لا شك أن مقاطعة اللقاء المشترك للانتخابات وتفرد المؤتمر بها سيؤدي لتراجع كبير في العملية الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، وإجهاض مبدأ التداول السلمي للسلطة، وأن النتائج الكارثية لهذه الممارسات يتحملها المؤتمر والمشترك، باعتبارهما طرفي الأزمة وليس صحيحا أن تأجيل الانتخابات حل للمشكلة أو معالجة للأوضاع، باعتبار أن المشكلة ليست في الوقت وعامل الزمن وإنما في غياب التفاهم والتوافق وانعدام الثقة بين الطرفين، وقد يكون تأجيل
الانتخابات مدخلا لتعميق الازمة وتوسيع دائرتها، وإذا كان من شروط نجاح الانتخابات توفر قدر كبير من الحرية والنزاهة والشفافية، فإن من شروطها كذلك الالتزام بمواعيدها الدورية، بالإضافة إلى أن حرب صعدة أو ما يحدث في المحافظات الجنوبية والأوضاع المعيشية والقضايا الاقتصادية والتحديات الداخلية والخارجية تزيد الطين بلة والمرض علة في حالة تأجيل الانتخابات بسبب عدم وجود توافق بين منظومة الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة.
فالمسألة ليست تأجيل أو تمديد أو وقت وإنما مسألة تفاهم وتوافق وبناء عوامل الثقة ومراعاة المصلحة الوطنية.. وبدون ذلك فلا تأجيل ينفع ولا تمديد يفيد، وحسب ما ذكره الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح الأستاذ عبدالوهاب الآنسي "فإن هناك مخارج دستورية لمسألة الوقت، وإذا كانت هناك نية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة فالقانونيون يمكن أن يوجدوا مخارج دستورية" وهذا هو المطلوب في الوقت الحاضر، الاتجاه نحو إقامة الانتخابات في موعدها ومشاركة الجميع فيها، والابتعاد عن خيارات المقاطعة والتأجيل والتفكير السلبي الذي يصيب الناس باليأس والقنوط والإحباط على الأقل في الوقت الراهن، حيث وما زالت الخيارات الإيجابية والتوافقية قائمة، ولا بد للعقلاء والحكماء في الطرفين وقف التيارات الاستئصالية التي تسعى لإفشال الانتخابات وبالتالي فشل التعددية والديمقراطية وسقوط التغيير بالوسائل والأساليب السلمية والديمقراطية، وباعتقادي أن الحديث عن الماضي ومن هو السبب ومن انقلب على الديمقراطية أصبح حديثا غير مستساغ في اللحظة الراهنة التي تستدعي من الجميع البحث عن حلول ومعالجات ومخارج لما هو قائم وماثل والنظر إلى النتائج والمآلات التي ستحدث حال السير في الاتجاه المعاكس والتفكير بصورة سلبية وتغليب الخيارات الأكثر سوءا ودمارا.. باعتبار أن المشاركة ذاتها وإقامة الانتخابات في موعدها لن تكون سهلة ولا ودية، فالتعبئة الخاطئة والتمترس الذي حدث خلال الفترة الماضية سوف يكون له أثر سلبي أثناء الانتخابات، ولكن هذا الأثر مهما كان حجمه سوف يكون أقل من الآثار الناتجة عن المقاطعة أو التأجيل، فنحن أمام خيارات أحلاها مر.. ووصلنا إلى مرحلة تجعل من الضروري اختيار أخف المفسدتين وخير الشرين وأقل الضررين والموازنة بين المصالح والمفاسد والنتائج لكل الخيارات القائمة والبدائل المحتملة والمعالجات المفروضة والمطلوبة.
والمؤسف أن الأحزاب السياسية اليمنية تتسابق على تقارير المنظمات الأجنبية وكأن فيها الدواء الشافي والجواب الكافي، مع ما تقوم به هذه المنظمات من إرباك للأحزاب وخلط للأوراق وتحقيق مصالح خاصة بها وبالبلاد التي تنتمي إليها، ويكفي في تقارير غالبية المنظمات وتصريحات مسئوليها ما تحمله من تناقضات في الآراء والنصائح بهدف إرضاء جميع الأطراف والأكثر أسفا أن يدعو البعض للتمسك بتوصيات بعثة الاتحاد الأوروبي والعمل بها وعدم مخالفتها وحتى يظن الإنسان أن هذه التوصيات وحيا منزلا من السماء، وأنها من التوجيهات الإلهية والأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها!! وكما كان يعمل مدير المعهد الديمقراطي بصنعاء ديمتروف.. ها هو المدير المقيم لمنظمة (الأيفس) بيتر وليامز يؤكد على أن الديمقراطية اليمنية لم تقف على قدميها بعد والمطلوب بعض الصبر.. ويدعو الأحزاب السياسية إلى (حزمة) الإصلاحات التي اتفقت عليها.. وفي نفس الوقت يدعو للتوقف عن مهاجمة اللجنة العليا للانتخابات عند أدائها لعملها، وفوق ذلك يقترح (بيتر وليامز) إقامة الانتخابات في موعدها وبدون مشاركة رسمية من أحزاب المشترك وإنما عن طريق ترشيح شخصيات وبصورة مستقلة مع كونها تنتمي للمشترك..!!
