رصدت مؤسسة التوعية والإعلام الصحي نحو 17430 حالة إصابة بمرض حمى الضنك في محافظة تعز (270 كلم وسط اليمن)، خلال شهر أغسطس/ آب الجاري فقط، لتعد هذه الحصيلة الأعلى على الإطلاق التي يحققها هذا الوباء في تاريخ اليمن ضمن هذه الفترة القصيرة.
ويقابل هذا الوباء عجز وزارة الصحة والسكان ومنظمات الإغاثة العالمية عن محاصرته، بسبب استمرار المواجهات المسلحة والحصار المطبق على المدينة منذ أكثر من خمسة أشهر.
وأوضح تقرير دوري صادر عن المؤسسة أن عملية رصد انتشار الوباء تمت بالتنسيق مع 4 مستشفيات لا تزال تعمل، وتوقف معظم المستشفيات والمرافق الصحية العامة والخاصة جراء الأوضاع المتردية والقصف العشوائي والحصار المفروض من قبل جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، على هذه المدينة.
وتعد تعز من أكبر المدن اليمنية من حيث الكثافة السكانية، وهي الثانية من حيث عدد السكان بعد العاصمة صنعاء.
وأشار التقرير إلى أن مستشفى الروضة استقبل 8086 حالة إصابة، منذ مطلع شهر أغسطس/ آب فقط بمعدل 311 حالة في اليوم، فيما استقبل مستشفى التعاون 5230 حالة بمعدل 201 حالة في اليوم الواحد، كذلك استقبل المستشفى الجمهوري 3100 حالة بمعدل 119 حالة في اليوم.
أمّا مستشفى الحكمة فقد استقبل 1014 حالة بمعدل 39 حالة، فيما بلغت حالات الوفاة 15 حالة، في حين لا تزال عملية الرصد جارية في المديريات، لإصدار تقرير شامل عن حمى الضنك في محافظة تعز.
وأشار التقرير إلى أن مستشفيات تعز تعمل "بإمكانات شحيحة وتقتصر على الطوارئ واستقبال جرحى الحرب".
مشيراً إلى أنها "تفتقد للأجهزة المخبرية الخاصة بالفحوصات المتطورة، وكذلك المحاليل وأجهزة نقل الصفائح، مما يعقد عملية اكتشاف أنواع المرض المتعددة والمراحل الأكثر خطورة إلا من خلال الأعراض فقط"، ليؤدي ذلك إلى انتشار وباء الضنك على نطاق واسع، لا سيما في المديريات التي أغلقت فيها المراكز الصحية نهائياً.
وبحسب التقرير، يفتقد سكان المحافظة وسائل التوعية المختلفة للتعريف بالمرض "وأسباب وانتشار وأعراضه وطرق الوقاية منه، بالإضافة إلى غياب التنسيق بين السلطات المحلية والمنظمات الدولية العاملة والمنظمات المحلية، للقيام ببرامج وتسيير قوافل طبية ومخيمات وتوزيع منشورات توعوية في المدينة والمديريات البالغ عددها 23 مديرية و4 ملايين مواطن".
وفي السياق أكد المواطن وضاح القدسي بأنه يجد صعوبة في علاج ابنته المصابة بحمى الضنك على الرغم من اكتشافه في وقت مبكر، نتيجة شح الأدوية والمستلزمات الطبية في أغلب مستشفيات المدينة.
مشيراً إلى أن الأطباء يقدمون بعض "المحاليل الوريدية"، وهي غالباً غير متوفرة في غالبية مستشفيات المدينة.
وأضاف القدسي لـ"العربي الجديد" أنه يحاول أخذ ابنته إلى محافظات أخرى ليداويها في مستشفيات تتوفر فيها أدوية، لكنه يخشى اندلاع الحرب في حال أخذها إلى صنعاء، كما أنه سمع أن بعض الجماعات المسلحة في محافظة عدن (جنوب) تمنع دخول غير سكان عدن.
وتزداد أوضاع المنظومة الصحية في تعز سوءاً جراء وقوع المستشفيات العاملة في دائرة الاستهداف بالقذائف، مما يزيد مخاوف الكادر الصحي والإحجام عن العمل، إضافة إلى قلة أسرّة الرقود ونقص الدم، وإغلاق المختبر المركزي وبنك الدم في المدينة.
