محيط - جهان مصطفى
بعد فشلها في فصل مصر عن قضايا أمتها العربية والإسلامية أو استخدامها جسرا للتطبيع المجاني ، لجأت إسرائيل في الفترة الأخيرة لأساليب قذرة جديدة للنيل من أرض الكنانة والتأثير على دورها الريادي في المنطقة عبر دعم عمليات القرصنة قرب سواحل الصومال.
فالمتابع لتلك الجرائم المتزايدة يلمس بوضوح أنها ما كانت لتتم دون دعم استخباراتي وتكنولوجي ، وبالنظر إلى أن
جمهورية بونت لاند التي تقع شمال شرقي الصومال وأعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1998 تحظى بدعم إسرائيل وإثيوبيا وينطلق منها القراصنة بالأساس ، فقد بات الأمر في غاية الخطورة ويهدد في الصميم الأمن القومي العربي بصفة عامة والأمن القومي المصري بصفة خاصة .
ولعل هذا ما عكسته بوضوح الدراسة الصادرة عن معهد أبحاث تشاثام هاوس البريطاني في أكتوبر الماضي والتي حذرت بوضوح من الأثر المتوقع على قناة السويس إذا كفت الشركات الملاحية عن استخدام المسارات الملاحية في خليج عدن والبحر الأحمر نتيجة تزايد عمليات القرصنة قرب سواحل الصومال ، مشيرة إلى أن قيمة أقساط التأمين على السفن في خليج عدن تضاعفت عشر مرات، الأمر الذي يعني أن السفن قد تجد نفسها مضطرة إلى تجنب الملاحة عبر خليج عدن وقناة السويس والمرور بدلا من ذلك عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
وفي النرويج، أعلنت مجموعة الشحن النرويجية أودفيل أنها قررت تجنب استخدام قناة السويس وخليج عدن لتجنب هجمات القراصنة وستغير مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح على الرغم من ارتفاع التكاليف ، وقال تيري ستورينج المدير التنفيذي للشركة النرويجية: "لن نعرض طواقمنا بعد اليوم لمخاطر الخطف في خليج عدن".
تمزيق الصومال
إذن مصر أمام مخطط شيطاني مدروس لضرب الملاحة في قناة السويس التي تعتبر ثالث مصادر الدخل القومي ، وتلك جملة من البراهين التي تثبت صحة ما سبق ، فمعروف أن إسرائيل سعت منذ نشأتها لتدويل البحر الأحمر باعتبار أن جميع دول البحر عربية وهو الأمر الذي يحد من مخططاتها للسيطرة على المنطقة العربية بأسرها ، ولذا ركزت على تمزيق الصومال كبداية لتدويل البحر والسيطرة على طرق الملاحة فيه .
فاهتمام إسرائيل بإيجاد موطيء قدم لها في الصومال لا يرجع إلى تمتعه بثروات نفطية أو كنوز تحت الأرض ولكن بسبب أن الصومال هو بحكم موقعه الجغرافى (بوابة) تفتح على المحيط الهندى والخليج العربى أى أنه يتحكم في المدخل الجنوبى للبحر الأحمر الذى تسعى إسرائيل لتأمينه مما تسميه خطر تواجد قوى أصولية إسلامية ، كما أن إسرائيل تخشى أن يؤدى سيطرة الإسلاميين على الحكم في تلك الدولة إلى تهديد أمن حليفتها إثيوبيا ، وذلك من خلال تشجيع مسلمى إثيوبيا على التمرد.
ومن هنا فإن إسرائيل كان لها دور كبير في تمزيق الصومال لمنع عودة الصومال الكبير بمعناه التاريخي الذى يشمل خمسة أقاليم ، الصومال البريطاني، والصومال الإيطالي، وهما ما استقلاَّ وشكَّلا ما عُرف بجمهورية الصومال ، والصومال الفرنسى أو إقليم عفر وعيسى وهو ما اتفق على تسميته باسم "جيبوتي" وإقليم أوجادين الذي تم ضمه لإثيوبيا،والإقليم الخامس الذى ضمته لكينيا، ويعرف بالمقاطعة الشمالية الحدودية .
