[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

التمدد الإيراني والعجز العربي

محمد خلفان الصوافي
لم يعد من الصعب فهم أبعاد ومبررات التمدد الإيراني، سياسياً وطائفياً، وتحويل أجزاء حيوية من المنطقة العربية إلى ساحة نفوذ ونقاط تغلغل تضمن طهران من خلالها مزيدا من النفوذ الإقليمي، وهناك العديد من الأسباب والمقومات التي تغذي هذا التحرك الإيراني، ولكن من الضروري لفت الانتباه إلى أن أحد مغذياته الرئيسية أخطاء السياسات العربية تجاه الفراغ الاستراتيجي القائم بالمنطقة، وبسبب العجز السياسي للنظام الإقليمي العربي حتى أصبح الأمن العربي

مستباحاً ليس من إيران فقط بل وغيرها من القوى الإقليمية والدولية.

المثال الأخير على ذلك، هو تحرك جميع القوى الدولية والإقليمية باتجاه حماية مصالحها من القرصنة البحرية في خليج عدن عدا الدول العربية التي تقف عاجزة تكتفي بموقف المتفرج على ما يدور في عمق مصالحها.

صحيح أن الذي دفع إيران لأن ترسل سفينة حربية لها مؤخراً إلى خليج عدن، وهذا ربما يكون من حقها في ضوء قرار مجلس الأمن الأخير وفي ظل الظروف الأمنية الحاصلة هناك، هو تحرك القوى الدولية من أجل حماية سفنها من القراصنة الذين ينشطون قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن ولكن الشيء الذي لا يمكن الاختلاف عليه هو أن غياب الدول العربية، مجتمعة، وتلك المطلة على البحر الأحمر خاصة، وفر لإيران وغيرها من الدول فرصة على طبق من ذهب لتتمكن من منطقة حيوية بمعنى الكلمة في الأمن الإقليمي العربي.

السياسة الإيرانية كثيراً ما أتقنت وبفعل العرب التحكم ب"مفاصل" النظام العربي في العديد من المناطق واستطاعت تحويلها إلى أوراق استراتيجية في يدها وساحة نفوذ لها واستطاعت أن تتمكن خلالها السياسة الإيرانية من ضمان موقع قوي في الجسم العربي يكون منطلقاً لإضعاف الدول العربية ومقايضتها كما هو الحال في العراق؛ حيث ما زال الغياب العربي واضحاً وحيث الفراغ السياسي في لبنان وكذلك فلسطين واليوم نراه في البحر الأحمر.

السيناريو الإيراني يتكرر مع كل فراغ يتركه العرب وهذا هو الغريب في الأمر بل ويعيد المشهد نفسه بالطريقة كما هي في باقي الدول العربية ومع ذلك فإن العرب يأتون متأخرين بل أصبح المراقبون يتوقعون التحركات الإيرانية لملء الفراغات السياسية العربية في إشارة تؤكد أن إيران باتت خبيرة في طبيعة التحرك العربي الذي لا يأتي إلا متأخراً، فهو عبارة عن "ردة فعل" لتحرك يقوم به الآخرون وبالتالي يكون الأمر قد انتهى.

إذا سلمنا بأن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر ليس لديها سفن حربية، مثلما هو الأمر بالنسبة لإيران وغيرها من الدول الإقليمية، فالغريب هو ذلك العجز حتى في صياغة سياسة عربية واضحة وفعالة بشأن التعامل مع الفراغات السياسية في الدول العربية ومع التدخلات الإقليمية والدولية، فإيران لم تكن لتتجرأ على الدول العربية والتدخل فيها لحماية مصالحها بنفسها لولا التراجع السياسي العربي ولولا كثرة خلافات الدول العربية التي تصرفها وتشلها عن الانتباه لمصالحها السياسية.

منذ بدأت دول العالم تتحدث عن نيتها لمواجهة القرصنة في البحر الأحمر عن طريق تشكيل وحدات عسكرية منذ حوالي الشهر لم يصدر عن الدول العربية أي احتجاج علني ولم تستخدم قوتها لا "الخشنة" ولا "الناعمة"، لإجبار القراصنة أو التحالف مع القوى الدولية لمنع التدخلات من القوى التي تعتبر منافساً ومصدر تهديد لاستقرارها.

باتت الدول العربية الآن عاجزة تماماً عن العمل من أجل سد الفراغات السياسية الكثيرة فيها بسبب كثرة خلافاتها ولم تعد حتى الدول العربية "القائدة" تتمتع بحضور سياسي في مقابل التحركات الإيرانية، فالساحات العربية مستباحة اليوم أكثر من أي وقت مضى والقاعدة السياسية تقول طالما وجد فراغ لا بد أن تأتي قوة لتسده.

زر الذهاب إلى الأعلى