arpo28

معركة حضرموت تقترب: "القاعدة" في مواجهة الغضب الشعبي

تتقلص يوماً بعد آخر فرص تنظيم "القاعدة" في حضرموت شرق اليمن في البقاء، وخصوصاً أنّ التنظيم أخلف بوعوده في الانسحاب أكثر من مرّة، ما جعل المواطنين يضيقون ذرعاً به ويكسرون حاجز الخوف، بعد ستة أشهر من حكم التنظيم كسلطة أمر واقع.

تعدّ التظاهرة الحاشدة التي شهدتها مدينة المكلا، يوم الاثنين، والتي طالبت بإخراج "القاعدة" من المدينة، الخطوة الأولى من نوعها، وتدشيناً لمرحلة المواجهة السلمية بين المجتمع الحضرمي والتنظيم، وخصوصاً أنّ الخوف من بطش الأخير، كان المسيطر على جميع الأطراف في المحافظة خلال الأشهر الماضية.

في المقابل، أدرك التنظيم خطورة ما تشكّله التظاهرة من ضغط مجتمعي، ومنعاً لتوسع رقعة المشاركة خلال الفترة المقبلة، شنّ عناصر "القاعدة" حملة اعتقالات طاولت صحافيين وناشطين سياسيين، وذلك بعد ساعات فقط من انتهاء التظاهرة.

ويرى مراقبون أنّه في ظلّ افتقاد التنظيم لأي خبرة في التعامل مع الفعاليات السلمية، على عكس لغة الحرب التي يملك الخبرة الكافية في قيادتها، وفي مقابل التهديد الواضح في البيان الصادر عن التظاهرة بالتصعيد الذي قد يصل إلى الاعتصام، يمكن القول، إنّ "القاعدة" أمام امتحان صعب في الأيام المقبلة.

وجاءت التظاهرة بعد أيام من بيان شديد اللهجة هو الأوّل من نوعه لمحافظ حضرموت، عادل محمد باحميد، طالب فيه التحالف العربي ورئاسة الجمهورية بالتدخل لإنقاذ المحافظة، وهو الطلب الأوّل الرسمي في هذا الإطار. وكان محللون سياسيون قد حذروا، سابقاً، من أن يتحول تنظيم "القاعدة" إلى معضلة جديدة جنوب البلاد، بعد تحرير المحافظات من الحوثيين وقوات الرئيس السابق، علي عبدالله صالح.

ويلفت سياسيون إلى أنّ هذه التظاهرة، تعبّر عن السخط الكبير لدى المواطنين نتيجة لعدم وفاء التنظيم بوعوده، موضحين أنّ جميع المعطيات السياسية والعسكرية والمجتمعية، لا تصبّ في مصلحة الأخير، وخصوصاً بعد زوال خطر الحوثيين الذي كان يتذرّع به "القاعدة" ويتخذه سبباً لبقائه في المكلا.

وتزامنت التظاهرة مع قرارات رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي بتعيينات مدنيّة في وادي حضرموت، الذي عانى شللاً في الجهاز الحكومي طيلة ستة أشهر بعد مغادرة الوكيل سالم المنهالي إلى السعودية. وعلى الرغم من أن وادي حضرموت لا يزال تحت سيطرة السلطات الشرعية، لكن القرارات تبدو أنها تأتي لترتيب البيت الحضرمي، واستعداداً لخوض معركة شاملة مع تنظيم "القاعدة" في مناطق الساحل، وعدم ترك ثغرة في وادي حضرموت الشاسع لتحرك التنظيم الذي قد يخلط الأوراق.

وفي ما يخصّ القرارات العسكرية، يعتبر محلّلون أنّها تحمل لغة المراضاة لأبرز القبائل الحضرمية في الوادي، وهم؛ الكثيري، التميمي، النهدي، ويافع، وذلك بهدف ضمان تأييد قبلي يسند السلطات المحلية.

قضت القرارات بتعيين عصام حبريش بن عمر الكثيري وكيلاً لمحافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء. وبحسب مصدر مقرب من الكثيري، فإن الرجل يتمتع بحزم وكفاءة إدارية. كما قضت القرارات بتعيين كل من هشام السعيدي، عبدالهادي التميمي، سالم بن شرمان، وكلاء مساعدين لمحافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء.

