تتو إلى تداعيات سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء مع دخول الأجهزة الأمنية في العديد من الدول في حالة استنفار لتأمين سلامة رعاياها الموجودين في مصر من جهة، وتعزيز إجراءات أمن مطاراتها من جهة ثانية، ولا سيما في ظل تزايد الترجيحات بسقوط الطائرة جراء تفجير تعرضت له في الجو، مع كشف مصدر لوكالة "فرانس برس" أن بيانات أحد الصندوقين الأسودين تؤكد سقوط الطائرة "بشكل مفاجئ وقوي".
وهو ما يزيد الضغط على النظام المصري، الذي تلقى ضربة قاسية من حليفته روسيا التي قررت، أمس الجمعة، تعليق الرحلات الجوية إلى مصر، في الوقت الذي واصلت فيه مجموعة من الدول الطلب من رعاياها عدم السفر إلى مصر وآخرهم إيرلندا.
ووافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الجمعة، على توصيات جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بتعليق الرحلات الجوية إلى مصر لحين التحقق من أسباب تحطم الطائرة الروسية في سيناء السبت الماضي. وأوصى رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف، بذلك خلال اجتماع اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب.
وقال دميتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، إن بوتين كلّف الحكومة بوضع آليات لتطبيق توصيات اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب وضمان عودة مواطني روسيا إلى وطنهم، مشيراً أيضاً إلى أن "الرئيس كلّف أيضاً بتنسيق التعاون مع الطرف المصري من أجل ضمان أمان حركة الطيران". وشدد على أن قرار تعليق الرحلات الجوية لا يعني أن تحطم الطائرة الروسية ناجم عن هجوم إرهابي، لافتاً إلى أن "الرحلات ستتوقف لحين الوصول إلى مستوى السلامة المطلوب مع القاهرة".
وأشار بيسكوف إلى أن حظر الطيران سيشمل كل المدن المصرية، بما فيها القاهرة، وليس المنتجعات السياحية فقط. مع العلم أن شركتي "أيروفلوت" و"مصر للطيران" تنفذان بضع رحلات منتظمة إلى مطار القاهرة أسبوعياً.
كما كشفت وكالة السياحة الروسية عن تشكيل غرفة عمليات لترتيب عودة السياح الروس من مصر، مشيرة إلى أن حو إلى 45 ألف سائح روسي يقضون إجازاتهم في المنتجعات المصرية حالياً.
وإضافة إلى روسيا، أعلنت الخطوط الجوية التركية إلغاء رحلات إلى شرم الشيخ ليلتي أمس الجمعة واليوم السبت بسبب "مخاوف أمنية"، فيما تتزايد الدول التي تمنع رعاياها من السفر إلى مصر، وكان أبرزها أمس إسبانيا، التي نصحت حكومتها المواطنين الإسبان بعدم السفر إلى مصر. واعتبرت الخارجية الإسبانية في بيان، أن السفر إلى مصر يعتبر "رحلة خطرة للغاية"، ونصحت بالسفر فقط "للضرورة".
كما نصح وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز، البلجيكيين بعدم السفر إلى شرم الشيخ. من جهتها، ذكرت شركة الطيران البلجيكية "جيت اير"، أنها سترسل ثلاث طائرات إلى شرم الشيخ لإجلاء السياح العالقين هناك، لكنها حظرت على الركاب اصطحاب حقائبهم معهم.
وفي إشارة إلى المخاوف التي بدأت ترتسم من سلامة الطيران في مصر، بدأت شركات الطيران بتشديد إجراءاتها لرحلاتها المنطلقة من مصر، وأبرزها شركة "كي إل إم" الهولندية. ومنعت الشركة الهولندية نقل الأمتعة على رحلتها التي توجّهت أمس الجمعة من القاهرة إلى أمستردام، معلنة أنه "استناداً إلى معلومات وطنية ودولية ومن باب الاحتياط فإن "كي إل إم" لن تسمح بنقل الحقائب في مقصورة الأمتعة".
كذلك يقوم وفدٌ من المنظمة الدولية للطيران المدني "الإيكاو" يوم غد الأحد، بتفقد صالات وأروقة ومباني وأرض المهبط وقرية البضائع في مطار القاهرة، لمتابعة إجراءات التأمين الخاصة بالركاب منذ دخولهم صالات السفر وحتى صعودهم إلى الطائرات، ومتابعة إجراءات شحن الطرود منذ دخولها قرية البضائع وحتى شحنها على الطائرات، ومراجعة الإجراءات الأمنية وأجهزة الأشعة والمعدات التي تستخدم في عمليات التأمين.
