عبدالفتاح البتول..
من خلال ما حدث في جلسة البرلمان يوم الاثنين الماضي، نستطيع قراءة مستقبل الديمقراطية في اليمن، وعلاقة ذلك بالتحالفات القائمة والقادمة، فالمشترك كتحالف يضم عدة أحزاب تأخر بتسليم أسماء أعضاء اللجنة العليا، والحزب الحاكم كصاحب أغلبية وصاحب التحالف الوطني تعجل بالتصويت على القانون النافذ والأسماء السابقة،
[align=justify] وبذلك تم إسقاط توافق وطني كان الجميع بحاجة إليه، وما زالوا وخاصة بعد الوصول لهذه المرحلة من التواصل والتفاهم على التعديلات وتشكيل اللجنة العليا، لقد حقق دعاة المقاطعة والمفاصلة نجاحا وانتصارا بتوتير الأجواء وتسميم الحياة السياسية وعرقلة العملية الديمقراطية والتعددية.
كان باستطاعة المشترك أن يقدم الأسماء من وقت مبكر من يوم الاثنين الماضي، وفاء بالوعد والعهد الذي قطعه على نفسه بلسان الدكتور عبدالرحمن بافضل رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح وبالطبع – للمشترك – كان عليهم أن يحترموا القسم واليمين التي قدمها بافضل وخاصة أن الاتفاق بين الطرفين يقضي بذلك، وفي المقابل فقد كان بمقدور المؤتمر والأغلبية البرلمانية التأني وعدم الاستعجال يوم أو يومين، حرصا على المصلحة العامة، وحفاظا على ما تحقق أو ما هو موجود من مناخ ديمقراطي في إطار التعددية والمنافسة الانتخابية، التي تحتاج لترسيخ وتجذير. لاشك أن المشترك تأخر وتعثر وسبق له التصعيد (والتضجيج) برفع سقف المطالب وخلط الحابل بالنابل، ولكن المشترك في الفترة الأخيرة، وبعد التواصل مع الأخ رئيس الجمهورية وقيادة الحزب الحاكم، وصل لحلول مقبولة وتوافقات معقولة، وهذا الاتفاق السياسي والتوافق الوطني لم يرق ولم يعجب البعض من المأزومين وهواة القطيعة وصانعي الأزمات الذين أدمنوا زراعة الفتنة وصناعة الضغينة وها نحن اليوم على أبواب أزمة سياسية حادة، تذكرنا بأزمة وإشكالات وتشنجات الفترة الانتقالية، إن ما حدث يوم الاثنين الفائت صدمة كبيرة وكارثة وطنية، إذا لم يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه والبحث عن حلول ومخارج فإن المؤتمر والمشترك يتحملان وزر ونتائج وتداعيات ذلك.
أزمة لا تشكيل لجنة
المسؤولية الوطنية والتاريخية تتطلب من الطرفين توضيح الملابسات والعوامل التي أدت إلى تأخر المشترك وتعجيل المؤتمر، والتضحية بحوارات دامت قرابة عامين، ولقاءات وتواصلات خلال الأسابيع الماضية، وبكل بساطة وبرود أعصاب يتم التصويت على قانون نافذ في الأصل ولا يحتاج إلى التصويت فالقانون نافذ والعمل به ساري وقائم، وأما اللجنة العليا للانتخابات فإن الوضع يختلف فإن اللجنة منتهية الصلاحية وهذا يتطلب أن يرشح مجلس النواب خمسة عشر شخصا يختار رئيس الجمهورية 7 أو 9 منهم لعضوية اللجنة، وإعادة ترشيح القائمة السابقة غير منطقي ولا واقعي، لان ذلك يعني تشكيل اللجنة بالإلزام وإلزام الآخر ما لايلزم، وفوق ذلك فإن ما حدث يشكل أزمة لا تشكيل لجنة، وخاصة أن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات ومنذ أول لجنة كان يتم بالتوافق بين أطراف العمل السياسي وكان الأخ رئيس الجمهورية ما زال حريصا على التوافق ومشاركة جميع أو غالبية الأطراف في العملية الانتخابية وعبر مراحلها المختلفة، من تشكيل اللجنة إلى إعلان النتائج، وهذا يتطلب تسامحا ومرونة وتنازلا في الجزئيات والتفاصيل، فما الذي حدث؟؟ومن يقف وراءه؟
لاشك أن هناك أسبابا وعوامل غير معروفة حتى الآن، مجلس النواب ظل خلال الفترة الماضية منعقدا رغم انتهاء فترة انعقاده الحالية، وكل ذلك لاتاحة الفرصة أمام المؤتمر والمشترك للوصول لصيغة توافقية وفجأة يصبح المجلس غير قادر على التأجيل والانتظار وتمديد فترة انعقاده حتى ليوم واحد؟!
