يستمر فرار المدنيين من معاناتهم الإنسانية، جراء القتال المحتدم في عدد من المناطق اليمنية، إلى دول الجوار، لا سيما دولة جيبوتي المقابلة لسواحل اليمن الغربية، لكن سرعان ما تبدأ هناك معاناة من نوع مختلف.
فقد عبّر لاجئون يمنيون وصلوا منذ أشهر قليلة إلى جيبوتي، عن استيائهم من استمرار الإهمال الحكومي والأممي لهم، وتعرضهم لممارسات ابتزاز في بعض المدن الجيبوتية، على يد يمنيين وجيبوتيين وموظفين في بعض المنظمات الدولية العاملة في مجال مساعدة اللاجئين.
وقال اللاجئ إسلام الزريقي إن اليمنيين يتعرضون لممارسات ابتزاز واسعة ويومية، من قبل أطراف مختلفة في مدينة "أبوخ" الساحلية التي تبعد (260 كيلومترا) جنوب العاصمة جيبوتي، حيث خصصتها السلطات موقعا لمخيمات النازحين اليمنيين، مشيرا إلى أن السفارة اليمنية هناك تخلت عن القيام بواجبها كما ينبغي لحماية رعاياها.
وأضاف الزريقي أن اللاجئ اليمني يجب أن يدفع أموالا كرشوة، مقابل الحصول على حقوقه سواءً من السلطات الجيبوتية باعتبارها قد تعهدت برعاية اللاجئين، وموقعة على اتفاقية عام 1951، الخاصة بوضع اللاجئين وبموجبها تحصل على مساعدات دولية.
كما يذكر الزريقي معاناة النازحين من طرف العاملين في السفارة اليمنية، أو حتى بعض العاملين في المنظمات الإنسانية المعنية برعاية اللاجئين، مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر.
لافتا إلى أنه اطلع على ممارسات مختلفة من هذا النوع، لكن الضحايا لا يعرفون لمن يقدمون شكاويهم في ظل ممارسات الفساد الواسعة، كما لا تلتزم تلك المنظمات بمعايير الشفافية عبر نشر طرق وعناوين البرامج ذات العلاقة، التي يمكنها الاستماع لمعاناة اللاجئين والانتهاكات التي يتم ارتكابها ضدهم.
وأكد الزريقي أن بعض الموظفين في المنظمات الدولية، يطلبون رشاوي من أجل نقل اليمنيين إلى العاصمة جيبوتي بسيارات المنظمة.
وأضاف: "يذهب اللاجئ اليمني للمنظمة شاكيا من عدم السماح له بالذهاب للعاصمة، لكنه يُفاجأ أن العاملين في المنظمة يعرضون عليه أخذه إلى العاصمة بسيارات المنظمة مقابل دفع مبلغ مالي".
مؤكدا أن المنظمات الدولية في مدينة أبوخ لا تقوم بواجبها بالشكل المطلوب، واصفا إياها بأنها "الوجه الآخر للسلطات الجيبوتية".
وعن معاملة السلطات الجيبوتية لليمنيين، قال الزريقي إن اليمنيين يتعرضون للإهانة بشكل مستمر في عدد من المؤسسات بمدينة أبوخ، حيث "يصل الأمر ببعض الموظفين الحكوميين لرمي جوازات السفر اليمنية على الأرض أو الدوس عليها بأقدامهم أمام اليمنيين".
وسلم الزريقي صورة يظهر فيها موظف جيبوتي وهو يدوس على بعض الجوازات اليمنية، وهو الأمر الذي أزعج الكثير من اليمنيين اللاجئين في مدينة أبوخ.
وواصل الزريقي: "يعمل ضباط الميناء في أبوخ على استفزاز المسافرين اليمنيين واستغلالهم وأخذ أموال منهم".
لافتا إلى أن هذه الممارسات تتم بمساعدة بعض السماسرة اليمنيين الذين تربطهم علاقات بالسلطات الجيبوتية.
ويقوم بعض أفراد الأمن الجيبوتي بدهم اليمنيين في الأسواق وحجزهم بدون أي أسباب، ليقوموا بابتزازهم وأخذ أموال منهم من أجل إطلاق سراحهم، في ظل صمت وتجاهل تام من قبل الجهات الرسمية اليمنية والجيبوتية.
ويؤكد الزريقي أن بعض الجهات الأمنية الجيبوتية تقوم باحتجاز جوازات بعض اليمنيين، وعندما يقومون بطلبها ليعودوا إلى اليمن، لا يتم تسليم هذه الجوازات إلا بعد دفعهم مبلغ 100 دولار أميركي على الأقل.
أما من يريد السفر خارج جيبوتي، فعليه أن يتمم معاملاته في مدينة أبوخ، ومن ثم يدفع مبلغا ماليا غير رسمي، مقابل السماح له بدخول العاصمة ليتمكن من السفر من هناك.
وعن ممارسات الفساد في السفارة اليمنية بجيبوتي، يقول الزريقي إن اللاجئ اليمني لم يعد يستطيع التفريق بين من يعمل في السفارة ومن لا يعمل، "فعدد كبير من الأشخاص يأتي ويحمل أوراقاً بأنه موظف في السفارة، لكن يتضح في نهاية المطاف بأنه محتال استغل حاجة اللاجئين للاستقرار ليحتال عليهم".
[b]تعقيدات ونقص خدمات[/b]
من جانبها، أكدت أم أسامة أنها تتمنى الذهاب إلى أقربائها في العاصمة جيبوتي ثم العودة إلى اليمن عبر الجو، لولا أن السلطات الجيبوتية فرضت بعض الإجراءات التي تعقد عملية الوصول للعاصمة.
وأضافت أم أسامة ل "العربي الجديد" أن سماسرة يعرضون عليها أخذها هي وبقية أفراد أسرتها إلى العاصمة مقابل 400 دولار أميركي للفرد الواحد.
ويشكو اليمنيون في مخيم اللاجئين من نقص المواد الغذائية وانعدام الخدمات الأساسية والصحية وسوء تعامل الجهات المعنية معهم.
يذكر أن مدينة أبوخ التي يوجد فيها مخيم اللاجئين اليمنيين، تبعد عن العاصمة 260 كيلومتراً، وتشرف على المخيم منظمات تابعة الأمم المتحدة ويموله مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
وكانت تقارير حديثة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، قد أشارت إلى أن عدد اللاجئين اليمنيين خارج اليمن قد تجاوز 30 ألف شخص، فيما أكدت بعض التقارير الإعلامية أن عدد اللاجئين اليمنيين في جيبوتي، وصل إلى حوالي 13 ألف لاجئ خلال الأشهر الماضية، منذ اندلاع الحرب في نهاية مارس/ آذار الماضي.
وينتمي الغالبية العظمى من اللاجئين إلى مدينة عدن جنوب اليمن، ثم من باب المندب، بالإضافة إلى نازحين من بقية المحافظات الشمالية الأخرى، حيث تعاني مناطقهم من اشتباكات مستمرة.