arpo28

أصعب 5 أيام في تاريخ المسجد الأقصى

مع كل شهيد، اقتحام أو مُحاولة تقسيم للمسجد الأقصى، تجد بعض المُسلمين يتخيّل من جديد سيناريو هدم الأقصى واقتراب نهاية العالم مع أنه لا دليل على ذلك، والحقيقة أن الأقصى عاش أيامًا صعبة جدًّا قبل أن نولد بحوالي 1000 عام وذلك في المجزرة الصليبية التي وصل فيها “الدم للركب” كما أن الأقصى تم تسليمه للصليبيين في أيام الخلفاء الأيوبيين بعد 40 عامًا من تحريره من قبل صلاح الدين، هذا غير سقوطه في أيدي اليهود قبل حوالي 50 عامًا ورفع العلم الإسرائيلي فوق قبّة الصخرة وقد اُحرق بعدها بعامين، وحاول بعض اليهود تفجيره وقصفه من الجو وارتكبت فيها مجازر عدّة كمجزرة 1990، ولا زال الاقصى يُدنس لدرجة أنه وقبل عام من الآن تم إغلاقه بالكامل أمام المسلمين.

في هذا التقرير ستكتشف شيئًا من الآهات التي عاشها ويعيشها المسجد الأقصى حتى اليوم.

1- المجزرة الصليبية الأولى: 15 يوليو 1099

بعد 400 عام من الفتح العُمري للقدس والذي تم بتسليم النصارى مفاتيح القدس للخليفة عُمر بن الخطاب وضمان الأمان لأهلها فيما عُرف بالعهدة العُمرية. بدأ الاستعداد لأول حملة صليبية على القدس والتي انطلقت من فرنسا بعد خطبة للبابا أوربان قال فيها: “إن فرنسا قد اكتظت بالبشر، وأن أرض كنعان تفيض حليبًا وعسلًا”. وراح يدعو الحضور لحل مشاكل العُنف بين النُبلاء بتحريضهم لتحويل سيوفهم لخدمة الرب قائلًا: “دعوا اللصوص يصبحون فرسانًا”، وهكذا انطلقت الحملة الصليبية الأولى والتي استغرقت حوالي 3 سنوات ونصف، حصلت خلالها مجازر كثيرة ولكنها انتهت بمجزرة بيت المقدس التي لم يُمكن للتاريخ أن ينساها.

قبل حوالي 900 عام تقريبًا، وفي 15 يوليو 1099 تحديدًا، حوصرت القدس شهرًا والعالم الإسلامي صامت، حيث دخل الجيش الصليبي القادم من فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى بيت القدس ليرتكب واحدة من أفظع وأشهر المجازر في التاريخ، والتي أرّخت لظهور مثلٍ جديد على اللسان العربي وهو “الدم للركب” والذي يعود لوصف مؤرخ الحملة الصليبية ريموند ( Raimund von Aguilers) لحالة المسجد الأقصى بعد المجزرة حيث قال: “لقد كان الذبح مهولًا، لدرجة أن الدماء كان تُغطي أرجلنا حتى الرُكب”.

ويقول ابن العبري عن هذه المجزرة في كتابه (مختصر الدول): “لبث الفرنج في البلد أسبوعًا يقتلون فيه المُسلمين، وقُتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفًا”، ويُضيف ابن القلانسي في نفس المضمار: “ولم يكن اليهود أحسن حالًا من المُسلمين؛ إذ جمعوهم في الكنيس وأحرقوه عليهم” ، أما ابن الأثير فقد ذكر أن عدد القتلى بلغ 70.000، ولكن المؤرخ (رنسيمان) أكد أن عدد القتلى غير معروف بالضبط ولكنه يذكر أن القدس قد خلت بعد هذه المذبحة من سُكانها المُسلمين واليهود!

2- تسليم القدس للصليبيين بعد تحرير صلاح الدين: 18 فبرارير 1229

مع أن العالم الإسلامي لم يتحّرك بعد المجزرة الصليبيّة الأولى في المسجد الأقصىى، إلا أن تلك المجزرة كانت فاتحة لمرحلة جديدة، ظهرت فيها قيادات مميزة مثل عماد الدين زنكي وابنه السلطان نور الدين محمود زنكي الذي يُلقّب أحيانًا بالخليفة السادس ولا ننسى السلطان العادل يوسف بن أيوب المعروف بصلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين في حطين ودخل بيت المقدس في يوم 2 أكتوبر 1187، بعد 88 عامًا من الحُكم الصليبي الذي بدأ بمجزرة فظيعة وانتهى بمعاهدة ضمنت للصليبيين الأمن والأمان.

