لا تعرف أسماء محمد، والدة الطفل وليد المطري البالغ من العمر عاماً واحداً، والقابع في غرفة العناية المركزة بالمستشفى الجمهوري بمحافظة الحديدة الحكومي (غرباً)، ماذا تفعل له بعد أشهر من معالجته من سوء التغذية، وبعد تقديم مختلف أنواع المكمّلات الغذائية له بغية ترميم جسده الهزيل وصحته المتدهورة.
يقول المتحدث باسم اليونيسف، محمد الأسعدي، إن حالة وليد ضمن 160.000 حالة على وشك الوفاة بسبب سوء التغذية، خصوصاً أن تفاقم حالته تزامن مع إعلان وزارة الصحة في يونيو/ حزيران الماضي عن تعطل عمل مرافقها في نصف المحافظات اليمنية التي تشهد انعداماً للكهرباء واستمراراً لأعمال الاقتتال والقصف الجوي. كما تعاني المنظمات الدولية من صعوبة الوصول إلى المتضررين في الكثير من المناطق بسبب استمرار الحرب.
ويتأثر الاقتصاد الوطني بالانعكاسات التنموية الطويلة التي يعاني منها الأطفال والنساء اليوم. يقول خبير السكان والتنمية، عبد الملك الضرعي، لـ"العربي الجديد"، إنه حينما يعاني نحو نصف عدد أطفال اليمن، أي حوالي المليونين تحت سن الخمس سنوات، من نقص النمو، بينما يعاني أقل من مليون من هؤلاء الأطفال من سوء تغذية حاد، فإن لهذا الأمر تبعاته التنموية والاقتصادية التي تنتقل عبر الأجيال كحلقة مفرغة تعيد إنتاج نفسها لعقود. ويقدّر الضرعي "خسارة الاقتصاد القومي نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي جرّاء المشكلة. كما ستعاني نسبة كبيرة من أمهات الغد من مشاكل في الحمل والولادة والإرضاع، لتستمر سلسلة التأثر لأجيال أخرى. إذ ستستمر الأمهات المصابات في إنجاب أطفال ناقصي الوزن وضئيلي الحجم وذوي قدرات ذهنية وإدراكية محدودة، تؤثر على تعليمهم ونوعيه إنتاجهم الاقتصادي وتوفيرهم دخلاً جيداً لأسرهم ليصاب أطفالهم بالمشكلة نفسها ومشاكل الفقر المزمنة الأخرى".
في حين تشرح مسؤولة الاقتصاد الاجتماعي في وزارة التخطيط، أنيسة ناصر، "أن شبه انعدام الدعم الحكومي في الماضي، زاد من تفاقم الظاهرة، ولذلك فقد دفعت المنظمات الدولية أكثر من 80 مليون دولار خلال السنوات الأربع السابقة لإنشاء وتجهيز حوالي 400 مركز علاجي داخل مرافق طبية، إلى جانب تدريب كوادرها وشراء أدوية لتقديم العلاج والاستشارة، بدءاً من الحمل والإرضاع وحتى كامل مراحل نمو الطفل في السنوات الخمس الأولى. وكان تدخّل تلك المراكز العامل الرئيسي في انخفاض سوء التغذية في الحديدة مثلاً، بمعدل 30% خلال العام الماضي". وتضيف ناصر أن مناطق أخرى لا تزال بحاجة لمثل هذه المراكز، وهناك حاجة لأكثر من 500 مليون دولار حتى تتحقق كامل التغطية، التي لن تتحقق إلا بدعم المنظمات الدولية في ظل المتاعب المالية التي تمر بها اليمن حالياً ومستقبلاً".
وتقدّر منظمات الإغاثة في اليمن خلال العام الجاري أن 1.5 مليون طفل دون سن الخامسة بحاجة إلى خدمات التغذية لإنقاذ حياتهم من سوء التغذية. وتحتلّ اليمن المركز الثاني في العالم بعد أفغانستان في سوء التغذية قبل الحرب، حيث يعاني 850.000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك 160.000 حالة شديدة.
يؤكد الباحث في سوء تغذية الأطفال، رامي المقطري، أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد، هم أكثر عرضة لاحتمال الوفاة من نظرائهم الأصحاء بنسبة 900%، والأطفال المصابون بسوء التغذية الحاد المعتدل أكثر تعرضاً للوفاة من أقرانهم الأصحاء بنسبة 300%.
وقد أدت الحرب ونقص إمدادات الوقود والعلاج إلى تفاقم الأزمة التي كانت موجودة من قبل. ومنذ بدء الصراع، أكدت الحكومة أن 160 مرفقاً صحياً كانت تقدم خدمات التغذية أغلقت أبوابها، لتؤثر على أكثر من 450.000 طفل دون سن الخامسة. وتشمل الأسباب الرئيسية لإغلاق المرافق نقص الوقود وغياب الموظفين بسبب المخاوف الأمنية أو الرواتب المتأخرة. ويشرح المقطري أنه إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، فإن عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد سيرتفع إلى 400.000 حالة. وسيكون هذا الارتفاع مدفوعاً بصورة رئيسية بزيادة انعدام الأمن الغذائي.
ويصيب سوء التغذية صغار الأطفال والحوامل والمرضعات بشكل رئيسي في السهول الساحلية الغربية والجنوب غربية، بسبب ضعف الخدمات وانعدام المياه الصالحة للشرب وسوء الصرف الصحي، والممارسات غير المثالية في إطعام الأطفال. وبرغم ذلك تشمل المناطق المتضررة بشكل مرتفع مدناً حضرية مثل صنعاء والمكلا ومدينة إب.