ومن الواضح أن مثل هذه الآراء والاقتراحات والدعوات التي توجهها منظمة متخصصة بالأنظمة الانتخابية لا تهدف للمساعدة لحل المشكلة وحلحلة القضية، بقدر ما تدفع نحو تأزيم الأوضاع وخلط الأوراق التي هي في الأصل مخلوطة ومهزوزة، بينما هناك العديد من الخيارات والمقترحات الواضحة والهادفة للوصول نحو إقامة انتخابات تنافسية وفي مواعيدها الدورية وفق تفاهم وتوافق الأحزاب والقوى السياسية في السلطة والمعارضة، وفي إطار الثوابت الوطنية والمصلحة العامة وبما يساهم في إيجاد مخارج للأزمات التي نعيشها وتمر بها بلادنا، وخاصة التمرد الحوثي في صعدة وبعض المناطق الأخرى، وما يحدث في بعض المحافظات الجنوبية من حراك ومطالب سواء كانت حقوقية أو سياسية، وكلا القضيتين –الجنوبية والحوثية- تمثل تهديدا خطيرا لأمن واستقرار ووحدة الوطن على المدى القريب والبعيد، وإذا لم تتعامل الأحزاب في السلطة والمعارضة مع هاتين القضيتين والمشكلتين تعاملا مسئولا ووطنيا وبكل وعي وإدراك لما يحدث ويدور والنتائج المتوقعة بل والقائمة.. إذا لم يتم ذلك فإن الحديث عن الانتخابات في موعدها أو تأجيلها أو مقاطعتها يصبح حديثا ناقصا وفعلا ساذجا، بمعنى أن يكون الحوار والمشهد الانتخابي والرؤى والتوجهات والخيارات والمقترحات مرتبطة بصورة تلازمية وقوية مع مجريات وتداعيات القضية الجنوبية والفتنة الحوثية، وأن الهروب من الازمات الحقيقية والمشاكل الكارثية والقفز عليها يعيق أي عملية إصلاح أو تغيير عبر الانتخابات أو غيرها من الوسائل والأساليب السلمية والدستورية، صحيح أن الفساد السياسي والمالي والأوضاع الاقتصادية والمعيشية تشكل أولوية في صناعة القرار وتحديد الرأي واتخاذ الموقف، ولكن الصحيح كذلك أن هناك قضايا مصيرية كبرى ينبغي أخذها بالحسبان ووضعها في الاهتمام، ما لم فإن الدعوة لإصلاح الأوضاع وتحسينها دعوة ناقصة إذا لم تكن فاسدة.
وباعتقادي وحسب تصوري فإن المشاركة في الانتخابات بعد توافق وتفاهم وطني، وفي موعدها المحدد وبتوفر الحد الأدنى من الضمانات والشروط، إن ذلك يشكل مدخلا لحل الأزمة الشاملة ومحاصرة الأزمات والفتن القائمة والمتصاعدة، ومواجهة للمشاريع الاستئصالية والدعوات المناطقية والحركات الطائفية والمواقف الانتهازية.. إن الوصول لتسوية مقبولة وتنازلات متبادلة تمثل الرهان الرابح لليمن واليمنيين، والتنازلات التي يمكن تقديمها ليست لهذا الطرف أو ذاك وإنما للوطن، وهي في الأصل ليست تنازلات وإنما واجبات ينبغي الالتزام والوفاء بها أمام المسئولية الوطنية والتاريخية للقوى السياسية والحزبية.. وعلى دعاة المقاطعة والمغامرة والمقامرة أن يعرفوا أنهم بهذه الخيارات السلبية إنما يخدمون المشاريع الصغيرة والمصالح والأهواء والنزعات الآنية، وأن يدركوا أن مقاطعة الحزب الاشتراكي لانتخابات 97م كان لها أضرار بالغة في العملية الديمقراطية والحياة السياسية وآثار تدميرية على الحزب الاشتراكي ذاته، وبالمناسبة فإن الأستاذ جار الله عمر رحمه الله الذي تمر الذكرى السادسة لوفاته هذه الأيام، كان من أشد المعارضين والرافضين للمقاطعة، ومعه عدد من قيادات ورموز الحزب الاشتراكي الواعية ومن أصحاب الرأي والحكمة والنظرة البعيدة، فما زالت آثار مقاطعة الاشتراكي لانتخابات 97م قائمة حتى اللحظة، إن اتخاذ أي قرار مصيري وفق الانفعالات الآنية والأصوات الغوغائية وتجاوز حدود الموضوعية والواقعية يكون له آثار كارثية وتداعيات تدميرية لا تظهر إلا بعد فوات الأوان وخراب مالطا، فماذا نحن فاعلون قبل خراب مالطا..
عبدالفتاح البتول
[email protected]