للحرب في اليمن تداعيات كثيرة. وفي عدد من المحافظات في جنوب البلاد، أدت إلى جرح وإعاقة آلاف الأشخاص. هؤلاء يعانون للحصول على العلاج في ظل عدم وفاء بعض الدول بالتزاماتها، وعدم تسلمها ملفات جرحى الحرب. واليوم، يقدر عدد جرحى الحرب في عدن بأكثر من عشرة آلاف جريح.
أصيل فيصل (29 عاماً) هو أحد أبناء مدينة عدن، بترت ساقه بعدما أصيب خلال قتاله ضمن قوات المقاومة الشعبية الموالية للحكومة الشرعية. لكنه، حتى اليوم، لم يتلق العلاج اللازم. يقول ل "العربي الجديد": "حصلت على وعود كثيرة بنقلي للعلاج في الخارج في ظل عدم وجود متخصّصين، لكن، حتى اليوم، لم أستطع السفر". مشيراً إلى ضعف التنسيق بين شركة الطيران التي تنقل الجرحى إلى الخارج والمراكز المعنية.
يضيف: "أرقد حالياً في مستشفى النقيب. وعلى الرغم من أن اسمي هو ضمن قائمة المرضى الذين يحتاجون العلاج في السعودية، إلا أن القائمين على تنظيم سفر الجرحى في مطار عدن لم يخبروني. لهذا غادرت رحلتان، حتى الآن، من دون أن أعلم"، لافتاً إلى وجود جرحى آخرين سافروا بدلاً منه.
ويشكو من إهمال الأطباء للجرحى في المستشفى الذي يعالج فيه، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الجرحى في ظل نقص الأدوية، عدا عن الانقطاع الدائم للكهرباء في ظل ارتفاع درجة الحرارة. يقول: "يشتري الجرحى الأدوية على نفقتهم الخاصة، ما يزيد من معاناتهم، علماً أن بعضهم يحتاج إلى أدوية يتجاوز سعرها عشرة آلاف ريال يمني (47 دولاراً)".
مع ذلك، يبدي فيصل تفهمه للأوضاع السيئة التي تعيشها المنظومة الصحية في عدن. مشيراً إلى أنه في المستشفى طبيب واحد متخصص في العظام، علماً أن غالبية إصابات الحرب هي في العظام. في الوقت نفسه، يؤكد أن علاج الجرحى يخضع للمحسوبية في كثير من الأحيان، لافتاً إلى أنه "من يعرف مسؤولاً يحظى بالاهتمام اللازم".
إلى ذلك، عمد بعض المواطنين إلى قطع الشوارع وإغلاق المصرف المركزي والبريد في عدن، احتجاجاً على عدم الاهتمام بالجرحى وتأمين سفرهم إلى الخارج، متهمين اللجان المهتمة بعلاج الجرحي في الخارح بالتحيز. في وقت تقول اللجنة، إن بعض الأشخاص يتدخلون في نقل الجرحى إلى الخارج، لناحية تحديد الأسماء، علماً أن مهمة اللجنة تنحصر في ترتيب الحالات بحسب خطورة الإصابة.
إلى ذلك، يؤكد منسق لجنة إخلاء الجرحى، عيدروس عبدالله، وجود بعض المشاكل والمعوقات المرافقة لعمليات علاج الجرحى أو نقلهم إلى الخارج. مشيراً إلى أن عدد الحالات الطارئة تجاوز الـ400 شخص، وهناك أكثر من 600 شخص بحاجة إلى أطراف صناعية. يضيف ل "العربي الجديد"، أن حركة الطيران ضعيفة، مما أدى إلى تأخر عملية نقل كثير من المصابين بجروح خطيرة إلى الخارج. يقول: نواجه مشكلة في قلة عدد رحلات الطيران المخصصة لنقل الجرحى إلى الخارج، ما يزيد من الأعباء على اللجنة"، مؤكداً أن المستشفيات في عدن تعاني من نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى ندرة الكوادر الطبية المتخصصة.
ويتحدث عدد من الجرحى عن التمييز، ما يمنع آخرين من الاستفادة من حقهم في العلاج. ويؤكد عبدالله "أننا عملنا على معالجة هذه التجاوزات فور معرفتنا بها". يقول: "لاحظنا وجود فوضى خلال الأيام السابقة، ما سمح بارتكاب أخطاء عدة. لكننا أجرينا إصلاحات في آلية العمل، من خلال استبدال موظفين بعدما ثبت تورطهم بالفساد". يضيف: "في السابق، كان هناك جماعات مسلحة مسؤولة عن الفوضى في المطار، وقد أتيح لبعض المرضى السفر من دون رقابة أو موافقة اللجان الطبية المعنية بإعطاء التصريحات". مبيناً أن عملية علاج الجرحى باتت عادلة بين المحافظات والمكونات السياسية من دون محاباة أو محسوبية.
في الوقت نفسه، يطالب عبدالله الجهات المعنية الاهتمام بقضية الجرحى، لافتاً إلى أن كثيرين حصلوا على وعود لم تنفذ كونها مرتبطة بوزارة الصحة. وتجدر الإشارة إلى أن الوزارة لم تقدم أي دعم للمراكز الصحية والمستشفيات في عدن وبعض المدن الجنوبية، بسبب انقطاع التواصل. أيضاً، فإن اللجنة الثورية التابعة لجماعة أنصار الله الحوثيين، كانت قد أصدرت مطلع العام الجاري قرار التعبئة العامة للحرب الذي منع جزءاً كبيراً من مخصصات وزارة المالية من الوصول إلى المراكز الصحية.
في السياق، تقول المسؤولة الإعلامية في منظمة "أطباء بلا حدود" في اليمن، ملاك شاهر، إن المنظمة "تعمل على استقبال جرحى الحرب في مختلف المحافظات، وفق أخلاقيات العمل الطبي الإنساني من دون تحيز لأي طرف بحسب دينه أو جنسه أو انتمائه السياسي". تضيف ل "العربي الجديد"، أن المنظمة استقبلت أكثر من 11 ألف جريح منذ 19 مارس/آذار الماضي في المستشفيات التي تعمل فيها فرقها الطبية في سبع محافظات في الجنوب والشمال.
وبحسب شاهر، فقد تكررت حالات الإصابات الجماعية، خلال شهر يوليو/تموز الماضي، ووصل عدد الجرحى الذين استقبلتهم المنظمة، منذ تاريخ 19 مارس/آذار الماضي، إلى أكثر من 4700 شخص. كما توفر المنظمة الرعاية النفسية والعلاج الفيزيائي في المستشفى. وتؤكد أن المنظمة استقبلت بعض الجرحى في مجمع كريتر الصحي، وعملت على تسيير عيادات متنقلة في مدينة إنماء السكنية التي تعج بالنازحين، بالإضافة إلى مديرية الشعب البعيدة عن مركز المدينة.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد توجهت إلى عدن لتقديم الخدمات الطبية للمواطنين في مستشفى الجمهوري، ومستشفى 22 مايو، حيث أنشئ قسم متكامل للجراحة. ويؤكد الناطق الإعلامي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدنان حزام ل "العربي الجديد" أن اللجنة قدمت مساعدات طبية (معدات وأدوية وغيرها) إلى 45 مستشفى في البلاد، منها مستشفيات عدة في عدن وحدها. وكان مكتب الصحة في عدن قد أعلن أن عدد القتلى منذ بداية الحرب وصل إلى 1171، فيما أصيب نحو عشرة آلاف و262 شخصاً.