[esi views ttl="1"]
arpo28تقارير ووثائق

صعدة تنتظر "الخلاص الأخير"

كمدينة تتنازعها أطياف متداخلة من المطامح والمخاوف تبدو صعدة وبعد مرور ما يقدر بعام ونصف منذ انتهاء الحرب السادسة بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين واستئناف مساعي الوساطة القطرية، مجدداً وكأنها بانتظار الخلاص الأخير .

رصاصة الرحمة تحولت لدى الكثيرين من بسطاء ومزارعي صعدة إلى هاجس في هيئة حرب سابعة اندلاع شرارتها كفيل بدفع العديد منهم إلى شد الرحال كهجرة اضطرارية إلى حيث لا حوثيون يتمترسون في سفوح الجبال وتقاطعات الطرق بين القرى المتداخلة والفقيرة والنائية وجيش نظامي كلفة حربه لا تخلو من ضحايا محايدين أخطأتهم قذائف العسكر فدفعوا بقايا حياة بائسة بنيران صديقة .

"الخليج" تقصت ميدانياً طبيعة المشهد الأمني والاجتماعي القائم في صعدة، والذي لا يخلو من مفارقات فنتازية لافتة يمكن التعاطي معها كجزء من تعقيدات التركيبة الاجتماعية والقبلية التي عرف بها مجتمع صعدة الذي تتفاعل فيه حالياً تطورات مثيرة للانتباه والتوجس في آن معاً من قبيل تراجع عنف الحوثيين في مقابل تصاعد هجمات تنظيم القاعدة .

صعدة كمدينة استثنائية

بالتزامن مع وصول وفد الوساطة القطرية إلى صعدة مجدداً واستئناف مهام الإشراف على تنفيذ بنود اتفاق الدوحة الأخير للتطبيع النهائي للأوضاع الأمنية والإنسانية في صعدة كانت فرق عسكرية ترافقها مجاميع قبلية مسلحة تدشن عملية تمشيط واسعة النطاق في عدد من القرى المتاخمة لمديرية سحار في محاولة لتقصي أثر ثماني شاحنات محملة بالمؤن والأدوية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي اختفت فجأة من عرض الطريق الترابي الوعر .

قبيل غروب الشمس عاود العسكر الرجوع إلى ثكناتهم بعد نهار مضنٍ خلص إلى تسجيل أول سابقة اختطاف تتعرض له قافلة إغاثة إنسانية دولية في مفارقة تختزل مفردات المشهد الأمني المتضارب السائد في صعدة حيث تتحرك مسارات التطبيع ببطء وعلى استحياء، إلى جانب أطياف متداخلة من العنف المتصاعد الذي لم يفقد صعدة قدرتها التاريخية على صياغة مفردات تعايشها اللافت مع مفارقات السلام والحرب كمدينة ارتبط اسمها لعقود طويلة بالسلام وذاع صيتها بصناعة السيوف والخناجر وأدوات الحرب .

باستثناء الوصول إلى ثلاث مناطق من أصل 15 مديرية هي "المدينة القديمة" بمركز صعدة إضافة إلى مديريتي سحار والملاحيظ تمثل الخريطة الديموغرافية لصعدة تعثرت فرق ومعدات إعادة الإعمار في التقدم باتجاه معظم المناطق المتضررة جراء الحروب الست المتلاحقة لاعتبارات لخصها المدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار صعدة لـ"الخليج" المهندس محمد ثابت إسماعيل بالقول إن "ثمة صعوبات وتعقيدات لاتزال تحول من دون وصول فرق ومعدات إعادة الإعمار إلى العديد من المناطق المتضررة بصعدة، بطء عمليات تطهير هذه المناطق من الألغام الأرضية التي خلفتها الحرب الأخيرة وتقطع الطرق إلى جانب عدم استقرار الوضع الأمني بشكل عام، كلها أسباب تقف وراء عرقلة تقدم عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة بصعدة .

