توقفت عجلة مجلس الوزراء اللبناني ولن يلتئم اليوم الخميس كما هي العادة. لم يدع رئيس الحكومة، تمام سلام، إلى عقد جلسة "وهو لن يدعو إلى جلسة الأسبوع المقبل في حال استمرّت المواقف على حالها"، بحسب ما يؤكد مقرّبون من سلام لـ"العربي الجديد".
وقعت الحكومة في فخّ التعيينات الأمنية التي يريد رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون مدعوماً من حزب الله، حسمها بتعيين صهره، قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، قائداً للجيش اللبناني.
يصرّ عون على تصدّر ملف التعيينات جدولَ أعمال الحكومة، وأكد امتناع وزرائه عن مناقشة أي بند آخر قبل الانتهاء من هذه القضية. في حين يصرّ فريق 14 آذار ومعه كل من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وزعيم الحزب الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، على تأجيل البتّ في هذا الملف حتى سبتمبر/أيلول المقبل، موعد نهاية ولاية قائد الجيش، جان قهوجي. وبالتالي يكون الشلل قد لحق الحكومة، آخر المؤسسات الشرعية في لبنان، بفعل شغور رئاسة الجمهورية (منذ مايو/أيار 2014)، وتعطّل جلسات مجلس النواب نتيجة مقاطعة القوى المسيحية للجلسات التشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
يفضّل رئيس الحكومة عدم التعليق على واقع تعثّر عمل مجلس الوزراء، وينقل عنه زوّاره أنه "بانتظار مناقشة أي حلّ للأزمة المستجدة"، في ظلّ تأكيد فريق سلام لـ"العربي الجديد" على أنّ "مسار النقاش في الحلول لم ينطلق على الرغم من بدء الشلل الحكومي"، مضيفين أنّ "لا حل في الأفق".
وتبدو الأجواء السياسية في بيروت تميل إلى التشاؤم، تحديداً في ظلّ غياب الحركة الفعلية عن مجلسي بري وجنبلاط. فالأخيران يجلسان في الوسط، بين فريقي 8 آذار و14 آذار، ويديران المفاوضات بينهما، وعملا قبل أشهر على إطلاق الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل على تكريس الوفاق داخل الحكومة وإبعاد شبح الانقسام عنها.
وإذا كان جنبلاط قد سلّم، بشكل أو بآخر، بحتمية الشلل الحكومي، فلا يزال بري يستقبل في دارته موفدين عن عون وآخرين عن المستقبل.
فزار أمين سرّ تكتل الإصلاح والتغيير، النائب إبراهيم كنعان، بري "الذي اصطدم بواقع التمسّك العوني بخيار الشلل الحكومي والإصرار على موقف حسم ملف التعيينات"، بحسب ما ينقل لـ"العربي الجديد" مطلعون على هذا اللقاء. وفي الجانب الآخر، تصرّ كتلة المستقبل وغيرها من كتل 14 آذار على تأجيل هذا الاستحقاق إلى حينه. فبات بري عاجزاً عن الحركة وغير قادر على إيجاد أي حلّ للأزمة الحكومية.
اقرأ أيضاً: برّي يحاول تقريب وجهات النظر بين أطراف الحكومة بلبنان
ويرفض نواب تكتل الإصلاح والتغيير وصف مقاطعتهم لجلسات الحكومة ب"الشلل"، مشيرين إلى أنّ "من يعطّل عمل الحكومة هو الطرف الذي يرفض بتّ الملفات الرئيسية وأولها التعيينات الأمنية". وبينما لا يتردّد هؤلاء النواب في تكرار هذه المواقف، يقول رئيس مجلس النواب السابق، إيلي الفرزلي (وهو يعتبر من أبرز المقرّبين من عون وأحد مستشاريه)، لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا الفريق يتصرّف وكأنه ليس تحته شيء وبالتالي لا يخاف السقوط، وهو ماضٍ في المطالبة بحقوق المسيحيين، من التعيينات إلى قانون الانتخابات، مروراً باستعادة الدور المسيحي في الجمهورية اللبنانية". ويضيف الفرزلي في اتصال مع "العربي الجديد" أنه "لا تنازل عن هذه الحقوق، وبالتالي لا أفق لحلّ قريب"، لحين اقتناع جميع المكوّنات بإقرار هذه المطالب. وفي هذا الإطار، يؤكد مسؤولون في التيار الوطني الحرّ (الجسم التنظيمي والسياسي لتكتل الإصلاح والتغيير)، أنّ عون مستمر في خيار استقبال الحشود في دارته في الرابية (شمالي بيروت). ويشير هؤلاء إلى أنّ "كل الاحتمالات واردة في إمكانية تصعيد التحرّك من استقبال إلى اعتصامات لرفع مطالب التكتل"، وهو ما سبق لعون أن لفت إليه مطلع الأسبوع أمام الوفود التي زارته. ويحاول عون من خلال هذه الاستعراضات الشعبية إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو يكسب على الساحة الشعبية المسيحية، بصفته مدافعاً أساسياً عن حقوق هذه الطائفة، وفي الوقت نفسه يفرض شللاً بغية تنصيب صهره في موقع قيادة الجيش، بالإضافة إلى الشلل الذي سبق له أنّ كرّسه في رئاسة الجمهورية من خلاله مقاطعته وحزب الله لجلسات الانتخابات منذ مايو/أيار 2014. فيكون عون ومن معه قد عطّلوا جميع المواقع التشريعية والتنفيذية، في مجلس النواب والحكومة ورئاسة الجمهورية، لضمان تنصيب نفسه رئيساً للجمهورية وتعيين صهره في قيادة الجيش. موقف سبق لنائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أن اختصره بكلمات بسيطة: إما عون رئيساً أو الفراغ إلى أجل غير مسمى".