون وزارة الخارجية لا علم لها بما تم الاتفاق عليه بين مصر ودول الخليج.
نفي مصر الموافقة على التدخل العسكري في اليمن لاقى ترحيباً كبيراً، من اللجنة الثورية العليا التابعة لجماعة أنصار الله "الحوثيين".
وأعربت اللجنة عن أملها في أن تسعى مصر إلى إقناع جامعة الدول العربية بعدم شرعية رياض ياسين، كوزير خارجية يمثل اليمن في الاجتماع الوزاري للجامعة في شرم الشيخ.
وقالت في بيانٍ لها، رداً على الموقف المصري، "إنها تقدر المواقف الإيجابية للقيادة الحكيمة في جمهورية مصر العربية من الأزمة اليمنية، وتثمن في هذا الخصوص الموقف الإيجابي المعلن من قبل الخارجية المصرية، الرافض للتدخل العسكري في اليمن".
وأضافت "نأمل من مصر مناقشة موضوع الرسالة التي أرسلتها إلى جامعة الدول العربية في اجتماع وزراء الخارجية، حول فقدان الرئيس هادي لأي شرعية في إسناد أي منصب لأي كان، وباعتبار أنه لا شرعية لرياض ياسين لتمثيل اليمن في هذا الاجتماع، كون من كلفه لا شرعية له من حيث الأصل".
وبشأن الضغوط التي يمارسها السيسي بشأن تشكيل قوة عربية مشتركة، لم يتطرق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال حواراته وأحاديثه إلى الأزمة في اليمن، وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول حقيقة الموقف المصري والاعتبارات التي تحكمه، في ظل الرفض العربي والخليجي تحديداً لانقلاب الحوثيين، وعدم اتخاذ مصر موقفاً واضحاً من التطورات.
ما كان من تغاضي السيسي عن اليمن، يمكن تفسيره وفقاً لمراقبين بأن "التطورات في هذا البلد لم تكن من الأولويات في حسابات الرجل، أو أنه يمارس نوعاً من الضغط على الدولة الخليجية، للموافقة على تشكيل قوة عربية مشتركة".
وفي هذا السياق، كانت مصر قد أعادت فتح سفارتها في اليمن قبل ما يزيد عن شهر، والتقى السفير وفوداً من الحوثيين، بيد أنه، وفجأة، عاد السفير المصري في اليمن يوسف الشرقاوي، والبعثة الدبلوماسية إلى القاهرة وأغلقت السفارة في صنعاء أبوابها، بذريعة سوء الأوضاع الأمنية في اليمن.