إلى ما قبل اندلاع شرارة الصراع بين الحكومة اليمنية والحوثيين في العام ،2004 كانت المدينة القديمة بصعدة التي تعد أحد أهم وأقدم المدن الأثرية اليمنية ويعود تاريخها إلى خمسة آلاف سنة تستقبل ما يزيد عن سبعة آلاف سائح أجنبي شهرياً والذين يفدون إليها لاستطلاع شواهدها ومعالمها التاريخية والتجول في أحيائها القديمة كالتوت وشيبان ومسطلة والمسموط وحارة القصر التي تتسم طرقاتها ومبانيها بطابعها المعماري القديم والمميز، ويتوزع في أرجائها 27 مسجدا أثريا من أشهرها مسجد "الهادي" الذي شيده الهادي بن حسين بن القاسم بن إسماعيل بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .

ذات الأحياء تحولت خلال أشهر الحرب الأخيرة بين الجيش والحوثيين إلى ساحات لمعارك أشبه بحرب عصابات ألحقت الكثير من الأضرار الجسيمة بالبنية التاريخية للمدينة القديمة، وهو ما مثل لاحقاً أحد أبرز التعقيدات التي لاتزال تواجه جهود إعادة الإعمار .

يقول المهندس هزاع ناصر أحمد الشرعبي، أحد المشرفين على عملية إعادة إعمار وترميم الأحياء المتضررة جراء الحرب السادسة في مدينة صعدة القديمة إن: "المدينة القديمة بصعدة ليست كأي منطقة أخرى متضررة يمكن إعادة إعمار وترميم الأماكن المتضررة فيها بالطرق التقليدية عمرها أكثر من خمسة آلاف سنة وتكتنز الكثير من المعالم والشواهد التاريخية والحضارية، لذا فإن التعامل معها كمدينة متضررة جراء حرب ضارية يستدعي بالضرورة مراعاة طابعها المعماري وعدم إحداث تشوهات خلال عملية إعادة الإعمار أو الترميم، وهو ما يضطرنا للعمل ببطء وحرص إضافي على توفير مواد البناء والترميم المناسبة مع الطابع المعماري السائد في المدينة"، ويضيف: "في اعتقادي تاريخ هذه المدينة كان أول ضحايا الحرب الأخيرة بين الجيش والحوثيين" .

استقرار ومعادلة سلام مستعصية

لا حرب سابعة على الأبواب هكذا يمكن قراءة مفردات المشهد الأمني القائم في صعده فاستئناف مساعي الوساطة القطرية مؤخراً ووصول تعزيزات إضافية من قوات الأمن المركزي لضبط الأوضاع الأمنية في العديد من المديريات إلى جانب التزام الحوثي وأتباعه بحالة لافتة من الانضباط في احتواء تداعيات أي نزاع أو تصعيد أمني طارئ كجزء من تدابير الوقاية من نيران تنظيم القاعدة المحتملة إلى جانب انضواء الحوثيين مؤخراً تحت مظلة حوار خلص إلى نوع من التوافق في الرؤى مع أحزاب المعارضة الرئيسة في البلاد المنضوية في إطار ما يسمي تكتل أحزاب اللقاء المشترك حيال أهمية تثبيت الاستقرار في صعدة، كل ذلك أسهم في تقليص احتمالات انفجار أتون حرب سابعة على الأقل على المدى المنظور وفرض أجواء معقولة من الهدوء النسبي، إلا أنه وبالرغم من هذه المعطيات الواقعية المثيرة للتفاؤل لا يزال إحلال السلام التام في كافة مديريات صعدة وتجاوز يوميات العنف الدامية أشبه بمعادلة مستعصية لاعتبارات متعددة .