وتأتي زيارة الوفد بعدما جرى التأكد من أن عدداً من المطارات غير مؤمنة على أكمل وجه، خصوصاً المطارات الموجودة في شبه جزيرة سيناء التي من بينها مطار شرم الشيخ، على الرغم من كونه مطاراً دولياً إلا أن الإمكانات فيه ضعيفة جداً.
وشهدت المطارات المصرية على مدى السنوات الماضية عدداً من الخروقات الأمنية ومظاهر الإهمال التي وصلت ببعض المطارات إلى مستوى اشتكى منه ركاب ومسافرون من مختلف دول العالم. فقد تقدّم وفد ألماني بشكوى للأجهزة الأمنية المصرية من الإهمال الحادث في مطار شرم الشيخ، وأن المطار لا يرقى للمستوى السياحي العالمي، وشكا الركاب من سهولة التنقل داخل المطار لغير الركاب الذين يحملون جوازات سفر.
ونقلت صحيفة "ذي صن" البريطانية عن سائحين بريطانيين عائدين من مطار شرم الشيخ المصري، أن إجراءات الأمن والسلامة في المطار غير سليمة. وقال سياح للصحيفة، إن الموظفين الأمنيين كانوا يغطون في النوم أثناء ساعات العمل الرسمية.
وشهد عدد من المطارات المصرية وفق محاضر رسمية، شكاوى متعددة من سياح عرب وأجانب من سوء المعاملة والإهمال الجسيم في المطارات، وسجلت إحدى الوقائع تمكن أحد الضباط العاملين في أحد المطارات المصرية المعروفة من تمرير عدد من المسافرين المصريين إلى دول الخليج من دون الحصول على تأشيرات سفر مسبقة. واشتكى السياح من أن إجراءات الأمن غير دقيقة "وهناك إهمال كبير ويتم تهريب ما تشاء من خلال المطار لعدم استخدام الأمن الأشعة السينية".
وفي السياق، يقول الخبير العسكري اللواء محمود منير، إن هناك حالة من الانفلات في عدد من المطارات المصرية، مؤكداً أن الحكومة تصبّ كل اهتمامها فقط على مطار القاهرة على حساب باقي المطارات الأخرى، وهو ما أدى إلى كارثة الطائرة الروسية المنكوبة. ويشير إلى أنه في حال تأكد أن الطائرة الروسية تم إسقاطها عبر زرع قنبلة فيها قبل إقلاعها من مطار شرم الشيخ، فهذا يعني "تطوراً كبيراً في العمليات الإرهابية"، وأن العناصر المسلحة قادرة على اختراق المطارات، وهو ما سوف يؤدي إلى تخوّف كبير من قبل المسافرين على حياتهم. ويوضح منير أن سياسة التعتيم التي تقوم بها السلطات حول حادث الطائرة وما تقوم به من عمليات في سيناء من الممكن أن يؤدي إلى المزيد من الأحداث داخل البلاد خلال الأيام المقبلة.
من جهته، يرى خبير المفرقعات اللواء ممدوح إبراهيم، أن "الإهمال يقف وراء معظم الحوادث التي تقع في المطارات باعتبار أن الأساس في تأمين المطارات يعتمد على تعليمات بالغة الدقة، ولكن هناك خرق للإجراءات الأمنية من قبل أفراد الأمن أنفسهم والاستهانة بهذه الأمور الصغيرة تؤدي إلى كوارث، فوجود وساطة تسمح لك بالدخول والخروج من المطار من دون تفتيش". ويلفت إلى أن "هناك مواد متفجرة يسهل حملها وتفجيرها كمادة "تي إن تي" على سبيل المثال موجودة على شكل مساحيق أو عجينة يمكن لصقها في أي جسم وتفجيرها بواسطة إشارة إلكترونية"، موضحاً أن "أجهزة الاستشعار الموجودة في المطارات يمكنها رصد تلك المواد على بعد 450 متراً، وبالتالي كيف يمكن تمرير أي مواد متفجرة إلى الطائرة الروسية إلا إذا كان هناك إهمال كبير، خصوصاً في ظل وجود أجهزة حديثة للمراقبة والتأمين كما تدّعي الأجهزة المعنية".