أرشيف الرأي

منافقون .. وتجار قضايا

بقلم : خالد أبوظهر

إنهم يتصرفون وكأن العالم لا يرى ولا يتكلم .
وهم يتوهمون أنهم بلغوا من الحكمة مكانة تؤهلهم لإطلاق الأحكام بحق الآخرين، وأن إرادة إلهية رفعتهم إلى مكانة ليأمروا فيطاعوا .
ومع أن لا أحد يرى فيهم هذه الصفات، إلا أن حكام دمشق معذورون، فقد صدقوا أنفسهم عندما سملوا عيون شعبهم حتى لا يرى أفعالهم، وقطعوا ألسنته ليخرسوها عن الكلام،

فصاروا هم الصوت الوحيد وصاروا هم العيون الوحيدة التى ترى، ولكنها لا ترى إلا صورتهم في المرآة .
نزعوا عن دمشق رداء العروبة، وتحدثوا بلسان أعجمى، لكنهم زعموا أنهم وحدهم هم العروبة وهم المدافعون عنها وهم من يحمل لواء قضاياها.
وهم في ذلك كاذبون ومنافقون .
لم يفعلوا إلا الإتجار بالقضايا، وأسلوبهم كان إشعال فتيل الخلافات بين أبناء البيت الواحد ليحاولوا سرقة زعامة وهمية لأنفسهم .
ولنراجع سجل تعاملاتهم مع القضايا العربية .
منذ البداية شنوا حرباً شعواء على منظمة التحرير الفلسطينية التى حملت راية النضال من أجل التحرير، وطرحوا شعار أن فلسطين هى جنوب سورية، ومارسوا ولا يزالون بذر الشقاق والفرقة والاقتتال بين الفلسطينيين، وعملوا جاهدين على تبديد المكسب الذى حققه الشعب الفلسطينى بتحرير جزء من أراضيه في الضفة الغربية وقطاع غزة وإقامة سلطة مستقلة، فأوقعوا الفرقة بين حماس والسلطة الوطنية، فاستقلت حماس بغزة وأقامت فيها إمارة إسلامية، واختصرت القضية الفلسطينية بفتح المعابر، فدخلت عملية السلام في نفق مظلم، وتلاشت الاستحقاقات المتوقعة .
وفى كل المراحل وقف النظام السورى ضد مفاوضات السلام، وضد كل من يعمل من أجل إطلاقها، موزعاً تهم الخيانة والعمالة على كل من يساهم فيها، في الوقت الذى كانت فيه قنوات الاتصال مفتوحة بين النظام السورى وإسرائيل، توجها بشار الأسد بالإعلان صراحة عن أنه لا يمانع في المفاوضات المباشرة، بعد أن كانت تتولاها حتى الآن الوساطة التركية .
وإذا كان من حق النظام السورى صاحب الشعار الغريب نحن نختار زمان ومكان المعركة أن يلجأ إلى وسيلة المفاوضات المباشرة، فإنه يمارس نفاقاً سياسياً لا يدانى، عندما يتهم المفاوضين الآخرين لحل قضاياهم بأبشع الاتهامات .
وهنا نطرح على النظام السورى سؤالاً: إذا ما انسحبت إسرائيل من الجولان وعقد سلاماً معها، ماذا سيكون موقفه من القضية الفلسطينية؟ وهل سيستمر في تحريض حلفائه من الفلسطينيين على تجنب المفاوضات السياسية، والاكتفاء بالسلاح كوسيلة للتحرير، بينما هو يعتبر استخدام السلاح لتحرير الجولان من المحرمات التى لا يجوز الاقتراب منها، فالجولان لا يهمه بقدر ما يهمه البقاء في كرسى السلطة .
بل إن النظام السورى كالتاجر الشاطر، باع القضية الفلسطينية إلى إيران، حتى تستخدمها كحصان طروادة لاختراق العالم العربى وفرض هيمنتها عليه، عله يجد بعض الزعامة تحت العباءة الفارسية .
والواقع ومن السلوك السياسى للنظام السورى، ندرك أن هذا النظام يستخدم القضية الفلسطينية كوسيلة لتحقيق أحلامه في الزعامة، وكورقة لاستعادة الجولان دون أن يدفع في سبيل هدف التحرير قطرة دماء واحدة، وهذه المعادلة طبقها على سلوكه في لبنان أيضاً، حيث إن النظام السورى تلّون في علاقاته اللبنانية بشكل مذهل، فوقف مع جميع الفرقاء ضد جميع الفرقاء، ثم استقر مع حزب الله جسره إلى المحور الإيرانى، مع أنه لا يستبعد أن يبيع هذا الحزب في أى وقت إذا اقتضت ضرورات مفاوضاته مع إسرائيل .
أما في العراق فموقفه في منتهى الغرابة، فهو يدعم الفريق وضده، فيمنح التسهيلات لفلول نظام صدام حسين، ويدعم الإرهاب ويساند الحركات الشيعية اقتداءً بإيران، والمحصلة من هذا الموقف المتناقض هى استمرار الفوضى في العراق، حتى يصطاد المكاسب من خلال الدماء والدمار .
والمشكلة أن النظام السورى يعتقد أن الشعوب العربية غافلة عن هدف سياساته وأغراضها، ولذلك لا يتورع عن توجيه الاتهامات ذات اليمين وذات اليسار، ولكنه ولأن حدود تفكيره لا تتجاوز قصر المهاجرين، فهو لا يعرف أنه بات مكشوفاً أمام الجميع، وأن الاستعراضات التى يقوم بها بين الحين والآخر لا تخدع أحداً، لأنها أشبه بعروض المهرجين في سيرك ردىء!

المصدر: القناة

زر الذهاب إلى الأعلى