وهنا سؤال هام واستفهام أهم: هل تم رفع الجلسة الأخيرة ليوم الاثنين فقط، أم تم رفع فترة الانعقاد الدورية؟!
وهل سيتم تشكيل اللجنة بقرار جمهوري من ضمن هذه القائمة؟ وهل يمكن تدارك الأمر وتشكيلها وفق 5-4 ورئاسة اللجنة للمشترك؟ في محاولة من المؤتمر للخروج من الأزمة والشروع بالمرحلة الأولى من العملية الانتخابية في وجود ما يستطيع المشترك البناء عليه والاستناد إليه في مشاركته ودخوله الانتخابات كتحالف سياسي وتكتل حزبي بدلا من تفرقه وانفراط عقده.
وشخصيا لا آسف على تفكك المشترك ولكن لا الزمان ولا الكيفية والأسباب والعوامل والمراحل تسمح بتفكك المشترك، ليس لعيون المشترك ولا لذاته وإنما لعيون الوطن ومصلحة اليمن، إن موقعي المعروف من المشترك لا يمنع من العدل والإنصاف وقول الحق، وإنصاف المشترك في هذه المرحلة وهذه القضية لا يعني البراءة مما سبق من أخطاء وتجاوزات وقع فيها المشترك أدت إلى هذه النتائج، أو على الأقل ساهمت وساعدت على الوصول إلى هذا الانسداد والمأزق الذي أتمنى أن ينشر هذا المقال وقد تم تجاوز المأزق وفتح الانسداد.
على كل حال وفي كل الأحوال وحسب ما قاله الأخ علي سيف حسن: ما زال أمام أطراف المنظومة السياسية مجتمعة فرصة لتجاوز تعثرها من خلال ضبط الخطاب الإعلامي وتجنب تبادل الاتهامات والتركيز على البدائل النظامية لتصحيح ما حدث!
خيوط الظلام لا تنام
كم كان الدكتور عبدالرحمن بافضل كبيرا ووطنيا وصادقا وهو يقسم بإحضار الأسماء في اليوم التالي، هذا القسم كان ملزما أخلاقيا وأدبيا للمشترك بالبر والوفاء به، كان على قادة المشترك أن لا يناموا تلك الليلة حتى يتم الاتفاق على الأسماء ولو تطلب الأمر مواصلة الليل بالنهار، وترك الراحة واللامبالاة أمام الاستحقاقات الدستورية والظروف الطارئة، ولكنهم تعاملوا مع الأمر كالعادة بكل برود واستهانة وغفلة، لم تؤثر في قادة المشترك سخونة الموقف ولا استياء وتبرم الطرف الأخر ولا ما يتشكل على السطح من تحالفات جديدة ومتغيرات عديدة، وأن خيوط الظلام يخططون في الليل والنهار، كان على المشترك الاستفادة من الاتفاق والإصرار على التعديلات والتصويت عليها، وتشكيل لجنة انتخابات جديدة، والإفراج عن المعتقلين وفق التوجيه الرئاسي والاستمرار بالمطالبة بالإفراج عن الباقين في إطار النضال السلمي، وخاصة أن إقرار التعديلات وتشكيل اللجنة، كان سيؤدي لحالة من الانفراج كبيرة، ومجال من التواصل والتوافق مع الحزب الحاكم، عموما والأخ رئيس الجمهورية على وجه الخصوص وفي ظل مثل هذا المناخ يمكن جني مكاسب أخرى وفوائد كبرى على المستوى الوطني والسياسي والحزبي والمطلبي وأما الحديث عن تنصل السلطة من التزاماتها وعدم الوفاء بوعودها فهذا في غاية الغرابة والحماقة فإن المشترك يستطيع أن يقدم الأسماء ويشارك في التصويت حتى قبل الإفراج عن المعتقلين لأنه قادر عند عدم الالتزام بذلك الانسحاب من اللجنة العليا وتعليق مشاركته في الانتخابات فالعقد شريعة المتعاقدين والديمقراطية في بلادنا كما هي في معظم الدول العربية والإسلامية ديمقراطية توافقية، وهذا ما ينبغي أن يعرفه ويؤمن به الحزب الحاكم، والأغلبية البرلمانية أن الديمقراطية عندنا توافقية وإن الاستقواء بالأغلبية كما حدث يوم الاثنين الماضي في القضايا المصيرية والكبيرة لا يصح ولا يجوز وطنيا وواقعيا، وإن كان صحيحا دستوريا وقانونيا ثم هل التصويت على قانون نافذ أمر دستوري وطبيعي أم أنه تحصيل حاصل. من جهة أخرى فإنني أرى في التصويت على العمل على القانون السابق والنافذ، تصويتا على رفض التعديلات الدستورية ورفضا ضمنيا لنتائج الحوار والتواصل التي جرت خلال الفترة الماضية بين المؤتمر والمشترك لأن هذا الحوار تم بصورة مباشرة وجادة بين رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر ورئيس المجلس الأعلى للمشترك أمين عام التجمع اليمني للإصلاح، وهنا يظهر خيط من الخيوط الخفية التي تقف وراء رفض التعديلات الدستورية وعدم تشكيل اللجنة العليا بصورة توافقية، ولا شك أن من أهم وأبرز أسباب نجاح الحوار أنه جرى بين رجل التسامح وقائد التوافق وعامل التوازن الرئيس علي عبدالله صالح من جانب والقيادي المحنك والمفاوض الناجح الأستاذ عبدالوهاب الآنسي وهذا ما أثار ويثير حفيظة أبالسة المشترك قبل شياطين المؤتمر الذين يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا لقد أزعجهم أن يتم هذا التوافق ويحصل هذا الاتفاق بهذه الكيفية والأشخاص والدلالات.