في البداية ، استغلت إسرائيل الحدود الطويلة التي تفصل بين إثيوبيا والصومال للتغلغل في الجزء الشمالي من الصومال، المحكوم بواسطة حكومة علمانية، والذي أعلن انفصاله وأطلق على نفسه " جمهورية بونت لاند "، ثم بعد ذلك شجعت إثيوبيا على التدخل العسكري المباشر للإطاحة بالمحاكم الإسلامية من السلطة بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من استعادة الصومال التاريخي ، وقامت بالتزامن مع ذلك بإشعال التمرد في إقليم دارفور السوداني.
وبعد أن تحقق لها ما أرادت ، لجأت للتحرك الأكثر خطورة ألا وهو تشجيع عمليات القرصنة لتدويل البحر الأحمر والسيطرة على ثرواته وتهديد الدول العربية المطلة عليه وإغلاق قناة السويس .
إسرائيل تنطلق في مخططها لتدويل البحر الأحمر من حقيقة كونها لا تمتلك سوى عدة أميال في "إيلات" علي شاطئ البحر, لا تتيح لها ممارسة دور القوة البحرية, أو تأمين خطوط الإمداد في حالتي السلم والحرب.
وتعاظم القلق الإسرائيلي بعد حرب يونيو 1967, وقيام مصر بإغلاق قناة السويس لسنوات طويلة تالية, ثم حرب السادس من أكتوبر1973 وقيام اليمن بإغلاق مضيق باب المندب ، ولذا مهدت إسرائيل لمخطط التدويل في 24 أغسطس 1980 بوضع حجر الأساس لمشروع حفر قناة "البحرين"، التي تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت كخطوة أولى نحو إنشاء الجزء الثاني من القناة التي ستسير غرباً لتصل إلى البحر المتوسط عند منطقة حيفا وبالتالي إيجاد قناة مشابهة لقناة السويس.
البحر الأحمر
أيضا فإن تزايد أهمية البحر الأحمر كممر بحري رئيسي للتجارة بين الدول ، أدى إلى رغبة إسرائيلية جامحة في الإسراع بتنفيذ قناة "البحرين" خاصة وأنه تبعا لمتوسطات أرقام التسعينيات فإنه يمر عبر البحر الأحمر حوالي 325 مليون طن من البضائع تمثل 10% من إجمالي الشحنات البحرية العالمية سنويا ، كما ارتفع عدد ناقلات البترول التي تمر سنويا في قناة السويس إلى 21 ألف ناقلة, وزادت كميات البترول الخام التي تتدفق عبر الأنابيب إلي البحر الأحمر بشكل هائل .
التوترات المسلحة في منطقة الخليج منذ بداية التسعينيات أدت أيضا إلي كثافة غير معتادة في مرور القطع العسكرية البحرية عبر مياه البحر الأحمر, ورغم أن طريق رأس الرجاء الصالح يمثل بديلا نظريا, إلا أنه مكلف ماليا, ولا يلبي اعتبارات الوقت عسكريا ، ولذا تصر إسرائيل على مواصلة مشروع قناة "البحرين" لاقتسام المزايا السابقة مع مصر في مرحلة أولى والسيطرة عليها بالكامل في مرحلة ثانية .
وبالنظر لتحذير مصر المتواصل لإسرائيل من مغبة الإقدام على تنفيذ المخطط السابق ، سعت تل أبيب لإغلاق قناة السويس بشكل آخر ، والمقصود هنا تشجيع عمليات القرصنة.
عمليات القرصنة
فقد تعرضت 77 سفينة أجنبية على الأقل لهجمات خلال 2008 نفذها قراصنة صوماليون في مدخل البحر الأحمر وفي المحيط الهندى وخليج عدن ، وقدرت منظمة بحرية متمركزة في كينيا عدد القراصنة المنتشرين على طول السواحل الصومالية بنحو 1100 رجل موزعين في أربع مجموعات ومعظمهم من خفر السواحل الصوماليين السابقين.
