arpo28

خليل محمد طفل يعمل لكسب العيش.. "فالتعليم مضيعة للوقت"

في صباح كل يوم، يقطع الطفل خليل محمد مسافة كبيرة، تتجاوز الثلاثة كيلومترات، ليصل إلى سوق الخميس الواقع على الطريق الذي يربط بين محافظتي صنعاء والحديدة (غرب). هناك، يبيع شجرة الكاذي العطرية للمسافرين.

لا يعرف عمره أو متى ولد أو عدد الأيام التي قضاها على الطريق، هو الذي اعتاد مغادرة منزله الصغير في قرية سريع الواقعة على أحد جانبي وادي سُردد، أكبر الوديان المائية في اليمن. لكن الشيء الوحيد الذي يشغل باله على الدوام، هو جمع المال لمساعدة أسرته.

يمكن تقدير عمر محمد من خلال جسده الصغير. لم يتجاوز التسع سنوات على الأرجح. ترك المدرسة بعد أيام قليلة فقط من من ارتيادها للمرة الأولى. يقول لـ"العربي الجديد": "نحن بحاجة إلى المال كي نعيش. والدراسة لا تدر علينا المال ولن تنفعنا، لهذا أعمل طوال الوقت"، مشيراً إلى أن والده يحثّه على مواصلة التعليم، لكنه يرفض ويكتفي بتعلّم القرآن في أوقات فراغه مع بعض الأطفال. أحياناً، يتحدث وكأنه رجل طاعن في السن، وخصوصاً حين يحكي عن القرآن والصلاة والدين.

أحياناً، يذهب خليل إلى مدرسة قريته ليرى أصدقاءه وهم يدرسون. مع ذلك، يفضّل العمل وجمع المال. وكثيراً ما يحاول استثماره في مشاريع صغيرة كبيع الحلويات للأطفال، أو شراء الدجاج أو الماعز وتربيتها ثم بيعها.

يقضي محمد ساعات النهار الطويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، ويتنقل بين السيارات عارضاً بضاعته على المسافرين أو الأسر التي تأتي لزيارة الوادي بين الحين والآخر، بأسعار زهيدة جداً. إذ لا يتجاوز سعر حزمة الكاذي العطرية الواحدة الـ50 ريالاً يمنياً (أقل من ربع دولار أميركي). يقول: "في صباح كل يوم، أتسلّق شجرة الكاذي لأقطف ثمارها التي تنبعث منها رائحة العطر، وهي مهمة صعبة عليّ لأنني طفل، علماً أن أوراق الشجرة مليئة بالأشواك". يضيف: "يتبع عملية القطاف لف الكاذي بأوراق الشجرة وربطها بأوراق شجرة الموز المنتشرة في المكان. اعتدت على الأمر، حتى أنني لم أعد أشعر بوخز الأشواك".

يعمل والده في مزارع الموز. ولأن أجره ضئيل، يضطر محمد إلى العمل ومساعدة الأسرة، وخصوصاً أنه أكبر أشقائه الخمسة سناً. وبسبب بُعد المسافة التي يقطعها للوصول إلى السوق، تبقى والدته قلقة عليه طوال اليوم، وتنتظر عودته مساءً بفارغ الصبر. يقول: "تخاف أمي عليّ من القشوي (الضبع)، لأنه ينتشر في الجبال والوادي، وخصوصاً بعد المغرب مباشرة"، لافتاً إلى أنها كثيراً ما تبكي في حال تأخرت في العودة إلى المنزل.

لدى محمد مهمة أخرى أيضاً، وهي رعي أغنام الأسرة. يقول إنه عوقب أكثر من مرة عندما أكلت حيوانات مفترسة بعض الماعز. وتظهر على جبينه ورقبته ويديه بعض الندوب الناتجة عن طفح جلدي، بسبب الاغتسال في مياه الوادي في الوقت الذي تكون فيه الشمس حارقة.

يمرض خليل كثيراً، لكنه ينتظر أن يشفى من دون الذهاب إلى الوحدة الصحية، لافتاً إلى أن والدته تحاول مداواته من خلال الأعشاب الطبيعية. ولدى سؤاله إن كان قد زار الملاهي أو الحدائق من قبل، يقول إنه لا يعرف ما تعنيه هاتان الكلمتان. كل ما يعرفه هو الوادي وبحر الحديدة الذي زاره مرة في حياته بحكم قربه من قريته.

وتجدر الإشارة إلى أن قرية خليل تفتقر لأبسط مقومات الحياة. ليست هناك مياه نظيفة أو كهرباء أو طرقات. هناك مدرسة صغيرة لا يحضر إليها المدرّسون معظم أيام السنة. يقول: "ليس لدينا كهرباء، وقد جاءت الحكومة ووضعت أخشاباً (أعمدة) منذ سنوات. لكنها لم تعد ولم تجلب لنا الكهرباء. أمر يجعله يذهب لمشاهدة بعض المسلسلات في منزل شيخ القرية الذي استطاع الحصول على كهرباء من خلال الطاقة الشمسية.

يرى محمد أن التعليم مضيعة للوقت، ولا يؤمّن للشخص حياةً كريمة. لذلك، يبحث فقط عمّا يساعده على العيش. وحين سألناه عمّا يريد أن "يصير حين يكبر"، ابتسم قائلاً: "أريد أن أملك الكثير من قُراش (المواشي) والزواج".

بحسب تقارير حكومية ودولية، يوجد في اليمن مليون وثلاثمائة ألف طفل عامل، منهم 469 ألفاً تراوح أعمارهم ما بين خمسة أعوام و11 عاماً. ويؤكد عدد من الباحثين أن الحرب والفقر ضاعفا هذا الرقم، ويعمل معظم هؤلاء الأطفال في الزراعة بنسبة 65.1 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن الأطفال في اليمن، ما بين سن الخامسة والسابعة عشرة، يشكلون ما نسبته 34.3 في المائة من السكان. وكان اليمن قد وقّع على اتفاقية حقوق الطفل، التي تجرّم عمالة الأطفال في الأول من سبتمبر/ أيلول عام 1990.

زر الذهاب إلى الأعلى