في غضون ذلك، بدأت المنطقة العسكرية الثانية، قبل أسابيع، بتدشين عمل قوات حماية الشركات التي تم تدريبها بإشراف التحالف العربي. وتأتي الخطوة لحماية الشركات النفطية من النهب وقطعاً للطريق أمام "القاعدة" للتسلل إلى مناطق الشركات واستغلال ورقة النفط في أي مواجهة مع الحكومة اليمنية.

ومنذ أشهر، قامت المنطقة العسكرية الأولى التي تنتشر قواتها في وادي حضرموت والمهرة بتشديد إجراءاتها في الوادي، ما قلّل من نسبة عمليات "القاعدة" الذي يستهدف الجيش والأمن. ونظراً لحساسية المجتمع في حضرموت، فإن الحكومة تبدو أنّها تسعى لبناء تشكيلات حضرمية لخوض المواجهة مع أي جماعات مسلحة لتكون في مواجهة أبناء المحافظة.

ونشبت أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، خلافات حادة بين "القاعدة" والمجلس الأهلي الذي يدير الشؤون الخدماتية في المحافظة، نتيجة عدم وفاء التنظيم بوعوده بتسليم بقية المرافق الحكومية التي وعد بتسليمها للمجلس، وتبادل الطرفان اتهامات عدم الالتزام بالمعاهدات الموقعة بينهما.

وإنْ كان البعض يتهم المجلس بأنّه الوجه السياسي لـ"القاعدة"، إلّا أن الوقائع تشير إلى أن علاقة الطرفين في طريقها للتفكك، في انتظار بيان للمجلس خلال اليومين المقبلين، الذي وعد فيه بمكاشفة سكان المكلا بمسيرته الممتدة لستة أشهر وتقييم تنفيذ التنظيم لوعوده في شتى المجالات.

وتتقاطع جملة الأحداث الأخيرة لتشكّل مقدمات لمعركة مؤجلة في حضرموت بين "القاعدة" والسلطات الشرعية. كما تبيّن الأحداث المتسارعة، أنّ هناك تبدلاً في أوليات الحكومة، التي قال رئيسها خالد محفوظ بحاح في تصريحات صحافية قبل أشهر، إنّ مواجهة "القاعدة" ليست أولوية بالنسبة لها، معززاً تصريحات المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي، أحمد عسيري، التي تصب في الإطار ذاته. ويبدو أنّ الحكومة اليمنية لن تخوض المعركة إلّا عندما يبلغ الرفض الشعبي درجة متقدمة، ليشكّل أرضية صلبة لخوض المواجهة، وهو ما بدأ بالفعل.

ميدانياً، يبدو التنظيم محاصراً في المكلا من ثلاث جهات؛ الأولى من جهة الهضبة الجنوبية حيث قوات المنطقة العسكرية الثانية وبعض مقاتلي القبائل، والثانية من قبل القوات الشرعية من جهة شبوة، والثالثة من قبل قوات المنطقة العسكرية الأولى من منطقة الوادي.

ويتساءل المواطنون عما إذا كان التنظيم سينسحب من المكلا بطريقة سلمية في حال قرّرت السلطات الشرعية خوض المعركة، أم أنّه سيجلب إليها الدمار كتجربة محافظة أبين في عام 2012 .

في هذا السياق، ألمح القيادي في التنظيم، خالد باطرفي، الحاكم الفعلي للمدينة، في مقابلة مع صحيفة "المكلا اليوم" الالكترونية، إلى وجود توجه لخوض المواجهة في حال قرّرت الحكومة مواجهتهم عسكرياً. وقال باطرفي، "إذا كان المقصود بالانسحاب، أن نسلّم إدارة البلاد لنخبة من العلماء والوجهاء فهذا ما نحن بصدده ومشينا به خطوات متقدمة. أمّا إذا كان المقصود، هو طرد المجاهدين ونفيهم خدمة لرغبة أميركا، وحرباً لهدفهم في تحكيم الشريعة، فلن نقبل به وسندافع عن أنفسنا أينما كنا، وهذا حق مكفول".

في المقابل يعتبر سياسيون أنّ التنظيم وعناصره الموجودين في المكلا، لا يملكون القوة ولا الإرادة للدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة وقوات التحالف، كون "القاعدة" يعيش أضعف مراحله، وهو في غنى عن الدخول في مواجهات جديدة، مرجحين أن تنتهي أي معركة مع "القاعدة" سريعاً، نظراً لفارق العدة والعتاد وتصاعد الرفض الشعبي ضدهم.

زر الذهاب إلى الأعلى