فجّرت قرارات أصدرها الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت الأسبوع الماضي، بتقسيم دولة جنوب السودان إلى 28 ولاية بدلاً عن عشر ولايات، ردود فعل غاضبة، اعتبرت أن القرارات قسّمت البلاد على أساس إثني قبلي، وهو ما تُرجم على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم (هاشتاغ) "القبلية بقرار جمهوري".
وذوبت القرارات التي أتت بعد 45 يوماً فقط من الفترة ما قبل الانتقالية، الولايات والمناطق الجنوبية بعضها ببعض، واستقطعت بعض مناطق القبائل وضمتها لأخرى والعكس، وألغت تماماً الولايات القديمة بمسمياتها المختلفة. ووفقاً للقرارات الرئاسية، فإن الولايات الاستوائية الكبرى قُسّمت إلى ثماني ولايات بدلاً من ثلاث، بينما باتت ولايات بحر الغزال الكبرى عشر ولايات بعدما كانت أربع ولايات، أما ولايات أعالي النيل الكبرى التي كانت ثلاث ولايات فقد أصبحت عشرولايات.
وكان الفرقاء الجنوبيون قد وقّعوا في أغسطس/آب الماضي على اتفاقية سلام شامل لإنهاء الحرب الأهلية، اتفقوا خلالها على تقسيم السلطة والثروة وفقاً لحدود ولايات الجنوب العشر.
وأثارت قرارات الرئيس الجنوبي الجديدة حفيظة المتمردين بقيادة رياك مشار، الذي سارع إلى مخاطبة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد" باعتبارها الراعية لاتفاقية السلام، وطالبها باتخاذ موقف من خطوة الحكومة في جوبا.
ويرى مراقبون أن التقسيم الجديد جاء على أساس إثني، الأمر الذي من شأنه أن يعزز القبلية، كما ينبئ بتفجير حرب قبلية جديدة بعدما أدت هذه القرارات إلى استقطاع أراضي بعض القبائل وضمها لقبائل أخرى، فضلاً عن أنها تمت من دون ترسيم للحدود بينها.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن القرارات قفزت على اتفاقية السلام التي وقّعتها الحكومة في جوبا مع المتمردين أخيراً، الأمر الذي ينبئ بانهيارها. كما يعتبرون أن القرارات أدت إلى إحكام سيطرة بعض زعماء قبيلة الدينكا على النفط في مناطق أعالي النيل والوحدة، وهي المناطق التي يُفترض ووفق اتفاقية السلام أن يكون لمشار وجود فيها، الأمر الذي من شأنه أن يخلق صراعاً على النفط.
أما الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فرأوا أن القرارات كرّست القبلية بقوة، وتساءل بعضهم كيف للحكومة أن تعطي لكل قبيلة ولاية، بينما دورها توحيد الفرقاء ومحاربة القبلية؟ واعتبروا أن القرارات من شأنها التعجيل بانهيار البلاد وتفتيتها عبر خلق نزاع بين القبائل. في المقابل، رأى مؤيدو القرار أنه يُشكّل رؤية ثاقبة للحكومة وتنفيذاً للفيدرالية التي سبق وطالبت بها شريحة واسعة من المجتمع، معتبرين أن القرارات من شأنها تسهيل عملية التنمية.
وسبق أن اقترحت مجموعة رياك مشار تقسيم الجنوب لـ21 ولاية بالعودة إلى حدود المراكز القديمة التي أنشأها المستعمر في إطار السودان الموحّد، إلا أن المقترح وقتها لاقى رفضاً من الحكومة في جوبا، وتم إرجاء هذا الأمر لحين البت في الدستور الدائم للبلاد.
ويصف القيادي في مجموعة مشار، يوهانس موسى، القرارات بالمضحكة، جازماً بعدم تنفيذها. ويقول موسى، إن هذه القرارات في جملتها تتعارض مع روح اتفاقية السلام التي لا تسمح بزيادة عدد الوزارات فكيف الأمر بالنسبة للولايات، مرجّحاً أن تُعرّض القرارات سلفاكير ميارديت للمساءلة الدولية والإقليمية باعتبارها تنصّلاً من الاتفاقية.
ويشير موسى إلى أن مجموعة مشار طالبت "إيغاد" باتخاذ موقف من خطوة جوبا، معتبراً أن الرئيس الجنوبي يريد خلق وضع يقود لانهيار اتفاقية السلام ويشغل العالم، لا سيما أنه هو نفسه من رفض مقترح المعارضة بتقسيم الجنوب لـ21 ولاية. ويضيف أن "هذه القرارات تعني العودة إلى طاولة المفاوضات بعد أن كنا قد فرغنا تماماً من تقسيم السلطة والثروة، لنعيد الأمر من جديد"، محذراً من أنها ستُنتج حروباً من جديد، لا سيما أنها اقتطعت أراضي بعض القبائل لصالح أخرى.
من جهته، ينتقد القيادي في مجموعة المعتقلين العشرة، دينق ألور قرارات ميارديت، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أن أي زيادة للولايات يفترض أن تخرج عن البرلمان وتُناقش على مستوى الشعب، مؤكداً أن مجموعته ستدرس القرارات لإعلان رأيها النهائي.
في المقابل تدافع الحكومة في جوبا عن القرارات بقوة، وتؤكد حق الرئيس الجنوبي بإصدارها من دون الرجوع للبرلمان. وينفي المتحدث الإعلامي باسم الرئيس الجنوبي أتينج ويك، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون القرارات تكريساً للقبلية، مشيراً إلى أن الجنوب يضم 64 قبيلة وبالتالي كان الأجدى أن تكون الولايات 64 وليس 28 لو أن الهدف تكريس القبلية، مؤكداً أنها "كرّست التفاعل الاجتماعي بالمزج بين القبائل في المقاطعات المختلفة، فضلاً عن تسهيل عملية التنمية وإشراك الشعب في الحكم"، نافياً تماما تأثر اتفاقية السلام بالقرارات.
أما المحلل السياسي مصطفى بيونق، فيؤكد عدم دستورية القرارات باعتبار أنها لم تأتِ ضمن اتفاقية السلام التي تم إدراجها في الدستور عقب المصادقة عليها من قِبل برلمان الجنوب وحركة مشار. ويوضح أن "الحكومة الحالية هي حكومة تسيير أعمال ولا يجوز لها اتخاذ قرارات دستورية خلال الأيام التسعين التي تسبق الفترة الانتقالية"، مؤكداً أن تأثير تلك القرارات على اتفاقية السلام يتوقف على جدية الضامنين في تنفيذ نصوصها.