يواجه النظام الصحي في اليمن انهياراً في الكثير من المناطق المتأثّرة بالصراع المسلّح الذي تصاعدت حدّته في آذار (مارس) الماضي.
وكشف تقرير «المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن» الصادر أخيراً عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أن الحرب المتصاعدة في البلد أدّت إلى تدمير نحو 54 مرفقاً صحياً، جزئياً أو كلياً، منها 25 مستشفى و11 مركزاً صحياً و11 مستوصفاً في 11 محافظة، ما أثّر بشدة في تقديم الرعاية الطبية للسكّان، بخاصة المحتاجين إلى إجراء جراحات فورية في المناطق المتأثّرة بالصراع.
وأشار التقرير إلى أن هذا الأمر «يشكّل تحدياً أمام حاضر القطاع الصحي ومستقبله، فحتى بعد الدخول في تسوية سياسية، ستتطلّب أي جهود نحو استعادة التعافي لهذا القطاع، فترة زمنية متوسّطة إلى طويلة قبل العودة إلى الوضع السابق»، وأن من ضمن تداعيات الصراع على النظام الصحي، التي ركّز عليها التقرير الحكومي، إعلان وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية أن المرافق الصحية في 11 محافظة غير قادرة على تقديم الرعاية الصحية، وهي أبين وعدن والبيضاء والضالع والجوف وحجة ولحج وصعدة وشبوة وتعز ومأرب.
وأوضح أن أداء المرافق الصحية تأثّر بالأزمة الراهنة في درجة عالية، فنحو 25 في المئة من المرافق الصحية (900 من مجموع 3652) لا تعمل في الوقت الراهن أو تعمل جزئياً، بسبب الصراعات المسلّحة ونقص الكوادر الطبية وشحّ الوقود والأدوية وقلة الإمدادات الطبية. ويذكر أن الخدمات الصحية انخفضت في المستشفيات العامة والخاصة، بخاصة غرف العمليات ووحدات العناية المركّزة.
ووفقاً لوكيل وزارة الصحة العامة والسكان لقطاع الطب العلاجي نشوان العطّاب، «يموت بين 5 إلى 6 أشخاص يومياً بسبب الضغط الكبير من الحالات الجراحية وعدم توافر أسرّة العناية المركّزة، ومغادرة الكادر الطبي الأجنبي».
ولفت إلى أن بعض المستشفيات مهدّد بالتوقّف عن العمل، ومنها بعض مستشفيات أمانة العاصمة صنعاء مثل مستشفيات «السبعين» و «زايد» و «الكويت» بسبب عدم توافر الوقود. وأضاف أن مركز غسيل الكلى في حرض في محافظة حجة، الذي يعالج نحو 57 حالة فشل كلوي مزمن شهرياً، أغلق بسبب صعوبة وصول العاملين الصحيين، ما يعرّض حياة المرضى المستفيدين من هذا المركز للخطر، أو يحمّلهم تكاليف إضافية للبحث عن مراكز بديلة في مناطق أخرى.
ويزيد تفاقم الأوضاع الصحية، شحّ الأدوية المستوردة وارتفاع أسعارها وتعطّل بعض مصانع الأدوية المحلية، بسبب نقص مدخلات الإنتاج. ومن ضمن الأدوية الشحيحة، علاج مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وعلاج السرطان وعلاج الصدمات. ويعيق غياب الكهرباء وشحّ الوقود تشغيل الأجهزة الطبية في المرافق الصحية التي بقيت مفتوحة، ويؤثّران بشدة في خدمات سيارات الإسعاف. ويواجه النظام الصحي صعوبة في تخزين الأدوية الحسّاسة للحرارة. وفي منطقة تهامة والمناطق الساحلية، يؤدّي ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف إلى زيادة الضغط عند المرضى وارتفاع السكر عند المصابين به.
كما يؤدّي ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة أسعار الخدمات الطبية المتاحة، وتكاليف نقل المرضى إلى المرافق الصحية. ونظراً إلى عدم وجود تأمين صحي عام في اليمن، يصعب وصول الفقراء ومحدودي الدخل إلى الخدمات الصحية.
وأشار التقرير الحكومي إلى أن تدنّي الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والمياه الآمنة والصرف الصحي خلال الشهور الماضية، ساهم في زيادة مستوى انتشار الأمراض، ومنها الإسهال الحاد والملاريا والتهابات الجهاز التنفسي العلوي والالتهاب الرئوي وحمّى الضنك.
وتعتبر الأخيرة مرضاً مستوطناً في اليمن، ويرتفع معدّل انتشاره موسمياً من نيسان (أبريل) إلى آب (أغسطس) سنوياً. وارتفع عدد حالات الإصابة في الشهور الماضية، إذ تم الإبلاغ عن 8 آلاف حالة. وتتركّز بدرجة رئيسة في محافظات عدن وتعز والحديدة ولحج وشبوة وحضرموت.
ويعود ارتفاع حالات الإصابة هذا العام إلى تخزين المياه في أوانٍ مفتوحة، نتيجة لانعدام الأمن وشحّ المياه وارتفاع أسعارها. وحذّر التقرير من أن استمرار الحرب الحالية سيفاقم الأوضاع الصحية وينشر الأمراض أكثر ويعرّض حياة مزيد من السكان للخطر، إذ تقود زيادة انتشار الأمراض إلى مزيد من الضغوط على القطاع الصحي الهشّ أصلاً.
ويعاني القطاع الصحي نقصاً في الكوادر المحلّية المؤهّلة، لذلك يعتمد كثير من المستشفيات على خدمات الكوادر الأجنبية التي غادرت البلد بسبب الحرب.
ويواجه اختناقات كبيرة في هذا الجانب، بخاصة بعد نزوح عدد من الكوادر الطبية المحلية من مناطقهم، وصعوبة وصولهم إلى المرافق الصحية في المناطق المتأثّرة بالنزاع. وتعرّض 17 عاملاً صحياً للقتل أو الإصابة، كما تعرّضت 9 سيارات إسعاف للتدمير، وهوجم موظفو اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عدن وتعز وعمران، ما يشكلّ تهديداً خطيراً أمام توفير الرعاية الصحية للسكان المحتاجين إليها في المناطق المتضرّرة.
وأظهر التقرير أن «اليمن لن يتمكّن من تحقيق ثلاثة أهداف ترتبط بالقطاع الصحي ضمن أهداف التنمية الألفية بحلول نهاية العام الحالي، وهي خفض وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأمهات، ومكافحة بعض الأمراض، بل من المؤكد خسارة جزء من الإنجازات التي تحقّقت في السنوات الماضية».
وعزا تدنّي المؤشّرات الصحية إلى الكثير من الصعوبات والتحديات، أبرزها تزايد الطلب على الخدمات الصحية نتيجة النمو السكاني المرتفع (3 في المئة)، ونقص الكوادر الصحية المؤهّلة وعزوفها عن العمل في المناطق الريفية، ومحدودية النفقات المخصّصة للقطاع الصحي، وتكرار دورات الصراع المسلّح، وكذلك اتّساع الفقر وانتشار سوء التغذية المزمن بين الأطفال (التقزّم) الذي بلغ 42.5 في المئة عام 2013»، لافتاً إلى أن هذا «أمر خطير يؤثّر سلباً حتى في القدرات الذهنية للأطفال، وبالتالي مستقبل التنمية البشرية في اليمن».