ويشير نائب رئيس الوزراء اليمني للشؤون الاقتصادية الدكتور عبدالكريم الأرحبي الذي اضطلع برئاسة اللجنة الوزارية العليا المكلفة بالإشراف على جهود إعادة إعمار صعدة إلى مجمل الصعوبات التي تواجه إحلال السلام الكامل بصعدة بالقول: "تنفيذ النقاط التي تم الاتفاق عليها وتضمنتها بنود اتفاق الدوحة الأخير الهادف إلى تطبيع الأوضاع بشكل كامل في صعدة لايزال بطيئاً للغاية، هناك استقرار نسبي وهامش معقول من حوادث العنف، ونأمل أن تتمكن الوساطة القطرية من التوصل إلى حل مقبول ومرضٍ لكافة الأطراف بحيث تتمكن الدولة من بسط سلطتها من دون الاضطرار إلى استخدام السلاح مجدداً وتقديم الخدمات للسكان المتضررين من الحرب" .

القاعدة في صعدة

لم يكن الظهور المباغت لتنظيم القاعدة كطرف جديد في صراع طارئ مع جماعة الحوثيين خبراً ساراً حتى عند أولئك الذين سلبهم الحوثي وأتباعه سكينتهم واستقرارهم وحياة العديد من أحبائهم وأقاربهم، سواء من المزارعين البسطاء أو رجالات القبائل الموالية للحكومة، فعلى الرغم من أن الصراع لايزال في حده الأدنى وينحصر في شكل هجمات مباغتة تشنها القاعدة ضد تجمعات لأتباع الحوثي يقابلها استحداث الحوثيين للمزيد من القطاعات المسلحة وتشديد إجراءات الحراسة على مناطق تمركزهم الرئيسة بصعدة والجوف، إلا أن ثمة مخاوف متصاعدة رافقت دخول تنظيم القاعدة إلى صعدة عبر عنها العديد من "الصعديين" الذين التقتهم "الخليج"، سواء في المدينة القديمة أو على تخوم مديرية سحار حيث كان ثمة توافق في الرؤى حيال التعبير عما يمكن وصفه ب"الهاجس المشترك" إزاء التطور الطارئ المتمثل في دخول تنظيم "القاعدة" إلى صعدة لمواجهة الحوثيين، والذي قوبل بحالة من القلق العام في أن يتسبب هذا التطور في جلب المزيد من الأزمات والنكبات لصعدة من قبيل توسيع دائرة الحرب المحتدمة بين قوات مكافحة الإرهاب اليمنية المعززة بدعم أمريكي لتشمل إلى جانب مأرب وشبوة وأبين، صعدة وتحول الأخيرة إلى ساحة إضافية لحرب متعددة الأطراف تقضي على البقية المتبقية من قدرة المدينة وسكانها على الصمود ولعق جراحهم . ويعتبر مصلح أحمد ناصر العزان، وهو أحد سكان المدينة القديمة بصعدة أن الحرب الذي يشنها تنظيم القاعدة ضد جماعة الحوثيين لن تضعف الجماعة بقدر ما ستقوي من نفوذهم بين القبائل وبخاصة تلك التي وقفت على الحياد خلال الحروب الست، مشيراً بالقول إلى أن "الكثير من القبائل في صعدة متشيعة لآل البيت وليس لأي توجه عقائدي محدد، ويمكن لو تمادى تنظيم القاعدة في مهاجمة الحوثيين أن يستغل الحوثي وأتباعه هذا العدوان ويحرضوا العديد من القبايل لمساندتهم ومناصرتهم ولو حدث هذا فستكون فتنة على أساس مذهبي ونتائجها أسوأ بكثير من نتائج الحروب الست الماضية بين الجيش والحوثيين" .

