من الواضح أن كل الجهود الموجهة ضد تنظيم القاعدة لم تأت أكلها ولا ظهرت نتائجها سواء الجهود الأمنية والعسكرية أو المواجهات الفكرية والمعالجات الحوارية، وإن تحدث البعض عن ثمار أو نتائج لهذه الجهود فأنها قليلة وغير ذات أهمية، وما إعلان التنظيم عن قيادة موحدة للقاعدة في الجزيرة العربية إلا دليل على فشل الحلول الأمنية والعسكرية وإخفاق الحوارات الفكرية، وأن الحديث عن نجاحات والتفاخر والتباهي بقصة الحوار والحوارات لا يعد أن يكون ظاهرة صوتية وإعلامية أكثر منها حقيقية وواقعية.
ولا شك أن فيلم "الرهان الخاسر" يؤكد ويثبت خطأ المعالجات وغلط المعلومات وغياب الرؤية الواضحة والنظرة الموضوعية والأبعاد الواقعية لتنظيم القاعدة، فالفيلم لم يعالج القضية ولا اقترب بصورة حقيقية لملامستها وفي كل الأحوال فانه عمل خاسر وفاشل، ومن هنا ومع هذا الظهور القوي لتنظيم القاعدة إعلامياً وميدانياً، فأن الأمر يتطلب مراجعة جادة من قبل الدولة والقاعدة لهذه المواجهات والأعمال التي لا تخدم الدين ولا الوطن ولا المصلحة العامة، وإذا كنا لا نتفق مع القاعدة في الكثير من القضايا والمسائل من منطق شرعي أو سياسي، وفي الوقت ذاته لا ينبغي إصدار الأحكام ضدهم وغمط حقهم والتهوين من وجودهم وفكرهم وإنكار إخلاصهم وصدقهم وتكوينهم الديني والعقدي، ومن ذلك ما يقوم به البعض أو الكثير في السلطة والمعارضة وما تحدث عنه أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر عبدالكريم الوحيشي في حواره مع صحيفة "الناس" الأسبوع الماضي، حيث استغرب مواقف الذي يعطون غطاءً سياسياً وإعلامياً لما يحدث في صعدة من فتنة وتمرد وقتل وسفك للدماء، بينما لم نسمع بيانات التعاطف والرحمة والدعوة إلى الحسنى، بينما إذا قام أفراد القاعدة بعملية "وهم على خطأ في عملياتهم داخل اليمن" تقوم الدنيا ولا تقعد، وصدرت بيانات ونشرت كتابات التشهير والتجريح والشتم.. إلى درجة التكفير وإخراجهم من الدين، وفي مثل هذه المواقف والتصرفات كيل بمكيالين وازدواجية في التعامل والمواقف، وكاتب هذه السطور لا يدافع عن عمليات القاعدة ولا يوافق عليها، ولكن لابد من العدل والإنصاف وإعطاء الأمور حقها من الطرح والعرض فمن غير المستساغ تبرير ما يقوم به الحوثيون والسكوت عليه، وفي الوقت ذاته يتم تكفير " القاعدة" وإخراجهم من الدين بالكلية، شخصياً فقد كتبت مقالات في الرد على أفكار القاعدة الخاطئة والتصورات المغلوطة، وإدانة ما يقومون به من عمليات في مأرب أو حضرموت أو صنعاء، وعندي أن تنظيم القاعدة بزعامة الشيخ اسامة بن لادن يخوض حرباً ومعركة ضد أمريكا الصليبية والصهيونية العالمية، وأن ما تقوم به "القاعدة" في أفغانستان والعراق ليس إرهاباً وإنما مقاومة وجهاد، وأن صوابية واحقية المعركة لا تعطيهم الحق في نقل ميدان المعركة إلى اليمن والسعودية وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، والذي أدين الله به أن قتل السياح والمستأمنين والأجانب العاملين في بلادنا لا يجوز شرعاً ولا يقره الإسلام، واختلف مع الأخ ناصر الوحيشي في هذه القضية وفي قوله : أن القتال في سبيل الله حالة ملازمة لنشر مبادئ الإسلام وإقامة دولة الإسلام، واستدلاله بقوله تع إلى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) استدلال في غير محله، ولدي العديد من الملاحظات والتعقيبات على حوار ناصر الوحيشي المنشور في صحيفة "الناس" الأسبوع الماضي، وسوف أتناولها في مقالات قادمة بمشيئة الله عز وجل وبصورة تفصيلية ومنهجية وفي هذه السطور اتناول الموضوع والحوار بشكل عام وإجمالي كمدخل للحديث التفصيلي.
وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أن لليمن مكانة وأهمية استراتيجية في ذهن وتفكير تنظيم القاعدة العالمي، وقبل عشر سنوات قام ابو مصعب السوري الملقب بداهية الفكر الجهادي "بتأليف كتاب صغير بعنوان(مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم)" وتحدث فيه عن أهمية بناء قواعد استراتيجية طويلة الأمد في اليمن، وأن هناك عدة عوامل تمتاز بها اليمن عن غيرها من الدول الإسلامية.. ومن ذلك بشائر دينية تحمل دلالات رمزية، تعبر عنها أحاديث نبوية، ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة قيام التنظيم بواحدة من أهم عملياته وهي عملية تفجير المدمرة الأمريكية "كول" في ميناء عدن في أكتوبر 2000م(1)، ومن المؤكد أن موافقة الشيخ أسامة بن لادن على أن تكون اليمن مقراً ومكاناً لقيادة التنظيم في جزيرة العرب، والإعلان عن ذلك بصورة واضحة وكلمات حاسمة لقادة التنظيم بالصوت والصورة، وتوحيد فرعي التنظيم في اليمن والسعودية خطوة نوعية للقاعدة وتطور مهم في مسيرة ونشاط التنظيم حيث يجمع بين قوة وبأس فرع اليمن ودعم مال فرع السعودية والاستفادة من السخط والغضب الشعبي المتنامي ضد أمريكا والكيان الصهيوني، ولا شك أن تزامن هذا التوحيد والاتحاد مع العدوان على غزة يحمل دلالات عديدة ومعان كثيرة، بالإضافة إلى أن توحيد التنظيم في هذه المرحلة والظروف لم يكن متوقعاً بعد الضربات التي تعرض لها في السعودية وكان العديد من المراقبين يتوقعون تشرذم التنظيم وانقسامه على مستوى كل دولة، لا توحيده على مستوى الجزيرة العربية، وبهذه الإمكانيات الإعلامية الهائلة والتصورات الواضحة "وان كانت خاطئة" ونحن هنا لا نناقش الموضوع من جانب الصواب والخطأ وإنما من الجوانب الواقعية والميدانية والعملية والفنية، وإذا كانت أمريكا عاجزة وفاشلة في مواجهة التنظيم في أفغانستان، فأن غير أمريكا التي تتطلب القيام بمعالجات فكرية ومنهجية حقيقية لا صورية وخطوات إيجابية وواقعية لا سلبية وخيالية، وعلى القاعدة القيام بعملية مراجعة شاملة وصادقة للأفكار والتصورات على ضوء الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة والبحث عن خيارات ووسائل غير القوة المادية والمواجهات الدموية والعمليات القتالية، وأن استخدام العنف في كل زمان ومكان وحال أمر غير مقبول شرعاً وواقعا.. وتحكيم الشريعة في حياة الناس يختلف عن مواجهة أمريكا والجهاد ضد الاحتلال ومقاومة المحتلين، تحكيم الشريعة تعني الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومواجهة أمريكا في أفغانستان والعراق يعني القتال والجهاد والرصاص، لابد من التفريق وترتيب الأولويات وإعادة النظر في النتائج والمآلات.. وأن استهداف المصالح الأمريكية والغربية في الجزيرة العربية ومنها اليمن يضر هذه الدول أكثر من أمريكا، والضرر والأضرار لا تقتصر على الحكومات والسلطات وإنما تشمل الناس جميعاً بزعزعة الأمن والاستقرار الذي هو في الأساس هش وفيه اختلالات كثيرة، وكل ذلك يأتي على حساب هيبة الدول وغياب النظام والقانون، وهذا يتطلب قيام الأجهزة الأمنية والجهات بتطبيق النظام والقانون على الجميع، وإذا كانت العمليات التي تقوم بها القاعدة إجرامية، فأن مقتل الدكتور درهم القدسي في مكان عمله وبتلك الطريقة الهمجية والخلفية القبلية، فهذا عمل إجرامي والاختطافات وقطع الطرقات وحجز ناقلات النفط والغاز والاستيلاء على الأرض بغير حق كل هذه أعمال إجرامية وتتطلب مواقف حاسمة.
عباس الغرباني
وفي هذا السياق ونتيجة لعدم ضبط حمل السلاح ولتهاون الجهات المختصة وسيطرة العصبية القبلية جاء مقتل الشاب الخلوق عباس الغرباني يوم الخميس الماضي في مدينة إب على خلفية خلافات على أرضية وأراضي لا تستحق أن تزهق لأجلها النفوس البريئة والأرواح الطيبة، ونحن هنا لن نتحدث بلغة مناطقية ولا نؤمن بالحلول القبلية ونريد فقط تطبيق شرع الله والنظام والقانون وأن يأخذ المجرمون جزاءهم الرادع عبرة لغيرهم ممن يستسهلون الاعتداء وإطلاق الرصاص وسفك الدماء لأبسط الأسباب واتفه المبررات، وأقول إن التهاون في هذه القضية وتأخير حسمها كما حدث مع قضية صلاح الرعوي سوف تؤدي إلى عواقب وخيمة، فالغضب يملأ النفوس والضغط يولد الانفجار، وعدم تطبيق شرع الله تحت ضغط الأعراف والتقاليد القبلية سوف يؤدي لزيادة الانفلات الأمني ويضعف هيبة الدولة، والحل في المواطنة المتساوية أمام النظام والقانون والدستور، نريد دولة تحمي أنفسنا وأعراضنا وأموالنا وتحقق الأمن والاستقرار.
تضامن مع اللسواس
لاشك أن اعتقال وحبس الزميل حسين اللسواس أمر غير مقبول ولا مبرر ويتطلب محاسبة من قام بذلك، وأنني إذ أعلن تضامني مع الأخ اللسواس كصحفي وكاتب أطالب نيابة الصحافة والمطبوعات التي تحقق في الموضوع أن تتعامل بكل مصداقية ومهنية وشفافية وتبين للرأي العام حقيقة ما حدث حتى لا تتكرر مثل هذه الإجراءات التعسفية والتصرفات الغير قانونية.