على الرغم من الحرب الدائرة في المدن اليمنية وقصف طائرات التحالف، لم يتمكن الكثير من العائلات من النزوح إلى أماكن أكثر أمناً، بسبب المسنين فيها. ومع ذلك، فقد نزحت بعض العائلات وتركت المسنين صامدين في المنازل وحدهم.
أسباب عديدة دفعت إلى هذا الخيار، منها أنّ المسنين رفضوا النزوح، أو عجزوا عنه بسبب احتياجاتهم الصحية والاقتصادية. بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تغيير نمط حياة اعتادوا عليه منذ عقود.
أحد هؤلاء، الحاج علي جهلان (72 عاماً)، الذي يرفض الانتقال من العاصمة صنعاء إلى ريف محافظة عمران (شمالاً) مع بقية أفراد عائلته الذين نزحوا مع اشتداد غارات التحالف العربي. وبالفعل، أدت الغارات إلى تدمير منازل وسقوط ضحايا مدنيين من بينهم أطفال ونساء.
يؤكد الابن الأكبر عبد الخالق أنّ والده أصر على البقاء في صنعاء برغم القصف الذي طال أحد المعسكرات المجاورة للمنزل. ويقول: "اكتفينا بنقل الأطفال والنساء وغيرهم فيما اضطررت للبقاء مع والدي ووالدتي في منزلنا". يشير عبد الخالق إلى أنّ والده رفض ترك صنعاء كونه لا يستطيع العيش في الريف، الذي لا تتوفر فيه كثير من الخدمات. ويوضح أنّ والده المسن اعتاد على نمط الحياة في منزلهم بصنعاء، وله حركة روتينية ثابتة في الحي ولا يستطيع تغييرها هناك في الريف. كما يلفت إلى أنّ والده وغيره من المسنين يرفضون ترك المنازل حتى مع اقتراب القصف، ويسلّمون بالقضاء والقدر في حال سقطت إحدى القذائف على المنزل.
يقول عبد الخالق إنّ منزل العائلة الريفي الذي تسكنه أسر نازحة أخرى من نفس العائلة بات مزدحماً بشكل كبير. وهو سبب آخر لرفض والده النزوح. ويفسر لـ"العربي الجديد": "يتكون منزلنا الريفي القديم من عدة طوابق، والمطبخ والحمّام في الطابق السفلي، ويعتبر هذا أحد الأسباب التي جعلت والدي يمتنع عن النزوح كون حركته صعبة وهو يعاني من مرض السكري، ويضطر لدخول الحمّام مراراً".
كذلك هو الأمر بالنسبة للحاجة خديجة بازومح، فقد رفضت النزوح من مدينة تعز إلى ريف تعز بالرغم من اشتداد المعارك والمواجهات المسلحة والقصف العشوائي على أحياء المدينة. وترفض بازومح مغادرة منزلها كونها لا تستطيع السير أو تحمل مشقة السفر إلى الريف. يعتبر بسام الذبحاني، وهو أحد أحفادها، أنّ البقاء في المدينة بالرغم من الأوضاع الصعبة والحصار الذي يعيشه السكان مهم، خصوصاً أنّ جدته مطالبة بزيارة المركز الطبي المجاور لمنزلهم بين فترة وأخرى كونها تعاني من أمراض تشمل الضغط والسكري.
من جهته، يعزو أستاذ السكان والتنمية في جامعة صنعاء عبد الملك الضرعي رفض كبار السن النزوح من المدن المعرضة للقصف الجوي على الرغم من آثاره النفسية واحتمالات التعرض المباشر للقصف، لاعتبارات عديدة يأتي في مقدمتها صعوبة الرعاية الاجتماعية والاقتصادية للمسن في الأرياف. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ الكثير من سكان المدينة من المسنين انقطعوا عن مناطقهم الريفية منذ زمن، وباتت شبكة علاقاتهم الاجتماعية المباشرة محدودة. ولذلك يجد المسن مجاله الحيوي الاجتماعي الأوسع للتفاعل في حارته وبين أقرانه من المسنين والجيران.
ويضيف: "كما يعاني المسنون من تدني مستوى الدخل، وهذا لا يساعدهم على تحمل نفقات الانتقال إلى المناطق الريفية والعيش فيها. والحال أشد وطأة بالنسبة للمسنات حيث تفتقد الكثير منهن أي شكل من أشكال الحماية الاقتصادية والاجتماعية". ويقول إنّ بعضهن يعشن على ما يقدمه مجتمع المدينة لهن من مساعدات مباشرة ورعاية محدودة.
ويؤكد الضرعي على ضرورة معالجة هذه المشاكل عن طريق "إنشاء مراكز إيواء نزوح خاصة بكبار السن، تقدم لهم الرعاية الطبية والاجتماعية والمعيشية المناسبة".