يستقبلُ المزارعون اليمنيّون موسم زراعة الذرة بتفاؤل، على الرغم من نزوح كثير منهم من المناطق الزراعية بسبب الحرب المستعرة منذ أكثر من خمسين يوماً، علماً أن تقارير منظمة الزراعة والغذاء (الفاو) حول انخفاض معدل سقوط الأمطار أخيراً، لا تُبشّر بالخير. مع ذلك، لا يخفي عدد من المزارعين مخاوفهم من انتهاء موسم الزراعة من دون نثر البذور في الأرض، لاسيما أولئك الذين تقع مزارعهم على مقربة من مواقع عسكرية أو مناطق تعيش مواجهات مسلحة.
ويبدأ موسم زراعة الذرة بمختلف أنواعها في بداية شهر مايو/أيار من كل عام. إلا أن تأخر موسم الأمطار في بعض المناطق (المرتفعات الشمالية والوسطى) أدى إلى تأخر عملية ري البذور في بعض المناطق الجبلية، التي تعتمد على السقاية بالأمطار، إذ لا يمكن نثر البذور إلا بعد تشبع التربة بمياه الأمطار.
يبدو المزارع عبدالله الحداد (48 عاماً) سعيداً بسبب سقوط الأمطار على محافظته (المحويت غرب اليمن)، بعد انتظار طويل كادَ يصيبه باليأس. يُمسك حبلاً لتوجيه الثور الذي يحرث الأرض. يقول ل "العربي الجديد" إن "المطر تأخر كثيراً هذا العام، ما جعل أهالي المحويت يؤدون صلاة الاستسقاء مراراً"، مشيراً إلى أن المطر قد سقط بغزارة قبل فترة، وهو اليوم يحرث الأرض لينثر بذور الذرة.
يذكرُ الحداد المراحل التي تسبق نثر البذور، والتي يقومُ المزارعون بها قبل سقوط الأمطار، وتسمى "النشّار". خلالها، يتخلّصون من بقايا محصول العام الماضي (جذور الذرة والأعشاب الضارة) لاستخدام بعضها كعلف للمواشي، مؤكداً أن هذه الخطوات مهمة قبل رمي الحبوب.
وفي بعض المناطق المشتعلة بالحرب، تواجه المزارعون مشاكل أخرى على غرار صعدة وأبين ومأرب، منها الخوف من القصف الجوي أو التعرض لمخاطر المواجهات المسلحة. سعيد عبد الغني من أبناء محافظة تعز (وسط اليمن)، يؤكد أنه حتى اليوم، لم يستطع زيارة أرضه المجاورة لمعسكر العروس في مرتفعات مديرية صبر، مشيراً إلى أن استمرار المواجهات بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والمقاومة من أهل مدينة تعز ستؤدي إلى خسارة موسم الزراعة هذا العام. يضيف ل "العربي الجديد": تعتمد أسرتي في غذائها كثيراً على ما تجود به الأرض كل عام من محصول، واستمرار المعارك يعني أننا سنلجأ إلى شراء كل احتياجاتنا من القمح والذرة".
الأمرُ نفسه ينسحب على المزارع أحمد الهمداني الذي يملك أرضاً زراعية في منطقة ضلاع همدان في محافظة صنعاء. لأن أرضه تقعُ قرب أحد المعسكرات في المنطقة، فرض عليه الجنود عدم الاقتراب من أرضه. يقول: "أخبروني أن المعسكر قد يستهدف مجدداً على غرار ما حصل في إبريل/نيسان الماضي، وقد طلبوا مني عدم فلاحتها". يشير إلى أنه خائف من "استمرار هذا الوضع في ظل رفض المعسكر بالتعويض عن الخسائر التي يتكبدها بسبب عدم زراعته أرضه هذا العام".
إلى ذلك، أدى انعدام المشتقات النفطية لفترة طويلة خلال الفترة الماضية إلى تراجع محصول الفاكهة والخضار في المزارع المحيطة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بما فيها محافظة صعدة التي تعرضت لقصف مكثف من مقاتلات التحالف العربي، علماً أنها تُعد إحدى أهم المحافظات المنتجة لأنواع مختلفة من الفاكهة والخضر والحبوب.
بدوره، يشكو المزارع وهاس صالح من ضعف المحاصيل هذا العام، نتيجة عدم قدرته على السقاية في ظل انعدام الوقود وبالتالي عدم القدرة على رفع المياه من باطن الأرض. يضيف: "نزرع الخوخ والبطيخ والذرة وأنواعاً مختلفة من الخضرة، لكن المحصول ضعيف هذا العام بسبب الحرب".
في السياق، يؤكد مسؤول في وزارة الزراعة والري فضل عدم ذكر اسمه، عدم إيلاء قطاع الزراعة اهتماما رسمياً في هذه المرحلة. يضيف ل "العربي الجديد" أن الزراعة في البلاد "تضررت جراء استمرار المواجهات المسلحة في كثير من المناطق، وانعدام الوقود".
[b]انعدام الأمن الغذائي
[/b]
حذّرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في أبريل/نيسان الماضي من "انعدام الأمن الغذئي الشديد لنحو 11 مليون شخص في البلاد"، مشيرة إلى أن ملايين آخرين معرضون لخطر "عدم الوفاء باحتياجاتهم الغذائية الأساسية وسط تصاعد الصراع". وبحسب "الفاو"، فقد أسفر تصاعد الصراع في أنحاء البلاد إلى "تعطيل الأسواق والتجارة، وزيادة أسعار المواد الغذائية المحلية، وتأخير الإنتاج الزراعي".