في يونيو/ حزيران الماضي، كتب الخبير الإعلامي اليمني، حسين الوادعي، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن جاره الحوثي الفقير قد تحوّل إلى مليونير، بعد اقتحام جماعته العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، موضحاً أن جاره "سطا على إحدى الوزارات ونهب سيارتين، واستولى على "الكافتيريا" الموجودة في المبنى وحوّلها لحسابه".
هذه قصة من بين مئات القصص أو ربما الآلاف، لمواطنين على الهامش كانوا فقراء لكنهم أصبحوا بين ليلة وضحاها أغنياء بأموال الدولة التي اغتصبتها جماعتهم وحولتها إلى شركة خاصة، هي قصة للأغنياء الجدد من جماعة أنصار الله وبقية الأطراف السياسية على الأرض، الذين حولوا الحرب من معاناة تستنزف كل مصادر دخل المواطنين إلى "حنفية" مالية تدر عليهم الأموال الكثيرة.
هذه الحرب المجنونة مثلما خنقت اليمنيين بالأزمات، كانت فرصة سانحة لآخرين قرروا جمع الأموال ولو عبر المتاجرة بآلام وآمال الناس.
منذ دخول جماعة الحوثيين صنعاء، واستيلاء مسلحيها على مؤسسات الدولة وإشعال الصراع شمالاً وجنوباً، الكثير من المواطنين فقدوا مصادر دخلهم، وذلك بسبب مغادرة مئات الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، وإغلاق أخرى محلية بسبب الوضع وسيطرة المليشيا على مفاصل الدولة.
وتسببت الحرب، التي لحقت سيطرة الحوثيين على زمام الأمور في اليمن، بقتل آلاف المواطنين وتدمير منازلهم، كما تسببت أيضاً بنزوح مئات آلاف الأسر إلى القرى، ليتعدى الأمر ذلك ويصبح اليمني لاجئاً في الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، إلا أنه ووسط كل هذه المعاناة للمواطنين، كان هناك أغنياء جدد يتشكلون على الأرض ويتغذون على أوجاع الناس ومعاناتهم، وهؤلاء الأغنياء لا يسعون لوقف هذه الحرب المجنونة قريباً، لأن انتهاءها يعني إغلاقاً لهذه "الحنفية" التي تدر عليهم ملايين الريالات.
يقول الوادعي إن جاره الحوثي، الذي كان فقيراً، تنوعت نشاطاته الاقتصادية بعد الحرب، لتضم "بيع السلاح وتجارة المشتقات النفطية في السوق السوداء"، وربما تجارات أخرى تتغذى على الحرب والدمار، وهو طريق سلكه الحوثيون بعد أن أصبحوا المسيطرين على الدولة.. لقد اتجهوا إلى بيع المشتقات النفطية الخاصة بالدولة في السوق السوداء وقاموا بنهب المال العام تحت مبرر "التعبئة العامة"، وتاجروا بالسلاح وبالوظائف الحكومية وبكل مقدرات وثروات البلاد.
لقد وصل الحال ب"الأغنياء الجدد" إلى المتاجرة بالمساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة للمواطنين في اليمن وباعوها في السوق السوداء، وهم يعلمون بأن هناك ملايين الناس بحاجة ماسة إليها، وبأن الملايين لا يجدون قيمة رغيف الخبز وأسطوانة الغاز وأجرة المواصلات.
هي الحرب إذاً، من تتسبب في مقتل الأبرياء وتشريد من بقي منهم وتترك لنا دولاً مشلولة وجيلاً مشوّهاً ومذعوراً، وهي أيضاً من تفتح الباب على مصراعيه أمام "الأغنياء الجدد" للمتاجرة بحاضرنا ومستقبلنا والمتاجرة بالحرب نفسها.