القراصنة على متن ناقلة النفط السعودية المختطفة
ولا يزال القراصنة يحتجزون حوالي 12 سفينة عليها طواقم عددها 250 شخصا فيما تستمر المفاوضات بينهم وبين الجهات المالكة لهذه السفن.
ومنذ أغسطس الماضي، يحتجز القراصنة سفينة أوكرانية تقل دبابات وأسلحة مختلفة كانت في طريقها إلى ميناء مومباسا الكيني، ويطلبون فدية 20 مليون دولار للإفراج عن حمولتها وطاقمها .
وفي اواخر أكتوبر ، استولى عدد من القراصنة على سفينة شحن تركية تحمل شحنة من خام الحديد وعلى متنها 20 بحارا قبالة الساحل الصومالي ، وفي نهاية سبتمبر الماضي ، أافرج قراصنة صوماليون عن سفينة مصرية وعن أفراد طاقمها الخمسة والعشرين بعد أن احتجزوها قبل ذلك بحو إلى شهر قبالة الصومال ، ونفت القاهرة وقتها أن تكون دفعت فدية إلى القراصنة.
وخلال شهر نوفمبر فقط ، اختطف القراصنة سفينة شحن يابانية قبالة ساحل الصومال، وسفينة صيد صينية قبالة ساحل كينيا، وسفينة نقل تركية عليها حمولة من المواد الكيماوية كانت متجهة إلى اليمن .
وفي 17 نوفمبر ، أعلن سلاح البحرية الأمريكية أن القراصنة اختطفوا ناقلة نفط سعودية عملاقة في مياه المحيط الهندي واتجهوا بها إلى ميناء " هرارديري " الذي يستخدمه القراصنة في بونت لاند ، وفي 18 نوفمبر ، أعلن مركز الصين للإنقاذ والبحث أن سفينة شحن من هونج كونج محملة بالقمح متجهة لإيران تعرضت للخطف على يد قراصنة في خليج عدن ، وقال المركز إن طاقما مؤلفا من 25 شخصا كان على متنها وكانت السفينة تقل 36000 طن من القمح إلى ميناء بندر عباس في إيران.
وتعد الناقلة "سرياس ستار" أكبر سفينة يتم اختطافها حتى الآن حيث تبلغ حمولتها من النفط مليوني برميل أي ما يعادل ربع إنتاج النفط اليومي للسعودية، كما تبلغ قيمة تلك الحمولة 200 مليون دولار.
والناقلة مملوكة لشركة النفط السعودية الأمريكية أرامكو، وتحمل علم ليبيريا، وجرى اختطافها في عملية وصفت ب" غير المسبوقة" حيث كانت على مسافة 860 كيلومترا من الساحل الكيني.
وتقول شركة فيلا إنترناشيونال المشغلة للناقلة إن طاقم المؤلف من 25 شخصًا -من الجنسيات الكرواتية والبريطانية والفلبينية والبولندية والسعودية - بخير وإنها قد بعثت فرقا إلى المنطقة للتعامل مع الحادث وضمان إطلاق سراحهم سالمين.
أدلة تورط إسرائيل وأمريكا
ومن جانبه ، أعلن الأدميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أن القراصنة الذين نفذوا العملية مدربون جيدا، قائلا :" بمجرد صعودهم إلى سطح السفينة يصبح من الصعب إنزالهم، لأنهم ببساطة يحتجزون رهائن ، ولكن هذه العمليات عادة ما تنتهي بسلام بعد مفاوضات لدفع فدية " ، الأمر الذي يؤكد وجود تواطؤ أمريكي إسرائيلي.
فمعروف أن تلك العمليات كانت محدودة في السابق وتتم بشكل عفوي لصوصي واستطاعت المحاكم الإسلامية فور سيطرتها على السلطة في يونيو 2006 في القضاء عليها ، إلا أنها خلال العامين الأخيرين بدت وكأنها من تدبير مخابرات محترفة وإلا كيف يستولي قراصنة بأسلحة عادية على سفينة أوكرانية محملة بكمية كبيرة من السلاح الثقيل؟ ، وكيف نجح القراصنة في رؤية السفينة الأوكرانية لابد أنه يمتلكون أجهزة ملاحية فائقة التطور تمكنهم من رؤية السفن القريبة من سواحل الصومال ؟، بالإضافة إلى أن غالبية عمليات القرصنة تتم قبالة سواحل جمهورية بونت لاند الموالية لإسرائيل.
