[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الظاهرة الحوثية.. التكوين العلمي والفكري الأيديولوجي للحوثيين(3)

د. أحمد محمد الدغشي

من منطلق اعتقاد الفكر الحوثي بمشروعية سياسية خاصة، جاءت نتاج بيئة علمية وتربوية خاصة؛ فإنه قد عمد إلى محاولة تنشئة أتباعه تنشئة تعتمد على بعض الموروث في الجانب الذي يمنحها تلك المشروعية،

وإن لم يُعلن عن ملامح تلك التنشئة وبعض تفصيلاتها إلا في وقت لاحق. بل إن المفارقة لتبدو في كون حسين الحوثي ووالده بدر الدين ورفيق دربه عبدالله الرزامي وآخرين، من أمثال المؤسس الأول لتنظيم الباب المؤمن: محمّد سالم عزان كانوا يداً واحدة - حسب رواية الأخير- بداية الأمر، تجاه بعض الأفكار المتشدّدة المنصوص عليها في بعض الموروث، غير أنها كانت محلّ نقد وتحفّظ من قبل المرجع الشيعي الأعلى مجد الدين المؤيدي (ت:1892007م)، مما جعلهم جميعاً يسعون إلى إقناعه لرفع ذلك العتب والتحفظ عن مناهجهم الجديدة بعد أن راجعها وصادق عليها بدر الدين الحوثي (حوار صحيفة 26 سبتمبر مع عزّان، مرجع سابق). لكن سرعان ما نشب خلاف بعد ذلك بين طرفين أحدهما يتزعمه حسين الحوثي والآخر يتزعمه محمد سالم عزان. وفي هذا يقول الأخير: "والخلاف كان بين خطّين: خط يؤيد الانفتاح على الآخر والحوار والتجديد في الفكر وهذا كان يمثله 4 من الإدارة وأنا منهم، والخط الآخر يميل إلى إعادة استهلاك الموضوع الثقافي والفكري والتركيز على القضايا التقليدية القديمة، وفي ظل هذا الخلاف والتوتر قالوا لا بد من توسيع الإدارة، ويومها انضموا إلينا مجموعة ومن ضمنهم حسين بدر الدين الحوثي" (حوار صحيفة الناس مع عزان، 9 إبريل-نيسان 2007م). ويصف عزان حسين الحوثي بأنه كان فرداً عادياً في إطار منتدى الشباب المؤمن الذي تأسس عام 1990م، "كأي فرد، ولم يكن عضواً في التنظيم حتى عام 2000م، ففي 99م جاء حسين بدر الدين من السودان في ظل ظروف وملابسات معيّنة، وكان هناك توسع في المراكز. وقد ظهرت بعض الخلافات حينها. وكان هناك رأي بتوسيع دائرة الإدارة وكانت مكونة من 6 أشخاص هم: محمد بدر الدين الحوثي، عبد الكريم جدبان، علي أحمد الرازحي، صالح أحمد هبرة، أحمد محمد الهادي، محمد يحيى سالم عزان"( حوار الناس مع عزان، المرجع السابق)."كما يصفه بأنه كان من التقليديين" (المرجع السابق).

ومنذ العام 1999 بدأت" المراكز تصنف إلى فريق معتدل وفريق تقليدي، حتى داخل المركز الواحد كان هناك تصنيف على هذا الأساس. وفي عام 2000م انفصلت المراكز وبدأ الاستقلال واستمرينا [هكذا والصواب واستمررنا] على أهداف وأدبيات الشباب المؤمن، بينما حسين بدر الدين والآخرون الذين انضموا إليه واصلوا في الجهة الأخرى، غيّروا الأهداف"(المرجع نفسه).