المؤسف، أنه وبعد وفاة صلاح الدين الأيوبي دبّ النزاع والشقاق بين خلفائه لدرجة أنه وبعد حوالي 40 عامًا من فتح القدس قام ابن أخ صلاح الدين الأيوبي بعقدة اتفاقية سلام عجيبة عُرفت باسم معاهدة فريدريك-الكامل بعد أن جاء فريديك ليستعيد القدس في حملة صليبية جديدة، هي الحملة السادسة والتي لم يكن فيها إلا 600 فارس كما تذكر بعض المصادر التاريخية. إلا أن ضعف المُسلمين حينها جعل الملك الكامل يُفاوض فريديك ليتنازل له عن القدس ولكن العادل اشترط أن يبقى المسجد الأقصى في أيدي المُسلمين وفعلًا هذا ما كان.

بعد هكذا حادثة “اشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل وأقيمت المآتم” إلا أن ملوك المُسلمين حينها كانوا في حالة يُرثى لها حيث حصل ما لم يتوقع أبدًا، فقد استطاع الناصر داوود استرجاع القدس عام 1239، إلا أن التقاطب الحاد بين الملوك الأيوبيين وسوء حال المُسلمين أدى بمن استردها (الناصر داوود – ملك الكرك) بالتعاون مع ملك دمشق المعروف بالصالح إسماعيل أن يُعيد القدس للصليبيين مرة أخرى بالإضافة إلى تسليم المسجد الأقصى لهم وهو أشنع مما فعله الكامل الذي اشترط بقاء المسجد في أيدي المسلمين، حيث قاموا على الصخرة المشرفة تحت قبة الصخرة يشربون الخمر ويرتكبون الفواحش والمنكرات، إلا أن شغل الصالح إسماعيل والناصر داوود ضمان مُساعدة الصليبيين لهم ضد أخيهم الملك الصالح نجم الدين أيوب.

استغرق الأمر 4 أعوام حتى استطاع نجم الدين أيوب أن يعيد القدس والأقصى للمسلمين وذلك عام 1244م ليبقى في أيدي المُسلمين أكثر من 650 عامًا، حتى سقوط الخلافة العثمانية واحتلال بريطانيا لفلسطين.

3- سقوط القدس في أيدي اليهود: 7 يونيو 1967

مع أن نكبة فلسطين الكبرى حصلت في أيار 1948 عندما تم الإعلان عن دولة إسرائيل بعد احتلالها لمعظم فلسطين بما فيها القدس الغربية إلا أنها لم تكن قد احتلت شرقي القدس وقد استغرقت الأمر حوالي 20 عامًا وذلك في حرب الأيام الستة عام 1967 حتى تم احتلال شرقي القدس مع احتلال مناطق شاسعة أخرى من الدول العربية المُجاورة التي كانت تستعد لقذف اليهود في البحر.

كانت الجيوش العربية في تلك الأيام هشّة جدًا لدرجة أن مصر خسرت سيناء فيما خسرت سوريا الجولان أما الأردن فقد خسرت الضفة الغربية والقدس ومعه سقط المسجد الأقصى في أيدي اليهود بعد حوالي 700 عام من الحُكم الإسلامي وذلك منذ أن حرره الملك الصالح نجم الدين أيوب من الصليبيين، ولا زال العالم الإسلامي يُحيي يوم الخامس من حزيران من كُل عام ويطلق عليه اسم يوم النكسة.

المُدهش أن اليهود لم يحلموا يومًا بأن احتلال القدس سيكون بتلك السهولة وهو ما يؤكده الشيخ عكرمة صبري إذ يقول: “القدس لم تكن مهيأة للحرب، اليهود كانت تقول عبر الإعلام إن العرب سيرموننا بالبحر، فكسبت بذلك عطف العالم أما العرب فكانوا مغترين بقوتهم مستخفين بقوة اليهود”. ويُقال أن اليهود احتفلوا بذلك اليوم وغنّوا عند حائط البراق: “محمد مات خلّف بنات”.

بعد كُل هذه الانتصارات للجيش الإسرائيلي رُفع العلم الإسرائيلي فوق قبّة الصخرة وكان لهذه الواقعة وقع عظيم على أهل القدس، فهم لم يصدقوا في بداية الأمر عند رؤيتهم للجيش يدخل الأقصى بأنهم من اليهود وظنوهم من الجيش العراقي ولكن ما إن تبينوا حتى وقعت الاشتباكات ورفع العلم الإسرائيلي وكان لذلك وقع عظيمٌ على الناس لدرجة أن الرجال بكوا وبعضهم اعتزل في منازله.