ومن المفارقات اللافتة للنظر هنا أن عمليات القرصنة الصومالية زادت بقوة في العام 2007, ثم ارتفعت في العام 2008 وهما عامان يشهدان وجودا إثيوبيا عسكريا في الصومال بدأ نهاية العام 2006 بعد طرد نظام المحاكم الإسلامية الذي كان قد سيطر علي الصومال منذ يونيو 2006, وامتدت سيطرته علي سواحل الصومال حيث استطاع رغم قلة الإمكانات أن يوقف هذه الأنشطة غير القانونية, الأمر الذي يؤكد الشكوك حول تورط إسرائيل وإثيوبيا.
ومن الأمور الأخرى التي ترجح صحة ما سبق أن إحصائية للمكتب البحري الدولي ومقره كوالالمبور في ماليزيا كشفت أن 77 سفينة أجنبية على الأقل تعرضت لهجمات خلال 2008 نفذها قراصنة صوماليون في مدخل البحر الأحمر وفي المحيط الهندى وخليج عدن وهو ضعف عدد السفن التي هوجمت في 2007 ، الأمر الذي يؤكد أن هناك دعم متواصل لمثل تلك الهجمات.
أيضا يبلغ طول سواحل الصومال 3700 كلم وهي واحدة من الأطول في العالم ، وتراقب هذه السواحل بين 12 و15 سفينة تابعة للتحالف البحري "كومبايند تاسك فورس 150" الذي تقوده أمريكا ويضم عدة دول تعمل في مكافحة ما يسمى بالإرهاب في القرن الإفريقي من بينها فرنسا وبريطانيا وايطاليا وهولندا .
وجود تلك الأساطيل البحرية من المفترض أن يشكل رادعا للقراصنة ، إلا أن الأمر المثير للانتباه أن تلك الدول أعلنت تنصلها عن مسئوليتها في حماية السفن التجارية التي تمر عبر خليج عدن الذي يتحكم بالمدخل الجنوبي لقناة السويس ويعتبر واحدا من أهم المحاور في الملاحة البحرية في العالم ، حيث تمر كل سنة حو إلى 16 ألف سفينة وحو إلى ثلاثين بالمائة من الانتاج النفطي العالمي عبر هذا الطريق .
استغراب زعيم المحاكم
زعيم الجناح المعتدل في مجلس "المحاكم الإسلامية" شيخ شريف أحمد أبدى استغرابه إزاء الموقف السابق من عمليات القرصنة التي تجري في البحر الأحمر، خصوصاً أمام السواحل الصومالية ، قائلا خلال تصريحات أدلى بها في 7 أكتوبر :" في فترة المحاكم الإسلامية كانت هناك عمليات قرصنة محدودة تمت السيطرة عليها. الآن هناك أساطيل لقوى بحرية عدة في المنطقة، خصوصاً على الشواطئ الصومالية، ومع ذلك تحدث هذه القرصنة. ونحن نستغرب تكرار هذه العمليات. هناك لغز يستعصي علينا فهمه تجاه ما يحدث هناك".
شيخ شريف أحمد يبدي دهشته
وبجانب ما سبق ، أشارت تقارير صحفية كثيرة إلى توافر معلومات عن تطور نشاط القراصنة واستخدامهم رادارات وأجهزة حديثة تتصل بالأقمار الصناعية لتتبع السفن، كما يستخدم القراصنة زوراق سريعة جدا تعمل انطلاقا من "سفينة ام" ، ويملكون أيضا أسلحة رشاشة وقاذفات قنابل يدوية وقاذفات صواريخ وهواتف تعمل بنظام الدي بي اس وبالأقمار الاصطناعية ، وكل هذه الأمور ليست بعيدة عن الموساد الإسرائيلي ، بل
ويرجح البعض أن إسرائيل تقتسم الغنائم مع القراصنة ، حيث تتراوح الفديات التي يطلبها القراصنة بين مئات الآلاف وملايين الدولارات حسب السفينة التي يستولون عليها وهويات الرهائن ، وتفيد تقديرات حديثة أن القراصنة حصلوا على حو إلى ثلاثين مليون دولار في 2008 .