لهذا لم يظهر الحماس والإثارة الإعلامية عقب الإعلان عن نجاح التواصل والوصول إلى التوافق، مع أن هذا الأمر يحسب إيجابيا وسياسيا ووطنيا للرئيس، ويعود بالنفع على النظام وينعكس إيجابيا على الأمن والاستقرار وهذا الاتفاق الذي تم اسقاطه لا يقل أهمية عن قرار وقف الحرب في صعدة الذي تم التهليل والتصفيق والإشادة والمباركة له بصورة ظهرت فيها المبالغة في بعض الأحيان والمزايدة في أحيان أخرى، ومن هذه المزايدات تصوير الإصلاح بأنه حزب الحرب، والحوثيين دعاة سلم وأصحاب حق، والعجيب أن المؤيدين بقوة وحماسة لوقف الحرب العسكرية في صعدة، هم من أشد الرافضين والمنكرين لوقف الحرب السياسية في صنعاء، وخاصة إذا تم ذلك وجاء عبر حوار وتواصل كان ممثل المشترك والمفاوض باسمه عبدالوهاب الآنسي فذلك جريمة لاتغتفر، والتواصل مع الحوثيين مسألة فيها نظر، لأن الآنسي والإصلاحيين عيال خالة وأولاد شغالة، لأجل ذلك لاتتعجبوا من الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وهو يكتب يوم الأربعاء في الصفحة الأخيرة من صحيفة الوسط عن إيقاف حرب صعدة ويخاطب الرئيس قائلا: أحسنت بإيقاف حرب صعدة العبثية مطالباً الرئيس بإطلاق المعتقلين على خلفية حرب صعدة، هكذا يتحدث عضو المجلس الأعلى للمشترك د.محمد عبدالملك، دون أن يتطرق لإسقاط التوافق في مجلس النواب ودون الحديث عن مذبحة الاثنين تحت قبة البرلمان، فهذا لا يهم أستاذ العلوم السياسية.
ولماذا إصرار الأخ محمد المقالح على رفع سقف المطالب في هذه المرحلة؟ وما السر وراء تكراره طرح الأسئلة الثلاثة للمرة الثانية في صحيفة الثوري؟ إن الأسئلة التي لا تزال مطروحة وقائمة لدى المقالح الذي يرى في الإجابة عليها تحديدا لطبيعة الخطاب لدى المشترك وستكون الإجابة على هذه الأسئلة أول خطوات المشترك الصحيحة في العمل السياسي والعمل الوطني عموما.
والأسئلة الثلاثة التي يتبناها محمد المقالح ويطلب الإجابة عليها هي:
1- هل المشترك تحالف سياسي حول قضايا محددة ومؤقتة أم أنه عمل جبهوي ينبغي أن يتفق أطرافه على كل شيء يخص هذه الجبهة؟
2- هل المشترك مع إصلاح النظام الحالي ويرى أنه أقل تكلفة أم أنه مع تغييره ورفض أي حوار معه ويرى ضرورة هذا الخيار وطنيا؟
3- هل ستدخل المعارضة الانتخابات تحت سقف قانون الانتخابات الحالي أم أنها تشترط نظام القائمة النسبية؟!
هذه الأسئلة الثلاثة التي طرحها ويطرحها الأخ محمد المقالح وبدوري أطرح هذا السؤال:
ما معنى دعوة المقالح أحزاب المشترك إلى الانتقال فورا ودون تردد إلى معركة الوطن الكبرى معركة الخروج من الأزمة الطاحنة بكل الوسائل وبأغلى التضحيات؟ ما هي معركة الخروج ولماذا بكل الوسائل؟ وليست بالنضال السلمي؟!