لم يُسقط قبول السلطات الشرعية في اليمن بالجلوس على طاولة مفاوضات مع الحوثيين والرئيس السابق، علي عبدالله صالح، خيارها العسكري لإسقاط الانقلاب في البلاد، خصوصاً في ظل التجارب السابقة، التي أثبتت عدم التزام الحوثيين وحلفائهم بتعهداتهم، وهو ما دفع الحكومة اليمنية والأطراف الداعمة لها للمطالبة بإجراءات حسن نية قبل المفاوضات من الانقلابيين.
هذا الأمر كان واضحاً في كلام للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أمس الثلاثاء، الذي قال "لا نريد إلا وقف نزيف الدم الذي يعاني منه شعبنا جراء الممارسات العدوانية التي تقوم بها المليشيات تجاه الأبرياء والعزل، على الرغم من تجارب الشعب اليمني المريرة معهم في عدم الوفاء بالوعود".
هادي، وخلال لقاء الهيئة الاستشارية لمؤتمر حوار الرياض، الذي عُقد في مايو/أيار الماضي، لفت إلى أن الرسالة التي تسلّمها من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تؤكد قبول "الانقلابيين والتزامهم بالقرار 2216". وأكد وحدة الصف لتجاوز تحديات المرحلة الراهنة والوصول إلى طريق الأمن والسلام، مشيراً إلى أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة والمحيط الإقليمي.
وقبيل المحادثات الجديدة، سيعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة بشأن اليمن، وسيُقدّم خلالها المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تقريراً عن مشاوراته في اليمن وتحضيراته لعقد جولة المحادثات الجديدة بين الأطراف اليمنية، فضلاً عن لقاء سيجمع ولد الشيخ أحمد في مقر البعثة القطرية في الأمم المتحدة، مع سفراء دول الخليج لمناقشة الأمر، وسيحدد المبعوث بعدها الموعد النهائي للمحادثات المقبلة، بعد أن يتفق مع الحكومة اليمنية عليه.
وفي مؤشر واضح على استمرار الرهان على أهمية الحل العسكري، بدأت أمس عمليات عسكرية في محافظة الجوف شرق اليمن، لتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيات، لا سيما مركز المحافظة، بعد تعزيزات عسكرية دفعت بها قوات الشرعية والتحالف إلى الجوف، وتشارك فيها قيادات قبلية بارزة. يأتي هذا فيما يقترب انطلاق عملية تحرير تعز، وفق مصادر عسكرية، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه مقدّمات عملية أمنية في المناطق المحررة، ومنها عدن، لإعادة ضبط الأمن.
عملية تحرير الجوف تُعتبر أكبر ضربة قد يتلقاها الحوثيون والرئيس السابق، فالجوف تُعدّ البوابة الشرقية لثلاث محافظات، وهي صعدة وعمران وصنعاء. هذه المحافظات تُعتبر الحاضنة الشعبية الرئيسية للمليشيات، إلى جانب ذمار. وهو ما يؤشر إلى أن الخيار العسكري استراتيجي بالنسبة لتحالف الشرعية، لإسقاط الانقلاب، لا سيما أن مصادر حكومية تُشكّك في حديث لـ"العربي الجديد"، في نوايا الحوثيين وصالح، وحقيقة التزامهم بتنفيذ القرار 2216، لا سيما أن أكثر من ثلاثمائة اتفاقية ومعاهدة، سواء كانت محلية أو خارجية، لم يلتزم بها الحوثيون، منذ ظهورهم إلى الواجهة.
لذلك ترى المصادر أن قبول المفاوضات وتطبيق القرار 2216 هي مجرد مناورة من الحوثيين وصالح، لأن استسلامهم قد يفقدهم حتى القدرة على رفع العقوبات عن قادتهم، لذلك ترفع الحكومة من حدة طلبها في إجراءات حسن النوايا، من قِبل طرف الانقلاب قبيل بدء المحادثات الجديدة.
وفي حال استسلم الانقلابيون والتزموا بتنفيذ القرار 2216، إلا أن عملية تسليم الأسلحة تحتاج لعملية عسكرية أيضاً، لا سيما أن الحكومة تتخوّف من أن تحاول المليشيات تخزين الأسلحة لتستفيد منها في الفترة المقبلة، وهي التي خزّنت أصلاً أسلحة كبيرة تحت الأرض وفي جبال صعدة.
لذلك وفق مصادر وخبراء عسكريين، فإن أية عملية استسلام من قِبل طرف الانقلاب، لا بد أن تتبعها عملية تمشيط عسكرية لسحب كل الأسلحة، والبحث عن مخازنها، خصوصاً بعد اتهامات الحكومة للمليشيات بقيامها خلال السنوات الخمس الماضية، بإنشاء مصانع للأسلحة في صعدة، فضلاً عن احتمال وجود صواريخ ومخازن كبيرة عند حدود اليمن مع السعودية، وهي مخاوف تبرز عند السعوديين، من استخدام المليشيات لهذه الصواريخ قبل أن يضع الجيش الموالي للشرعية قبضته عليها.
ومع ذلك فإن المحادثات المقبلة تُعدّ بمثابة الفرصة الأخيرة، لا سيما في ظل مساعي الحسم العسكري من قِبل قوات الشرعية والتحالف، وبالتالي فإن نجاح هذه المحادثات سيكون فرصة لخروج الحوثيين وصالح بأقل الخسائر، فيما فشلها سيطيل أمد الحرب، وقد يؤدي إلى خسارة الحوثيين وصالح مستقبلهم السياسي، في ظل تشدد الشرعية في موقفها باستخدام الخيار العسكري، كخيار لإسقاط الانقلاب وتنفيذ القرار 2216. كما أن الشرعية التي تتشبث بالتنفيذ الحرفي لهذا القرار، ترمي اللعبة بيد المليشيات سواء نجحت المحادثات أو فشلت، وتقول إن ذلك مرتبط بمدى تجاوب طرف الانقلاب مع القرار.