بدايات التدويل
الفدية على ضخامتها ليست المشكلة الأساسية ، فمخطط التدويل يبدو أنه يسير نحو التنفيذ ، حيث صوت مجلس الأمن الدولى بالإجماع في 2 يونيو 2008 لصالح قرار دعت إليه الولايات المتحدة ويفوض الدول الأجنبية بمكافحة القرصنة والسرقة بالإكراه في عرض البحر في المياه الإقليمية للصومال.
أيضا صادق الاتحاد الأوروبي في 10 نوفمبر الماضي على إرسال أسطول من سبع سفن حربية على الأقل مدعومة بطائرات استطلاع بحري إلى خليج عدن لمواجهة القرصنة الصومالية , وقام حلف شمال الأطلسي " الناتو " في اواخر أكتوبر الماضي بإرسال أربع سفن ايطالية ويونانية وبريطانية وتركية قبالة سواحل الصومال ، وأعلن جيمس اباتوراي أن الحلف يدرس حاليا إمكانية الاضطلاع بدور على المدى البعيد في المنطقة ، مشيرا إلى أن مهمة السفن الأربع تنتهي في منتصف ديسمبر المقبل.
كما أرسلت عدة دول منها جنوب إفريقيا والهند وروسيا سفنا حربية للعمل في المنطقة بغرض حماية السفن التجارية التابعة لهذه البلدان من القرصنة, كما دعت بعض الدول ومنها الدانمارك إلي إنشاء وحدة جنائية خاصة في إطار المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة القراصنة الصوماليين .
القرارات والتحركات السابقة أدت إلى ظهور نوع من الوصاية الدولية علي البحر الأحمر وحركته الملاحية واستغلال موارده الطبيعية, وهو الأمر الذي يخل مباشرة بالحقوق والمصالح المباشرة للدول العربية الست التي تطل عليه ، كما أن أغلب هذه التحركات يحدث بعيدا عن الأمم المتحدة , مما ينذر بتضارب مصالح كبير بين هذه الدول الوافدة علي المنطقة وبين الدول الأصيلة المطلة علي البحر لا سيما جنوبه ، وقد تندلع على إثر ذلك مواجهات مسلحة وإضافة أزمات جديدة لمنطقة مشتعلة أصلا .
الخبير العسكري والإستراتيجي المصري طلعت مسلم علق على التطورات الخطيرة السابقة قائلا إن البحر الأحمر يعد امتدادا لقناة السويس كما أن خليج عدن امتداد للبحر الأحمر، ما يوجب على مصر التحرك لتأمين الملاحة في المنطقة من منطلق الحفاظ على نشاط القناة، وإن لم تكن هناك مسئولية دولية على مصر في تأمين حركة السفن في البحر الأحمر .
وأشار إلى وجود مساع إسرائيلية لتدويل البحر الأحمر تحت غطاء تأمين الملاحة في المنطقة، وقال :" إن لدى الولايات المتحدة مخططا لتدويل البحر يسمح بتواجد إسرائيلي"، محذرا من أن مكافحة القرصنة لا تعني تواجد قوات بحرية فقط وإنما قوات جوية أيضا، ما يجعل التواجد الدولي غير قاصر على المياه الإقليمية ، كما أن أي قوات دولية ستتواجد في المنطقة ستكتسب حقوقا قد تستغلها في أمور أخرى بخلاف تأمين الملاحة.
تحركات عربية
ويبدو أن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر على وعى كامل بأبعاد المخطط الشيطاني ، ففي مطلع نوفمبر 2008 دعت مصر إلى عقد اجتماع عاجل في 20 من الشهر ذاته لتنسيق الجهود وآليات التعاون بين الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر من أجل مكافحة ظاهرة القرصنة.
