يسيطر القلق على الموظفين الحكوميين في اليمن، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد، وتزايد المخاوف من عدم القدرة على صرف رواتب موظفي القطاع العام، فيما أكد مصدر حكومي، تحفّظ على نشر اسمه، أن وزارة المالية تواجه مشكلة بشأن دفع الرواتب على خلفية مطالبة جماعة الحوثي المسلحة، التي استولت على السلطة بالقوة، بتدبير أموال لأجل حربها على المحافظات الجنوبية ومدينة عدن، العاصمة المؤقتة للرئيس عبد ربه منصور هادي.
وتستحوذ ثلاثة بنود على 75% من إجمالي الموازنة في اليمن، وهي الأجور، ودعم المشتقات النفطية، وفوائد الدين المحلي، فيما لجأت الحكومة خلال الشهرين الماضيين، إلى المصرف المركزي لسداد رواتب الموظفين.
وقال المسؤول الحكومي، في تصريح لمراسل "العربي الجديد"، إن عدة وزارات لم تدفع رواتب موظفيها حتى الآن، منها وزارتا الإدارة المحلية والإعلام.
وفي الأوضاع الطبيعية يتسلّم الموظفون في مؤسسات الدولة رواتبهم في الفترة بين 21 و25 من كل شهر، لكن الناطق الرسمي باسم وزارة المالية اليمنية، جميل الدعيس، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الرواتب مؤمّنة، وسيتم دفعها رغم الصعوبات المالية التي تواجهها الحكومة".
ويعتمد اليمن بنحو 70% من موارده على عائدات النفط، فيما خسر قرابة مليار دولار من عائداته النفطية، خلال العام الماضي، 2014، مقارنة بالعام السابق عليه، وفقاً للمصرف المركزي اليمني.
وذكر تقرير للمصرف المركزي أن قيمة الصادرات النفطية تراجعت إلى 1.67 مليار دولار، مقابل 2.62 مليار دولار في 2013، مشيراً إلى أن أسباب التراجع تعود بشكل أساسي إلى انخفاض قدرة اليمن الإنتاجية، لتعرض أنابيب النفط لاعتداءات تخريبية، وانخفاض أسعار الخام في الأسواق العالمية.
وبحسب محللين اقتصاديين ومسؤولين، فإن الوضع المالي أصبح أكثر صعوبة، ومن المستحيل أن تتمكن وزارة المالية، التي تخضع لسيطرة الحوثيين، من دفع فاتورة الرواتب والأجور عن شهر أبريل/ نيسان الجاري والوفاء بالتزاماتها المختلفة.
وقال وكيل وزارة المالية السابق، حسن العديني، إن التوقعات قبيل حرب الحوثيين على الجنوب وعملية "عاصفة الحزم" تدور حول أن الحكومة اليمنية ستكون قادرة على سداد الرواتب حتى شهر أبريل، لكنها لن تكون قادرة بعد ذلك.
وأضاف العديني، لـ"العربي الجديد"، أنه "ما لم تكن هناك مساعدات خارجية، فإن الدولة اليمنية لن تكون قادرة على دفع رواتب موظفيها لشهر مايو/ أيار المقبل".
وتشن 10 دول عربية، تقودها المملكة العربية السعودية، ضربات جوية ضد جماعة الحوثي منذ نهاية مارس/ آذار الماضي، أدت إلى تدمير مواقع عسكرية للجماعة المتمردة.
واعتبر العديني أن لجوء الحوثيين إلى جمع التبرعات، دليل على عدم قدرة وزارة المالية التي يسيطرون عليها، على توفير الأموال لحروبهم.
وقال: "لا تتوفر لدى وزارة المالية الأموال، وليس أمامهم سوى السحب من الاحتياطي النقدي،ولا أظن أن محافظ المصرف المركزي سيوافق على ذلك".
وأكدت مصادر موثوقة في مصلحتي الجمارك والضرائب، لـ"العربي الجديد"، أن تحصيل الضرائب صفر منذ مطلع العام الجاري، وتوقف جزئياً منذ بدأ الحوثيون حروبهم في المحافظات الجنوبية، ثم توقف بشكل كامل مع بدء عملية "عاصفة الحزم".
وتمثل الضرائب والجمارك 30% من إيرادات اليمن، التي تعتمد بشكل رئيس على النفط بنسبة 70%. وبحسب محللين، فإن الحكومة اليمنية ستضطر للاقتراض من المصارف عن
طريق أذون الخزانة لسداد رواتب الموظفين خلال الفترة المقبلة.
وأكد الخبير الاقتصادي، أحمد شماخ، في تصريح خاص، أن اليمن يعاني أزمة مالية خانقة، وقد يصل إلى مرحلة العجز عن الوفاء بالتزاماته، بسبب انخفاض إنتاج النفط وتراجع عائداته التي تفاقمت مع انهيار أسعار النفط العالمية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 4 مليارات دولار".
واتخذت وزارة المالية في الحكومة اليمنية المستقيلة، حزمة من القرارات التي تستهدف ترشيد الإنفاق الحكومي، جراء الأزمة المالية والعزلة الدولية التي تعيشها البلاد، نتيجة إغلاق السفارات الأجنبية، ومغادرة الاستثمارات الأجنبية وشركات النفط، عقب استيلاء جماعة الحوثي على الحكم.
ونص تعميم وزاري، صادر عن وزير المالية في الحكومة المستقيلة محمد زمام، على ترشيد الإنفاق في الأجور الإضافية والمكافآت، واعتبر موظفون في الجهاز الحكومي اليمني أن هذه الإجراءات كارثية وتزيد المعاناة المعيشية.
وقالوا إن هذه الإجراءات ستؤدي إلى عجز الموظفين عن سداد الالتزامات الشهرية، ومنها إيجارات المساكن والفواتير المستحقة، لأن الموظفين يعتمدون على الإضافي والمكافآت بشكل أساسي، نتيجة عدم قدرة الراتب على تغطية متطلباتهم.
لكن جماعة الحوثي زادت من هذه المعاناة، حيث أقدمت على إيقاف رواتب عدد من موظفي الدولة، الذين أعلنوا تأييدهم لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وفق مسؤولين حكوميين،حيث أكد وزير الإدارة المحلية، عبد الرقيب سيف فتح، أن الحوثيين أوقفوا راتبه شخصياً ومنعوا توريده إلى المصرف كالمعتاد.
كما بدأ الحوثيون في اقتطاع مبالغ من موظفي الدولة في اليمن لصالح ما سمّوه "التعبئة الشعبية". وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن المجالس المحلية في المحافظات، التي تخضع لسيطرة جماعة الحوثي، أقرت حسم قسط من موظفي الدولة دعماً للحوثيين ولتسيير معونات غذائية للمسلحين.
وأكد عدد من الموظفين، لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر بمثابة اقتطاع إجباري من الرواتب، موضحين أنهم يعيشون في معاناة نتيجة إيقاف الأجور الإضافية التي يعتمدون عليها بشكل كامل في أمور معيشتهم.
وحذرت مؤسسات دولية أخيراً من أن الاقتصاد اليمني يقف على حافة الهاوية، معربة عن مخاوفها من تفاقم الأزمات المعيشية والإنسانية في بلد يقبع ما يقرب من نصف سكانه تحت خط الفقر.
وفي منتصف فبراير/ شباط الماضي، قالت منظمة اليونيسف إن 14.7 مليون شخص باليمن، من أصل عدد السكان البالغ نحو 26 مليوناً، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.