في الربيع الماضي، أكمل فؤاد عبدالله الورد عامه الخامس والعشرين. هو اعتاد منذ سنيّ طفولته تربية النحل والتنقّل بين الهضاب والوديان اليمنيّة، فهذه مهنة توارثها أباً عن جدّ.
يتوسّط فؤاد إخوته الستة الذين يعملون بمعظمهم في تربية النحل، والذين يتوزّعون مع خلاياهم في مواقع تربية النحل المعروفة في اليمن. جميع أفراد عائلته الممتدة من أعمام، وحتى النساء، يعملون في هذه المهنة المضنية التي تقتضي نقل خلايا النحل من منطقتهم المحويت (الغرب) إلى مناطق مختلفة في شمال اليمن وشرقه.
لا يعرف فؤاد مهنة ولا مهارة أخرى، وهو لم يكمل دراسته في المرحلة الأساسية. هو يعتقد بعدم جدوى التعلم في حين يتخرج عشرات الآلاف من الجامعات ويخرجون إلى الشارع بلا وظائف. ويشعر بأنه محظوظ بهذه المهنة التي تضمن له ولأسرته مصدر دخل مناسب و"حلال" بحسب وصفه.
تمتلك أسرة فؤاد 450 خلية نحل أو "أجباح" كما تسمّى محلياً، تبلغ قيمتها أكثر من خمسة ملايين ريال يمني (أكثر من 23 ألف دولار أميركي). وتُعَدّ خلايا النحل هذه مصدر دخل الأسرة الوحيد، فأفرادها لا يعملون في الزراعة مثل معظم قرويّي محافظة المحويت الجبلية.
بالنسبة إلى فؤاد، "أنا معجون بالعسل. منذ طفولتي وأنا أرقص مع النحل، وأتعامل مع لسعها على أنه مداعبة بعد مصادرتي لعسلها". هو متأكد من أن ثمة اتصالاً روحياً مع تلك الحشرات، فهو يعرف متى تمرض ومتى تحتاج إلى غذاء. هو حفظها.. "في المساء، تصدر طنيناً. وعندما يمرّ غريب بالقرب من الخلايا، تصمت. أما عندما أمرّ أنا، فتستمرّ في إصداره. هي تعرف بأنني صديقها".
يدأب فؤاد على نقل أجباح النحل من منطقة إلى أخرى طوال العام بحسب المناخ وموسم إزهار أشجار السدر، ليجد النحل المرعى المناسب من زهور وأشجار، وللحفاظ عليها من البرد والغبار والحرارة العالية. النحلة شديدة التأثر بالمناخ. هو يؤكد أنه يتحمّل عناء التنقل بين المحافظات والنوم في العراء في الجبال والمناطق الساحلية، بهدف الحصول على عسل عالي الجودة. "هذا التعب ضريبة من يريد حصاد العسل. ومن يشتهي الحالي صبر".
ويواجه فؤاد مصاعب ومخاطر كثيرة، تبدأ باللصوص مروراً بالسيول التي قد تجرف أجباحه أو تقتل آلافاً من نحله ولا تنتهي بالأمراض التي قد يتعرّض لها بسبب بقائه في العراء لأشهر مع نظام غذائي غير صحي. هو يلازم أحد مواقع الرعي، وهذه المواقع تكون عادة خالية من السكان. لذا يحرص على حمل بندقيته لمواجهة اللصوص أو الحيوانات المفترسة.
أما الأسوأ، فنفوق النحل أو إصابتها بالمرض. هو يتعامل معها ككائنات صديقة في حاجة إلى رعاية مستمرة، كتنظيف الخلايا من الأتربة وحراستها من أعدائها من الحشرات والطيور. وهو يهتم أيضاً بإطعامها في حال عدم توفّر المرعى المناسب، ويؤمّن لها الدواء والمضادات الحيوية في حال أصيبت بمرض معيّن.
الحرب بالنسبة إلى فؤاد كارثة على ممتهني تربية النحل، إذ هي عقّدت عملية التنقل ما بين المحافظات ومناطق الرعي البعيدة بسبب فقدان المشتقات النفطية كوقود السيارات، بالإضافة إلى المواجهات المسلحة وقصْف طائرات التحالف العربي عددا من المناطق. وهؤلاء يضطرون إلى شراء وقود الديزل (السولار) أو البنزين "بمبالغ مرتفعة جداً من السوق السوداء، حتى نتمكّن من نقل الجباح من منطقة إلى أخرى".
لا يخفي فؤاد سعادته وفخره بكونه نحّالاً يبيع العسل للناس. هو يؤمن بأن مهنته هذه من أفضل المهن. "أنا أسقي الناس غذاءً ودواءً وشفاءً". لكنه أيضاً يقرّ بحجم المخاطرة التي يعيشها مربّو النحل. من يعمل في هذه المهنة يجب أن يتوقع موت النحل في أي لحظة، لأسباب مختلفة مثل تقلب الأحوال الجوية والأتربة والضباب والمطر. وكثيرون هم مربّو النحل الذين تعرّضوا لخسائر كبيرة نتيجة عوامل متعدّدة، ولعلّ أبرزها عدم قدرتهم على التنقل بسبب الحرب بالإضافة إلى عدم توفّر أسواق لبيع منتجات العسل فيها.
فؤاد يستنكر "الإهمال الذي يتحمّله مربّو النحل من قبل الجهات الرسمية". هم يعانون من عدم توفّر الوسائل الحديثة في تربية النحل وإنتاج العسل، المستخدمة في باقي دول العالم، مثل الأدوية والمستلزمات الخاصة وأدوات النظافة. مربّو النحل في اليمن بمعظمهم، يعملون بالطرق التقليدية التي توارثوها عن الأجداد.
وتُعَدّ تربية النحل مصدر الدخل الوحيد لعدد كبير من الأسر اليمنيّة. وأشهر أنواع العسل اليمني هو المنتج في منطقة دوعن في حضرموت (شرقاً)، ويطلق عليه عسل "السِدر الدوعني"، بالإضافة إلى عسل "العَلب" في محافظة شبوة (جنوباً) وعسل "السلام" في منطقة تهامة والمحويت وحجة (غرباً).