كثّف تنظيم القاعدة في محافظة حضرموت من انتهاكاته بشكل لافت خلال الأيام الماضية، والتي شملت عمليات هدم لقبور وتفجيرات لمراكز أمنية و"إقامة الحدود الشرعية"، في تصعيد عزاه البعض إلى احتمال أن التنظيم يمهّد للانسحاب من مدينة المكلا، مركز المحافظة، والتي يسيطر عليها منذ 2 أبريل / نيسان الماضي.
وهدم تنظيم القاعدة، يوم السبت الماضي، قبوراً تعود إلى صينيين لقوا حتفهم في سبعينيات القرن الماضي أثناء تشييدهم جسراً وسط المدينة.
وبنيت القبور بالطريقة الصينية تخليداً لدورهم في بناء هذه المنشأة. وأتى هدم القبور بعد أيام فقط من تفجير مبنى فرع الأمن السياسي في المحافظة الواقع في حي خلف بمدينة المكلا. كما نفّذ التنظيم "الحد الشرعي" على قرابة 10 أشخاص دينوا بارتكاب "مخالفات شرعية". وتنوعت العقوبات التي فرضها التنظيم ما بين الجلد والإعدام، إذ قام الأسبوع الماضي بتنفيذ حد الإعدام في حق شخص قال إنه دين بارتكاب جريمة قتل قبل حوالي عام، كما قام التنظيم في اليوم التالي بجلد عدد من الأشخاص في مدينة الشحر بتهمة ارتكاب "المعاصي". وكان قد نفذ عقوبة الجلد على خمسة أشخاص أواخر يوليو/تموز الماضي وسط مدينة المكلا.
ومن المتوقع أن يحسم التنظيم عشرات القضايا المنظورة أمام ما يسمى المحكمة الشرعية التي أقامها وسط المدينة، والتي تردد عليها بعض الأهالي للفصل في قضاياهم، فضلاً عن محاكمة الكثير ممن يعتقلهم التنظيم بتهم متعددة أبرزها التجسس.
ولاقت انتهاكات التنظيم الأخيرة استنكاراً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ظل الشارع لأشهر متخوفاً من ابداء رأيه في ما يحصل خشية الاعتقال والملاحقة. ويقول "القاعدة" إنّ ما يقوم به يأتي في إطار "تطبيق شرع الله، وهو الأصلح لحكم البشرية وتطبيق الأحكام المعطلة في ظل الحكومات المتعاقبة".
ويرى مراقبون أن هذه الأحداث المتتالية تعد مؤشراً لقرب انسحاب التنظيم من مدينة المكلا، لكن يشير آخرون إلى أنها تأتي في سياق تثبيت التنظيم لوجوده في حضرموت. كما يعتبر سياسيون تحدثوا لـ"العربي الجديد" أّنّ هذه التطورات تؤكد أن التنظيم وجد الفرصة المناسبة لاستعراض عضلاته وإرساء ما يريده من أفكار يؤمن بها.
ويشيرون إلى أنّ ما تشهده المدينة اليوم هو نتيجة حصاد صمت القوى السياسية والمجتمعية الموجودة في حضرموت بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، إذ صارت هذه الأمور وكأنها طبيعية من كثرة تكرارها.
ويلفتون أيضاً إلى أنّ التفجيرات وعمليات الهدم الأخيرة تؤكد أن التنظيم يعيش حالة فراغ ولا يمتلك أي مشروع يكسب الناس من خلاله ويسمح له بفترة بقاء أطول، مرجحين أن تكون الأحداث الأخيرة إشارة إلى انسحاب وشيك من المدينة في ظل الأنباء عن حوارات تُجرى من أجل تجنيب المدينة خطر المواجهة مع القوات الشرعية.
في المقابل يرى آخرون أنّ ما جرى يأتي في إطار محاولة إعلامية لا أكثر لإيصال رسالة إلى جهات معينة، يفيد من خلالها التنظيم، أنه لا يزال موجوداً وقادراً على صنع الأحداث، وأن ما يشاع عن قرب انسحابه ليس بالضرورة ناتجاً عن موقف ضعف من قبله وأنه لا يزال يمتلك زمام المبادرة.