اضطرت أسرة أحمد حميد إلى البقاء في منزلها في منطقة حدة غرب العاصمة اليمنية، التي تتعرض عادةً لضربات مقاتلات التحالف العربي، بسبب صعوبة نزوح والدة أحمد المقعدة وتطلّبها خدمات طبية مستمرة في المدينة.
لكن بقاء الأسرة وسط الانفجارات ومخازن السلاح وطلقات مضادات الطيران بشكل شبه يومي، خلق لجميع أفرادها نوبات من القلق والخوف على أمنهم، استدعى بقاءهم لساعات طويلة قبل استطاعتهم النوم. أكثر أحمد من تدخين السجائر ليلاً، وسهر ليالي طويلة لم يستطع بعدها إنجاز عمله من المنزل، ففقده.
يشبه حال حميد وأسرته حال كثير من اليمنيين الذين يعيشون تحت ضغوط نفسية مختلفة في مناطق الاشتباكات. ويعاني أكثر من 11 مليون مدني، بينهم 7 ملايين طفل، من انتهاكات في حقوقهم الإنسانية الأساسية تجعلهم بحاجة إلى خدمات للحماية النفسية والصحية والقانونية، بسبب تعرض سلامتهم للخطر، بحسب الأمم المتحدة.
يقول الدكتور سعيد عبدالمؤمن، المحاضر في جامعة صنعاء، إن الأرق الذي يسيطر على حياة ملايين اليمنيين يؤثر على المستقبل التنموي والإنتاج الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل، مقدراً كلفة الأرق بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهي حصة كبيرة، في ظل ضخامة عدد المتأثرين، ونشوء مؤثرات جديدة أخرى أفرزتها الحرب.
ويضيف عبدالمؤمن أن تداعيات الأرق ستساهم في إضعاف اقتصاد المعرفة مستقبلاً، بسبب تأثر تعليم ملايين الأطفال اليوم بالضغوط النفسية. وسيمضي سوق العمل دون جودة كمية أو نوعية في الإنتاج، ليبقى البلد معتمداً على الخارج لتأمين احتياجاته.
ويؤدي الأرق بسبب ضغوط القلق والتوتر، إلى العديد من الأمراض المزمنة والوفاة، والانصراف عن الاهتمام بالإنتاج، مفضياً إلى توليد أعباء اقتصادية إضافية على المجتمع. ويؤكد رئيس مركز داء السكري ورئيس الجمعية اليمنية لمكافحة السكري، الدكتور زايد عاطف، لـ"العربي الجديد" أن داء السكري أبرز مثال على نتائج الأرق، حيث يتعرض له مرضاه نتيجة سماعهم دوي الانفجارات المفاجئة، أو طول التفكير في هموم الحرب.
وتتفاقم حالة المريض عندما تستمر حالته النفسية والمزاجية. وقد يؤدي الانقطاع الدائم للكهرباء في اليمن إلى موت مرضى السكري، بسبب عدم تبريد الأنسولين. يضيف عاطف أن الأرق يضعف أداء الموظف، ويؤثر كثيراً على إنتاجيته الذهنية وإنجازه البدني.
وقد تضاعف استهلاك السجائر في اليمن، منذ بداية الحرب، بنسبة 50%، بسبب الأرق والتوتر، بالرغم من ارتفاع أسعارها بمعدل 100%. وتزداد شراهة التدخين كثيراً ضمن 3 ملايين شخص فقدوا وظائفهم مؤخراً، ونحو مليوني شخص انخفضت دخولهم أمام ارتفاع قياسي للأسعار وانعدام الخدمات بسبب الحرب. ويعتبر اليمن من أعلى الدول في نسبة استهلاك السجائر، حيث أظهرت دراسة لمنظمة الصحة العالمية أنه يتصدر المرتبة الثانية عربياً بعد تونس.
وحسب إحصائيات حكومية، فإن 85% من الرجال مدخنون، و30% من النساء مدخنات. وتشير المنظمة إلى أن التدخين يعد السبب الثالث في الوفيات في اليمن، ما يؤثر على القوى العاملة ونشاطها. ويقود الاستهلاك المفرط الحالي للسجائر إلى خسائر مالية وصحية كبيرة على حساب الاقتصاد الوطني والاحتياجات الأساسية للأسرة، لا سيما في حالة المرض.
ويتواجد في اليمن أكثر من 6 ملايين شخص، معظمهم أطفال ونساء، محاصرين منذ ثلاثة أشهر ونصف في مناطق الاشتباكات أو نزحوا بعد تعرض مناطقهم أو أحيائهم للهجمات. يقول رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى الثورة العام، الدكتور عبدالله عبدالوهاب، إن معظم هؤلاء لا يستطيعون النوم، ويتعرضون خلال نومهم لكوابيس حادة بسبب الهلع والقلق الشديد. وتؤدي النوبات والهواجس إلى التبول اللاإرادي، وصدمات ذعر، وقلة التركيز، وانعدام الشهية للأكل، وبعضهم يذهب ضحية لأمراض أخرى ستتطور مع الوقت حتى تصبح مزمنة.
[b]تراكم الصدمات[/b]
يقول منسق البرامج والمشاريع في الهلال الأحمر اليمني محمد الفقيه في تصريح ل "العربي الجديد" إن الأطفال، وهم مستقبل اليمن، والفئة الممثلة لأكثر من نصف السكان، هم أكثر الفئات تضرراً من الأرق بسبب تراكم الصدمات النفسية عند سماع الانفجارات.
ويضيف الفقيه أن الأطفال المحاصرين والنازحين بشكل خاص يحتاجون إلى معالجة عاجلة، قبل أن تتطور التداعيات النفسية إلى أمراض نفسية وصحية مزمنة تدمر مستقبلهم ويصبحوا عبئاً حقيقياً على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
كما تفاقم الحرب من سوء تغذية الأطفال الذي انخفضت تأثيراته العام الماضي من مليون إلى 850 ألف طفل، لتبقى اليمن رغم ذلك ثاني دولة في معدل سوء التغذية للأطفال في العالم بعد أفغانستان.