وواضح لمن يتتبع خطاب حسين الحوثي بعد تلك المرحلة (ما بعد 2000م) أن هذا التغيير الذي يشير إليه عزان قد شمل التكوين الكلي بأبعاده النفسية والتربوية والفكرية والسياسية، لشخصية حسين الحوثي، إذ لم يعد مقلّداً للمذهب الزيدي، ولا متابعاً تقليدياً لآراء فقهائه، كما لا يمكن – في الوقت ذاته- استنتاج أنه غدا نسخة مستعارة من الفكر الإثني عشري الجعفري- كما يتردّد في الوسط السنّي كثيراً، وسيتضح خطأه لاحقاً- بل غدا خطابه الفكري الموجّه نحو أتباعه ذا روح انتقائية ثورية متمرّدة، تبدأ من نقد الآخر المذهبي كأهل السنة عامة (انظر: حسين الحوثي ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 20، بتاريخ 4/8/2002م، أعدّها ضيف الله أبو غيدنة)، ووصفهم بأنهم جميعاً لا يخيفون اليهود، بل الشيعة من يفعل ذلك، (حسين الحوثي، ملزمة الصرخة في وجه المستكبرين، ص5-6، بتاريخ 1712002م، أعدّها ضيف الله أبو غيدنة) أو الوهابية – كما يصفها- (المرجع السابق، ص17) أو ابن تيمية من القدماء، (انظر: حسين الحوثي: شريط (1) من معرفة الله، الدرسان الثاني والثالث) أو الألباني والفوزان (انظر: حسين الحوثي ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 17، مرجع سابق) والزنداني من المعاصرين (انظر: حسين الحوثي، ملزمة دروس من هدي القرآن الكريم: الصرخة في وجه المستكبرين، ص8، مرجع سابق) إلى نقد المذهب الزيدي بل اتهام الزيدية - ولا سيما المعاصرة منها- بأنها لا تقل سوءاً عن (المجبِرة) في باب تأويل بعض آيات الصفات (راجع حسين الحوثي، شريط: لقاء مع المعلّمين في 26 و2852003م، وشريط الزيدية والإمامية (2) د.ت). وفي حين أشاد بتعلّم اللغة العربية لمعرفة القرآن الكريم فإنه قد شن حملة شعواء على علمي أصول الفقه، وعلم الكلام، حيث نفى أن تكون معرفة القرآن متوقفة على أصول الفقه، بل وصفه بأنه "فنٌ يضرب القرآن ضربة قاضية، يضرب القرآن ضربة شديدة، يضرب فطرتك، يضرب توجهك نحو القرآن، يضع مقاييس غير صحيحة، تدخل إلى القرآن والقرآن بشكل آخر؛ ولهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا، لم يستطع القرآن، لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا له، أمام اهتدائنا به، أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه، وبالتالي قتلناه، وأصبحنا أمة ميتة، أصبحنا أمة ميتة، أسأنا إلى أنفسنا وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا" (انظر: حسين الحوثي ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، مرجع سابق).

أمّا علم الكلام(القواعد العقلية في معرفة العقيدة) فنجده يشنّع عليه أبلغ تشنيع، لأن علماءه- من وجهة نظره-لم يعتمدوا القرآن والفطرة في دراستهم للعقيدة، بل اعتمدوا الفلسفات اليونانية، فتجدهم يعانون من ضعف الخشية لله. ونقل عن القاسم بن إبراهيم(أحد أئمة الزيدية) قوله:"ما خشع متكلّم لله". كما ضرب المثال في ذلك بابن تيمية الذي اعترف بغزارة علمه ومعرفته الواسعة، لكن إغفاله الأسس القرآنية في دراسة التوحيد، وتأثره بثقافة معيّنة، وبسبب عدم اعتماده على مطلوب القرآن الكريم، وبسبب الضعف في تحقيق لإله إلا الله، جعله يخرج بآراء وصفها بالغريبة الشاذة (حسين الحوثي، شريط من معرفة الله، الدرس (3) رقم (1)، وشريط: من هدي القرآن، معرفة الله، الدرس الثاني، شريط رقم واحد).

أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك – كلية التربية – جامعة صنعاء

زر الذهاب إلى الأعلى