الرئيس اليمنى أدرك أبعاد المخطط الصهيوني مبكرا
وعلى خلفية تعاظم القلق اليمني مما يلوح في الأفق من مخطط أمريكي- إسرائيلي يستهدف تدويل البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن ، قام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مطلع أكتوبر الماضي بزيارة إلى الأردن ثم مصر لاستنفار زعماء الدولتين لمواجهة تلك المؤامرة ، وفي وقت سابق زار السعودية لبحث الأمر ذاته.
والدول العربية المطلة على البحر الأحمر هي: مصر والسودان والصومال وجيبوتي واليمن والسعودية والأردن ، بالإضافة إلى إريتريا التي حصلت مؤخرا على وضع مراقب في الجامعة العربية.
التحركات العربية السابقة أعادت للأذهان الاهتمام العربي بأمن البحر الأحمر في فترة الصراع المفتوح مع إسرائيل خلال الخمسينات والستينات والسبعينات قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، فقد ظهرت آنذاك دعوات لإعلان البحر الأحمر بحيرة عربية عارضتها إسرائيل وإثيوبيا في حينه, كما التأمت عدة قمم عربية ضمت قادة مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان لاسيما في الفترة من1971 إلي1977 اهتمت جميعها بوضع استراتيجية عربية لجعل البحر الأحمر, ودون الإخلال بمصالح الدول الأخري المطلة عليه لاسيما إثيوبيا, منطقة أمن وسلام وتعاون اقتصادي بعيدا عن التدخلات الدولية المباشرة وغير المباشرة, كما طرحت الأمانة العامة للجامعة العربية فكرة إنشاء قيادة عربية استراتيجية لأمن البحر الأحمر في منتصف العام 1977, غير أن التطورات التي أعقبت توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ، أجهضت الفكرة مبكرا .
جل الأفكار العربية المطروحة حينئذ استند إلي حقيقة استراتيجية وهي أن البحر الأحمر يربط بين الأمن القومي العربي وأمن الدول العربية المطلة عليه وأمن منطقة الخليج, وأن أي إخلال بأمن البحر الاحمر وأمن دوله العربية المطلة عليه سيؤثر حتما علي منظومة الأمن العربي الجماعي.
وقد ظهر الترابط بين أمن البحر الأحمر وأمن الخليج زمن اشتداد الحرب العراقية الإيرانية, وتحديدا في العام 1984 حين قامت سفينة إيرانية بوضع ألغام في المسارات الملاحية الدولية في البحر الأحمر, وهو ما تطلب جهودا عربية ودولية لنزع تلك الألغام وتطهير طرق الملاحة الدولية.
إن المصالح العربية في البحر الأحمر, بما في ذلك سلامته وأمنه وإبعاده عن الوصاية الدولية, وتأمين ممراته, لاسيما باب المندب, هي مصالح استراتيجية غير قابلة للتنازل, وإذا كان الأوروبيون قد بادروا بإنشاء قوة أوروبية تخصص للعمل في خليج عدن, فمن الأولي أن تبادر الدول العربية المطلة علي البحر الأحمر إلي وضع إطار عمل جماعي بحري لحماية المصالح العربية .
والواضح أن نقطة البداية هنا هي ضرورة تحرك الجامعة العربية بسرعة للسيطرة علي الوضع المتدهور في الصومال وإنهاء الاحتلال الاثيوبي، وتأكيد أن عمليات القرصنة لا يستفيد منها سوى إسرائيل وعملائها في بونت لاند ، بينما يتجرع أبناء الصومال الشرفاء مرارة استمرارها ، لأن سفن الغذاء الآتية لموانيء الصومال ارتفعت مصاريف تأمينها وهذا يساهم في رفع أسعار المواد الغدائية المرتفعة أصلا عالميا ، الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد المجاعة وزيادة الوفيات ، ولذا لا بديل عن وجود حكومة قوية في الصومال قادرة على حماية سواحلها ومنع القرصنة.
المصدر: محيط