arpo28

عودة هادي إلى عدن وشيكة... وغارات صنعاء لإراحة مأرب

تبدو الساحة اليمنية أمام منعطفات عديدة، حربية وسياسية متلازمة؛ ففي حين تفيد مصادر متقاطعة بنيّة الرئيس عبد ربه منصور هادي، العودة في غضون ساعات أو أيام إلى عدن، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لإتمام الانقلاب الحوثي سيطرته على صنعاء، فقد عكست الغارات غير المسبوقة لمقاتلات التحالف العربي في العاصمة، في اليومين الماضيين، رغبة بالردّ على خسائر جبهة مأرب، من جهة، ورسالة توحي بالشكل المنتظر للمعركة الحاسمة في العاصمة.

وعلمت "العربي الجديد" أن نجل الرئيس هادي، ناصر، مسؤول أمنه الشخصي، وصل إلى عدن فجر أمس السبت، لتهيئة عودة والده إلى صنعاء في حلول عيد الأضحى أو قبله أو بعده بفترة وجيزة، علماً أن العيد يحلّ يوم الخميس المقبل.

وكان هادي قد غادر عدن في مارس/آذار الماضي إلى السعودية. وكان نائب الرئيس، رئيس الحكومة، خالد بحاح، قد وصل يوم الأربعاء الماضي إلى مدينة عدن، آتياً من السعودية برفقة سبعة من وزرائه، وعدد من أعضاء البرلمان، لممارسة مهامهم من داخل البلاد، بعد قرابة ستة أشهر من الإقامة في الرياض.

وتحمل عودة هادي، إن حصلت، رمزية كبيرة بما تعنيه من اكتمال عودة أطراف الشرعية إلى الداخل اليمني المحرر من سطوة الحوثيين وحلفائهم، كما أنها تضع خطوة الرحلة الفعلية لكسر سطوة تحالف "أنصار الله" وجيش الرئيس السابق علي عبد الله صالح على صنعاء.

وفي الإطار، عقد بحاح وطاقم حكومته لقاءات هدفها تثبيت سلطة حكومته في "العاصمة المؤقتة". وشملت الاجتماعات السلطات المحلية ومديري العموم للوزارات، وقيادات أمنية وعسكرية، وقيادات في "المقاومة"، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني والنساء في عدن، إضافة إلى لقاءات مع قيادات في السلطات بالمحافظات المجاورة لمحافظة عدن.

وقال مصدر إن "هناك توجهاً لغربلة العمل الإداري في عدن، ودعوة وجهت من أطراف بما فيها داخل المقاومة، تطالب رئيس الوزراء بتغيير الفاسدين في المؤسسات والمرافق الحكومية". كما التقى بحاح وفداً إماراتياً كان قد عمل في مساعدة تطبيع الأوضاع في عدن.

ميداناً، وفي مؤشر على اقتراب معركة الحسم في العاصمة، كثف التحالف العربي ضرباته الجوية فيها بوتيرة غير مسبوقة في الساعات الماضية، فهاجم مقرّات أمنية وعسكرية وسط المدينة، يتم استهدافها للمرّة الأولى، بالتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية على الحكومة للدخول في حل سياسي، وذلك بالتزامن مع اشتداد المعارك في مأرب وتعز.

وقد تباينت القراءات بشأن هذا التصعيد في صنعاء تحديداً، بين من اعتبرها مقدّمة لمعركة صنعاء، ومن رآها تصعيداً لشل القدرات العسكرية للمليشيات في العاصمة قبل الدخول بأي تفاوض، أو معركة عسكرية، في حال وصلت الأمور إليها.

وأوحت ضربات صنعاء، بوجود استراتيجية جديدة، تمثلت بالتركيز على مقرّات عسكرية وأمنية ثانوية ومنازل قيادات. واستهدفت أبرز الضربات في هذا السياق، خلال اليومين الماضيين، مقرّ وزارة الداخلية في حي الحصبة، ومخازن التموين الغذائي العسكري، في منطقة عصر غربي صنعاء، ومقرّ حرس الشرف الخاص بالمراسم ومخبزاً تابعاً للتموين العسكري، في شارع الزبيري بقلب العاصمة، الأمر الذي نتج عنه تضرّر عدد كبير من المباني المجاورة وسقوط ضحايا.

ورأى مراقبون أن هذه الكثافة في الغارات قد تكون مقدمة لمعركة صنعاء، التي يتم التجهيز لها في مأرب، المحاذية لها من الشرق، وهو ما تعززه بعض التصريحات الرسمية والتعزيزات العسكرية الكبيرة التي وصلت إلى المحافظة، خلال الأسابيع الماضية.

لكن في المقابل، كان هناك رؤية اعتبرت أن التصعيد مرتبط بتطورات سياسية وميدانية ليست متعلقة بمعركة صنعاء بالضرورة، وإنما بملف الحرب بشكل عام. من أبرز تلك العوامل، الضغوط الدولية المتصاعدة على الحكومة من أجل القبول بالتفاوض مع المليشيات، مع اقتراب الحرب من نصف العام على بدئها في 26 مارس/آذار الماضي.

