دفعت الحرب غالبية رجال الأعمال في اليمن إلى الهروب خارج بلدهم بعد ركود حركة التجارة والأعمال منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة في سبتمبر/أيلول 2014، ثم التوقف الكلي للأعمال والمشاريع منذ بدء حروب الحوثي الداخلية وعملية عاصفة الحزم مارس/ آذار 2015.
وقال رجل أعمال يمني كبير يعمل في سوق الهواتف النقالة، فضل عدم ذكر اسمه، إن أعماله توقفت بشكل تام وشركاته ومكاتبه أغلقت منذ بدء الحرب. وأنه انتظر شهرين على أمل أن تتوقف الحرب، لكنه فقد الأمل وغادر مع عائلته إلى القاهرة وبدأ بفتح مشاريع جديدة في القاهرة وتونس.
وحذر خبراء يمنيون من انعكاسات هذه الهجرة على بيئة الأعمال اليمنية التي لعبت الحرب الداخلية بنسبة أكبر وحصار التحالف بنسبة أقل، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء كلياً وانعدام المشتقات النفطية والخدمات الأساسية وغياب الأمن والقضاء وتعطيل مؤسسات الدولة؛ دوراً كبيراً في إيصالها إلى ما وصلت إليه في الوقت الحاضر.
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي عبد المجيد البطلي أن الحرب دمرت الاقتصاد وأوقفت حركة التجارة. وقال البطلي : لقد دمرت الحرب كثيرا من المصانع والمراكز التجارية وهذا ساهم في خلق جو من عدم الاستقرار والخوف لدى رجال الأعمال الذين بدأوا في البحث عن أماكن جديدة للاستثمار خارج الوطن".
وأوضح البطلي: "أن معظم رجال الأعمال اليمنيين يتجهون إلى جدة ودبي وعمان والقاهرة وإلى تركيا وماليزيا والمملكة المتحدة".
وكشف المركز اليمني للإعلام، منتصف يوليو/تموز الجاري، عن ارتفاع كبير في عدد المتقدمين للحصول على جواز السفر اليمني أو تجديده، حيث وصل إلى نسبة 300% نتيجة الحرب الداخلية التي تشهدها عدد من المحافظات وخشية المواطنين من استمرار هذه الحرب.
ودفع الإقبال الكبير من تجار ومواطنين للحصول على جواز السفر أو لتجديده، إلى إقدام مصلحة الجوازات اليمنية على رفع سعر جواز السفر من 4500 ريال (20 دولاراً) إلى 50 ألف ريال يمني (232 دولاراً أميركياً).
وتوقع مصدر بالمصلحة أن يرتفع رسم الجواز إلى 100 ألف ريال (450 دولارا) عقب إجازة عيد الفطر نتيجة لقلة الكمية المتوفرة لدى المصلحة مقارنة بالعدد الكبير للمتقدمين.
ويؤكد تقرير اقتصادي يمني أن موسم هجرة رجال الأعمال وأصحاب المنشآت في اليمن قد بدأ بالفعل. وهو ما اعتبره التقرير مؤشرًا "مقلقًا" لبيئة الأعمال اليمنية. حيث أشارت نتائج استبيان إلى أن 38% من أصحاب المنشآت فكروا بالمغادرة، وهي نسبة تمثل "ثلث" الأعمال التجارية في اليمن، بالإضافة إلى 28% يخططون للخروج.
واعتبر التقرير الصادر عن وكالة تنمية المنشآت في اليمن، صدر الخميس، إن 73% من رجال الأعمال نقلوا أعمالهم وتجارتهم للخارج. وأن هذا الإجراء سيؤدي إلى فجوة اقتصادية في البلد، وهي من المخاطر التي ستدمر الاقتصاد اليمني برمته.
وذكر التقرير، أن 19% من أصحاب المنشآت خططوا في يونيو/حزيران الماضي للانتقال إلى دولة الإمارات لسهولة الاستثمار فيها، بينما اختار 17% منهم الانتقال إلى السعودية لوجود فروع لديهم فيها بالإضافة لوجود أهل وأصدقاء.
وجاءت ماليزيا ثالثة بـ10% لسهولة التأشيرة، ثم إثيوبيا 9% وعمان وتركيا 7% لسهولة الاستثمار والتأشيرة، وجاءت الأردن والصومال والصين وإندونيسيا وغانا ودول أخرى بنسبة 5% ضمن اختيارات رجال الأعمال الذين يرغبون بالانتقال إليها.
ويعتبر أصحاب الأعمال في قطاع الخدمات حسب نتائج التقرير، الأكثر تفكيراً بالخروج من اليمن بسبب الأحداث، بنسبة 45%، وتمثل الإمارات الدولة الأولى بالنسبة لهم. ثم تجار الجملة والتجزئة 34%، واختيارهم الأول السعودية، بينما أقل القطاعات تفكيراً بنقل أعمالهم هم القطاع الصناعي الإنتاجي بنسبة 27%.
وبالنظر بدقة وأكثر عمقاً في الشأن نفسه، أوضحت النتائج أن المنشآت الكبيرة هي الأكثر تفكيراً بنقل أعمالها للخارج بنسبة 46%، ثم المنشآت الصغيرة 38%. و33% منها أي الثلث خطط أصحابها لنقل أعمالهم إلى السعودية.
من جانبها، أوضحت الغرفة التجارية بالعاصمة صنعاء أن 67 مصنعاً ومعملاً وآلاف المشاريع الصغيرة تضررت بشكل مباشر، بالإضافة إلى الأضرار غير المباشرة والتي تمثلت بالحظر ومنع دخول البواخر والسفن التجارية المحملة بالمواد الأساسية والبضائع إلى الموانئ اليمنية.
وقال رئيس الغرفة التجارية بصنعاء، حسن الكبوس، إن خسائر القطاع الخاص تزيد كل يوم نتيجة لتواصل استهداف المصانع والمنشآت، أو بالتوقف نتيجة عدم توفر مادة الديزل الهامة والضرورية للتشغيل، الأمر الذي أدى إلى تسريح آلاف العمال والموظفين والمهندسين، ومضاعفة مشكلة البطالة في المجتمع.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يقدر نائب رئيس الغرفة التجارية والصناعية بالعاصمة محمد صلاح، أن الأضرار الأولية للحرب على قطاع الأعمال تقدر بحو إلى 13 مليار دولار، ويشير إلى أنها خسائر قابلة للزيادة مع استمرار الحرب.
وفي حين فقد غالبية رجال الأعمال اليمنيين الأمل في توقف الحرب واستقرار الأوضاع، فإن أقلية منهم فضلت البقاء في الوطن رغم إغلاق المحلات وتوقف حركة التجارة، على أمل أن تتوقف الحرب.
ويؤكد رجل الأعمال اليمني المعروف عبد الله الرماح أنه سيبقى في بلده مثل باقي المواطنين على "أمل أن تتوقف الحرب وتعود الأعمال وحركة التجارة". وقال لـ"العربي الجديد": "توقفت أعمالنا بشكل كامل لكن أين نذهب ومن سيقبل استثماراتنا وتجارتنا ويتعامل معنا بإنصاف؟ لن تقبل بنا السعودية ولا دبي".