وتشهد المحافظة أوضاعاً مجتمعية وصحية متردية في ظل تكدس النفايات والمياه الراكدة إضافة إلى الحر في الشوارع والأحياء، مما يؤدي إلى تكاثر البعوض الناقل للحميات الوبائية، وعلى رأسها حمّى الضنك التي تستمر بالفتك بأهالي المحافظة.
[b]إيقاف ومخاوف[/b]
وكان تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد ذكر أن مستشفى اليمن الدولي وهو أكبر وأحدث مستشفى في تعز قد أغلق أبوابه، بعد إصرار أحد أطراف الصراع على استخدام مرافقة كمتاريس ومراكز لمدفعيته للهجوم على المدينة.
وعبر التقرير عن قلقه عن مصير 100 نزيل في غرف الرقود والعناية المركزة الذين لم يعلم مصيرهم عند إغلاق المستشفى.
وأعلنت جمعية الهلال الأحمر اليمني عن إيقاف خدماتها بشكل كامل في المحافظة نتيجة الاعتداءات المتكررة على فرعين لها داخل المدينة، ليؤدي ذلك إلى عجز الفرعين عن تقديم خدماتهما بشكل كامل.
مشيرة إلى أن جماعات مسلحة "قامت بالاعتداء ونهب وحرق مباني الجمعية في منطقتي حوض الأشرف وثعبات واستخدام الأخير كنقطة تمترس للمسلحين".
وأوضح الهلال الأحمر في بيان له أمس الجمعة، أن المسلحين استولوا على ست سيارات تابعة للجمعية تحمل جميعها شارة الهلال الأحمر، بالإضافة إلى إطلاق النار على سيارتي إسعاف مما أدى إلى مقتل أحد الجرحى ومرافقه في إحداها وخروج السيارات من الخدمة.
لافتاً إلى أن "الاعتداءات تشكل خرقاً صارخاً لأحكام القانون الدولي الإنساني التي تنص على احترام الطواقم الطبية وتوفير حماية خاصة لهم، حتى يقوموا بتأدية واجبهم الإنساني بأمان ومن دون تهديد لحياتهم".
من جانبها، أبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قلقها جراء "اشتداد القتال في مدينة تعز التي تشهد مناطقها قصفاً عشوائياً وتتعرض البنية التحتية الأساسية فيها للدمار".
وقال رئيس البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في تعز، أوليفييه شاسو، إن "الوضع الصحي في تعز متردٍ جداً وتضطر المستشفيات القليلة التي ما زالت تعمل إلى استقبال أعداد كبيرة من الجرحى في ظل نقص حاد في الإمدادات".
ودعا شاسو في بيان له نشر في موقع اللجنة الدولية الإلكتروني، "الأطراف الميدانية في تعز إلى السماح بالمرور الآمن لسيارات الإسعاف والعاملين في المجال الطبي والعاملين في الإغاثة كي يتسنّى لهم إنقاذ أرواح الناس وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة".
من جانبها، دعت منظمة الصحة العالمية اليوم السبت إلى إنشاء ممر آمن لضمان توصيل الرعاية الطبية لأكثر من ثلاثة ملايين شخص في محافظة تعز اليمنية.
وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية الدكتور علاء الدين علوان في بيان صحافي، إن على جميع الأطراف تطبيق وقف لإطلاق النار، وعدم عسكرة المستشفيات والمنشآت الطبية في تعز.
مطالباً بالسماح بالوصول الآمن للإمدادات، وتطبيق تدابير السيطرة على تفشي حمى الضنك، وتوفير الرعاية الطبية، وتمكين الوصول إلى الجرحى والمرضى.
الجدير بالذكر أن جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، تطبق الحصار لتمنع دخول أي مساعدات صحية أو إنسانية إلى المدينة منذ أكثر من خمسة أشهر وتقوم بقصف المناطق المأهولة بالسكان عشوائياً، مما خلف دماراً واسعاً في عدد من المنازل والمؤسسات الخدمية وسقوط مدنيين بمن فيهم من نساء وأطفال بين قتيل وجريح.
وكانت الحكومة اليمنية الموجودة في العاصمة السعودية الرياض، قد أعلنت الإثنين الماضي مدينة تعز منكوبة، على إثر مقتل عشرات المدنيين بينهم 13 طفلاً بنيران جماعة الحوثي وحلفائهم وتردي الأوضاع المعيشية والصحية، نتيجة الحصار المستمر منذ أشهر.
داعية في بيان لها المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى التدخل بشكل عاجل لإنقاذ المدنيين في المدينة.