مدينة تبحث عن دولة

يحمل محمد مرغم أحمد بن ناجع من جهته الحكومة اليمنية مسؤولية ما وصفه بالانفلات الأمني المتزايد في صعدة والذي شجع تنظيم القاعدة على الدخول إلى صعدة وشن هجمات ضد الحوثيين وحفز جماعة الحوثيين على إقامة الحواجز والتقاطعات المسلحة في الطرق واعتقال الناس بدعوى الاشتباه في تعاونهم مع القاعدة، معبراً عن وجهة نظره حيال ما يحدث في صعدة بالقول: "أين الدولة من كل ما يجري؟ صعدة تحولت إلى ساحة مفتوحة لكل الخارجين عن القانون والقتلة وتجار السلاح والمهربين، لا يوجد من يحمي الناس هنا أو يفرض هدوءاً وسكينة بقوة السلاح والقانون، فتنظيم القاعدة يخطط وينفذ هجمات في صعدة وعناصره في صعدة وكأنهم رجال حركة مقاومة وليسوا إرهابيين مطلوبين لنصف دول العالم والحوثيون تحولوا إلى دولة داخل الدولة يقتلون ويقطعون الطرق ويعتقلون ويختطفون الناس من الطرقات، في اعتقادي مشكلة صعدة ليست الحوثيين ولا تنظيم القاعدة ولا كونها تدفع من دماء أبنائها ونسائها وأطفالها ثمن انتشار السلاح بشكل فوضوي ، لكن مشكلتها الأساسية والمزمنة أنها مدينة تبحث عن دولة فيما الدولة منشغلة بتنظيم المنافسات الرياضية وخوض معارك مع المعارضة وحماية الأجانب بصنعاء لتأمين احتفالاتهم بالكريسمس" .

لقد أعادت هجمات تنظيم القاعدة المباغتة ضد جماعة الحوثيين والتي أسفرت عن مصرع ما يقدر بـ30 من أتباع الحوثي وإصابة آخرين بجراح، صعدة مجدداً إلى المربع الأول قبيل تدشين مساع الوساطة القطرية الأخيرة، والتي أخفقت في التعامل مع التطورات الأمنية الجديدة عقب ظهور القاعدة بصعدة على جبهة الصراع مع الحوثيين فآثر وفدها الرسمي مغادرة المدينة واليمن إلى الدوحة وتعليق مهام الوساطة القطرية بشكل مؤقت .

ويشير صادق إسماعيل أحمد الرباش، إحدى الشخصيات القبلية المرافقة لوفد الوساطة القطرية إلى طبيعة الصعوبات والتعقيدات التي واجهت مساعي الوساطة القطرية الأخيرة والأسباب التي اضطرت الوفد القطري إلى مغادرة اليمن مجدداً إلى الدوحة قائلاً إن "الحوثيين يبدون دائماً استعدادهم لتنفيذ البنود الستة المتفق عليها في الدوحة مع الحكومة لكن على الأرض يماطلون في التسريع بتنفيذ البنود الرئيسة كتسليم الأسلحة والمعدات المتوسطة والثقيلة وإخلاء كافة المواقع التي يتمركزون فيها وإزالة القطاعات والمتاريس والتعاون في نزع وتطهير بعض المناطق المتضررة من الألغام التي زرعوها خلال الحربين الأخيرتين، إنهم ينفذون البنود بشكل متجزئ كأن يسلموا جزءاً من الأسلحة أو يقومون بإخلاء بعض المناطق وليس كافة المناطق وهذا أحبط وفد الوساطة القطرية التي طالبتهم وطالبت الحكومة باحترام الاتفاق الذي وقع من قبلهما في الدوحة" .

لا حرب سابعة

لا حرب سابعة على الأبواب أو هكذا يمكن قراءة مفردات المشهد الأمني القائم في صعدة فتصاعد أنشطة الفعاليات الشعبية المناهضة لفكرة الحرب والتزام الحوثيين بحالة لافتة من التقيد باحتواء تداعيات أي تصعيد أمني ينشب بينهم وبين القبائل الموالية للحكومة من خلال إبداء قدر من المرونة في التعامل مع الوساطات القبلية والجنوح إلى محاولة التهدئة وهو توجه عبر مصدر مقرب من القائد الميداني لجماعة الحوثيين لـ"الخليج" بالقول: "لا توجد نوايا لدى الحوثيين لتصعيد الأوضاع الأمنية، سواء في صعدة أو في غيرها من المدن المجاورة، وخلال الأيام القليلة المقبلة ستقوم الجماعة بإزالة كافة القطاعات ونقاط التفتيش وإخلاء أي مواقع تم التمركز عليها في مديريات الجوف، لقد واجه الحوثيون مؤخراً عدواناً من قبل قبائل وايلة واضطروا للدفاع عن أنفسهم فقط، وأبدت الجماعة استعدادها لإنهاء أي خلاف مع وايله وإيقاف الاشتباكات، وحالياً يتعرضون لإرهاب تنظيم القاعدة الذي يحاول أن يؤسس لفتنة وحرب بإثارة نزاعات طائفية مذهبية ومن حقهم التصدي لهذا العدوان" .