ووفقاً لهذا الرأي، يسعى التحالف بالتنسيق مع الحكومة اليمنية، إلى ضرب أكبر عدد من الأهداف قبل أي تفاوض، لرفع سقف المحادثات، والوصول إلى النتيجة المتوخاة بتنفيذ جماعة الحوثيين القرار 2216، وتسليم الأسلحة التي استولوا عليها إلى السلطة الشرعية.

من جهة ثانية، فإن القصف الجوي المكثف في صنعاء ارتبط، بدرجة أو بأخرى، بالتطورات الميدانية في جبهات القتال الأخرى، وتحديداً مأرب وتعز، إذ جاء التصعيد بعد القصف الصاروخي الذي استهدف تجمعاً لقوات التحالف في مأرب، قبل أسابيع، ونتج عنه مقتل العشرات غالبيتهم إماراتيون. وتبنت الإمارات في خطابها الرسمي، الضربات التي أعقبت عملية صافر، مشيرة إلى أن سلاح الجو الإماراتي يضرب بصورة مكثفة معاقل وتجمعات الحوثيين في صنعاء ومحافظات أخرى، فيما بدا تعبيراً عن الغضب الإماراتي من العملية وثأرها لجنودها.

وكانت تسريبات تداولتها بعض وسائل الإعلام قبل أيام، تحدثت عن عملية "ثأر مأرب"، أطلقها التحالف ضد عدد كبير من الأهداف التابعة للحوثيين والقوات الموالية لصالح، تهدف إلى شل قدراتها عسكرياً وبشرياً، غير أن المتحدث باسم التحالف، أحمد عسيري، نفى في وقت لاحق، وجود أي عملية "ثأرية"، مشيراً إلى أن العمليات تمضي وفق خطط مسبقة.

من جهة ثانية، فإن العديد من المعطيات الميدانية والسياسية، تعزز الرأي الذي يفيد بأن موجة الضربات في صنعاء، لا تعني اقتراب المعركة منها، إذ أن العمليات العسكرية في مأرب التي تبعد عن صنعاء نحو 200 كيلومتر، تتقدم ببطء، بحيث تدور معارك منذ حوالي أسبوع قرب تبّة المصارية، وهو مرتفع أخذ تسميته من التاريخ، إذ تقول روايات أن العديد من المصريين من بين ألوف قتلوا في اليمن إبان التدخل المصري لمساندة الجمهوريين في الستينيات، سقطوا في ذلك الموقع، ليتخذ بعد ذلك هذا الاسم، أي "تبّة المصريين".

ووفقاً لآراء خبراء ومحللين عسكريين استقتها "العربي الجديد" من أكثر من مصدر، يتطلب التقدم نحو صنعاء، أولاً، حسم جبهة مأرب ثم الجوف، ومن ثم المرور بتضاريس صعبة؛ فصنعاء تحيط بها مناطق جبلية شاهقة، بينها جبل النبي شعيب، أعلى مرتفع في الجزيرة العربية. وبالإضافة إلى التضاريس، فإن الخارطة القبلية والاجتماعية المعقدة حول العاصمة، لا تتطلب فقط استعداداً بالقوة، بل استمالة ولاءات وإحداث انشقاقات في صفوف القوى المتحصنة فيها، قبل أي زحف.

وتظهر طبيعة الأهداف الأخيرة، أن التحالف يسعى لفرض طوق حول صنعاء وإنهاك الحوثيين والموالين لصالح فيها، لإجبارهم على الاستسلام، إذ استهدفت الضربات الجوية، جسوراً تربط صنعاء بمحافظة الحديدة من الغرب، وأخرى من تربطها بمأرب من الشرق، كما أن المناطق الواقعة إلى شمالها، ليست أفضل حالاً، حيث تتعرض صعدة لضربات مكثفة بشكل يومي، فضلاً عن محافظتي حجة وعمران.

وتميل العديد من الأوساط السياسية المؤيدة للشرعية، إلى فكرة الضغط على صنعاء وحصارها قبل أي زحف بري، لتخفيف كلفة المعركة المحتملة وفقاً للظروف والعوامل الجغرافية والسياسية، بالإضافة إلى تخفيف الأضرار قدر الإمكان، على البنية التحتية.

وفي الإجمال، فإن غالبية المعطيات الميدانية والسياسية، لا تجعل من موجة الضربات الجوية الأخيرة، مؤشراً ملحاً على بدء الزحف إلى العاصمة، بل خطوة في طريق محاصرتها، وتدمير القدرات العسكرية للمليشيات، بما يمنع تدفق التعزيزات من صنعاء إلى المحافظات المشتعلة، وتحديداً مأرب وتعز، وبما يدفع الانقلابيين نحو الاستسلام، أو يقلل كلفة معركة الزحف لاحقاً، في حال وصلت الأمور إليها، فضلاً عن العديد من العوامل والحسابات السياسية محلياً وخارجياً، وفي مقدمتها الضغوط الغربية التي تسعى للدفع بالمسار السياسي على حساب الحسم العسكري.

زر الذهاب إلى الأعلى