العجيب أن ذلك لم يستمر إلا لفترة قصيرة فما إن توجه خطيب المسجد الأقصى حينها للقنصل التركي بشكوى حول الأمر حتى أُمِر بإنزال العلم ثم طلب موشيه ديّان وفد من الوقف الإسلامي وأقرّ لهم استمرارية استقلالية الوقف الإسلامي في القدس ولا شيء يُبرر هذا إلا ارتباك الجيش الإسرائيلي بعد أن احتل القدس والأقصى بكل سهولة.

4- مذبحة الأقصى الأولى: 8 أكتوبر 1990

بعد عامين من احتلال القدس والمسجد الأقصى فقط، تم إحراق المصلى القبلي في المسجد الأقصى في 21 آب 1969 وكان ذلك من أصعب أيام المسجد الأقصى ومن القصص التي تناقلتها المصادر العربية أنه في أحد الأيام سُئلت جولدا مائير – التي كانت تشغل منصب رئيس الوزراء في إسرائيل حينها – عن أسوأ وأجمل الأيام التي عاشتها فقالت: إنه يوم حرق المسجد الأقصى، فسألوها كيف ذلك؟ فأجابت: لقد تخيّلت أن الشعوب العربية ستحرك الجيوش نحو إسرائيل فشعرت بخوف شديد، ولمّا توّجه العرب إلى مجلس الأمن، شعرت بفرح شديد.

وهكذا استمرّت الاعتداءات على المسجد الأقصى ففي عام 1982 قامت مجموعة “هشمونائيم” بمحاولة تفجير قبة الصخرة ولكن المحاولة فشلت عندما تم اكتشاف الشحنات الناسفة قبل انفجارها. بعدها بعامين، في عام 1984 تم اكتشاف خلية سريّة في سلاح الجو الإسرائيلي في أثناء الإعداد لمحاولة قصف المسجد الأقصى من الجو لإزالته تمامًا من الوجود.

إلا أن الفاجعة الكُبرى كانت في أكتوبر من عام 1990، عندما حاولت مجموعة صهيونية اقتحام المسجد الأقصى لوضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث، فتوجهت حشود المُسلمين لتمنعهم من المساس بالمسجد الأقصى فما كان من الجيش الإسرائيلي إلا أن بدأ بإطلاق النيران بعشوائية على المُرابطين في المسجد.

استمر إطلاق النيران والقنابل المسيّلة للدموع لمدة 35 دقيقة مما أدى إلى استشهاد 21 فلسطينيًّا، وإصابة 150 آخرين بدرجات متفاوتة وقد قام الجيش باعتقال حوالي 280 شخص بعد المجزرة التي صارت تعرف بمذبحة الأقصى الأولى.

5- إغلاق الأقصى بالكامل: 30 أكتوبر 2014

لم يسلم الأقصى من أطماع اليهود فيه، ففي عام 1996 اندلعت هبّة النفق بعد محاولة اليهود حفر أنفاق في محيط المسجد الأقصى واستمرت 3 أيام، راح ضحيّتها 63 فلسطينيًّا.

في عام 2000 اقتحم أرئيل شارون المسجد الأقصى، الأمر الذي فجّر الانتفاضة الثانية والتي راح ضحيتها أكثر من 4000 فلسطيني فيما وصل عدد الجرحى حوالي 50 ألفًا وقد وصل عدد قتلى الجيش الإسرائيلي 334 جنديًّا وفيما قتل 735 من المستوطنين.

في عام 2014، تحديدًا في 30 أكتوبر قامت إسرائيل بإغلاق المسجد الأقصى بالكامل وذلك بعد محاولة اغتيال أكبر المحرضين لاقتحام المسجد الأقصى وهو يهودا غليك. في ذلك اليوم لم يُصلّ في المسجد الأقصى إلا مدير المسجد و7 حراس فقط!

خلاصة

تاريخ المسجد الأقصى لا يحصى في 5 أيام ولا في تقرير، ولكن التأمل في تاريخ المسجد يكشف لنا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن أول احتلال له، فالاحتلال الصليبي سبقه بأعوام طويلة حيث حكم الصليبيون القدس 88 عامًا قبل أن يحررها صلاح الدين الأيوبي وحتى حينها لم تنتهِ الأطماع فقد قام ملك دمشق وملك الكرك بتسليمه للصليبيين مقابل أن يُساعدوهم في الحرب على ملك مصر (نجم الدين أيوب) بعد أن عمّ اليأس أرجاء العالم الإسلامي، إلا أن نجم الدين أيوب حرره ثم انتعش المسجد الأقصى والقدس خلال الفترة المملوكية والعثمانية وكانت تلك أيامه الذهبية، مع أن أحدًا لم يتخيّل حدوث ذلك قط، فكيف لنا أن نفقد الأمل بعد هكذا تاريخ؟

زر الذهاب إلى الأعلى