احتواء التداعيات

مظاهر التقيد النسبي من قبل الحوثيين والحكومة وحتى القبائل الموالية والمناهضة لجماعة الحوثيين باحتواء تداعيات أي مواجهات مسلحة طارئة، وعلى الرغم من إثارتها لأجواء من التفاؤل في إمكانية تراجع احتمالات اندلاع حرب سابعة وشيكة، إلا أن استقرار الأوضاع الأمنية في صعدة لايزال أشبه بمعادلة مستعصية لاعتبارات تتعلق ببطء التقدم في عملية التطبيع للأوضاع التي خلفتها تداعيات ست حروب متلاحقة سواء على صعيد تنفيذ بنود اتفاقية المبادئ الموقعة في الدوحة أو إعادة تسكين النازحين جراء هذه الحروب والذين لا يزال الكثير منهم رهن الإقامة الاضطرارية في مخيمات الإيواء المؤقت في منطقة "الملاحيظ" ومعسكر خرز بحجة لأسباب تتعلق بتقطع السبل بينهم وبين العودة إلى منازلهم نتيجة بطء حملات التطهير التي تضطلع بها فرق متخصصة تابعة لسلاح المهندسين بالجيش للمناطق المتضررة من الألغام الأرضية التي وحدهم الحوثيون يمتلكون خرائطها .

أزمة المرجعية البديل

لايزال الغموض يكتنف ملابسات وفاة العلامة بدرالدين الحوثي، والد مؤسس جماعة الحوثيين والمرجعية الدنية لما يسمي "تنظيم الشباب المؤمن" الذي توارى عن الأنظار خلال السنوات الثلاث الأخيرة ليثير اختفاؤه من على واجهة الأحداث في صعدة شكوكاً متصاعدة حول حقيقة وضعه الصحي، وما إذا كان لا يزال فعلياً على قيد الحياة قبيل أن يعاود رجل الدين الظهور في احتفالية خاصة تزامنت مع إحياء الحوثيين لذكرى "يوم الغدير" ليعلن تنظيم القاعدة لاحقاً مصرع الحوثي الأب في هجوم انتحاري نفذه أحد عناصر التنظيم واستهدف تجمعاً احتفالياً للحوثيين بذكري يوم الغدير بصعدة وهو ما قوبل بنفي جماعة الحوثيين .

رحيل الحوثي الأب أياً كانت الأسباب، سواء إصابته بمرض عضال في الأشهر الأخيرة من حياته كما يقول الحوثيون، أو متأثراً بشظايا انفجار سيارة مفخخة كما يدعي تنظيم "القاعدة"، خلف فراغاً وضع الحوثيين أمام استحقاق طارئ يتمثل في ضرورة اختيار مرجعية دينية جديدة للجماعة في ظل الافتقاد لخيارات بديلة تحظى بتوافق أتباع جماعة الحوثي .

ويقول إبراهيم أحمد حسين المتوكل، وهو باحث وبصدد إصدار كتاب خاص حول "ظاهرة الحوثيين في اليمن" إن "وفاة الحوثي الأب تسببت فعلياً في وضع الحوثيين في مواجهة مأزق حقيقي نتيجة عدم القدرة على إفراز بديل مماثل للمرجعية الدينية الراحل بنفس المستوى من العلم والدراية الفقهية بأصول المذهب الإثني عشري، وهو استحقاق استراتيجي كون جماعة الحوثيين تقدم نفسها كتيار ديني ذي توجهات شيعية وليس كحركة تمرد مسلحة ولديها أعداد كبيرة من الأتباع والمريدين الذين يستدعي استمرار ولاؤهم وجود مرجعية دينية تكون محل توافق بين جميع أتباع جماعة الحوثيين وأعضاء تنظيم الشباب المؤمن، وبالنظر إلى البدائل المتاحة، فإن الحوثيين سيواجهون أزمة حقيقية في إفراز بديل يمتلك "الكاريزما المؤثرة" التي كان يتمتع بها الشيخ حسين بدر الدين الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي" .

معادلة مبهمة مع الإصلاح

استحدث الحوثيون خلال الأسابيع الأخيرة قطاعات مسلحة إضافية إلى تلك التي كانت ناشئة وتم إزالتها عقب تعليق الجيش لعملياته العسكرية في صعدة إيذانا بانتهاء الحرب السادسة مع الحوثيين، كما نصب أتباع الحوثي المزيد من المتاريس والتحصينات في العديد من المواقع الجبلية بمناطق كحديان وضحيان وجبال الرزامات وغيرها من المناطق المتاخمة لمواقع تمركزهم، كل ذلك بالتزامن مع إنشاء نقاط احتجاز طارئة كرست لاعتقال كل من يشتبه في تعاونه مع تنظيم القاعدة .

أحد هؤلاء كان طالباً في جامعة الإيمان بصنعاء التي أسسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني، القيادي البارز في الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، أكبر الأحزاب الإسلامية في اليمن، والذي اقتيد من قبل مسلحين من أتباع الحوثي إلى إحدى نقاط الاحتجاز بمجرد إبرازه لبطاقته الجامعية التي كانت سبباً كافياً لإثارة شكوك الحوثيين في أسباب وجوده بالقرب من إحدى الطرق المؤدية إلى منطقة يوجد فيها مجاميع مسلحة من عناصر الجماعة بصعدة قبيل أن يطلق سراحه بعد أيام من الاعتقال وتدخل وساطات قبلية ليعاود الحوثيون لاحقاً، وفي تطور لافت اعتقال اثنين من القيادات التنظيمية الناشطة التابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح في صعدة، وهو ما أثار تساؤلات لاتزال قائمة حول دوافع جماعة الحوثيين لافتعال أزمة طارئة مع حزب الإصلاح الذي أسهم إحدى قياداته البارزة والأمين العام لفرع الحزب في عمران الشيخ حميد الأحمر في التقريب بين الحوثيين وأحزاب التحالف السياسي المعارض المنضوي في إطار ما يسمى تكتل أحزاب اللقاء المشترك من خلال الاشتراك في عضوية اللجنة التحضيرية للحوار الوطني تضمنت أول بياناتها الصادرة الدعوة إلى تسوية شاملة لمشكلة صعدة . ويقول عبدالناصر أحمد مثنى، أحد أنصار حزب التجمع اليمني للإصلاح في صعدة، والذي كان شاهد عيان على عملية اعتقال الحوثيين للقياديين في الحزب الإسلامي: "لقد قام مسلحون من أتباع الحوثي بعملية اختطاف للقياديين في حزب الإصلاح بصعدة وهما من الناشطين البارزين للحزب في المحافظة واقتيادهما إلى مكان مجهول، لا يوجد مبرر أو سبب مفهوم لما قام به الحوثيون من اعتقال الرجلين، وفي اعتقادي أن الحوثي وأتباعه يعانون من حالة اضطراب شديدة نتيجة تعدد الجبهات التي يخوضون مواجهات مسلحة فيها، ورغم أن الحوثي يحاول دائما الظهور كطرف لديه استعداد للإسهام في إحلال السلام بصعدة ووقف أي انتهاكات لحقوق الناس وآدميتهم، إلا أن ما يقوم به أتباعه يزيد الاحتقان في صعدة وليس العكس" .

زر الذهاب إلى الأعلى