الأخ الحبيب الغالي عمر الأرضي المكرم
أهني نفسي أولا أن يكون لي أخ كريم بمستواك الثقافي والمعرفي والأخلاقي الرفيع ويقرأ ما اكتبه .. ثم اشكر البروفيسور حبيب سروري من كل (بيكسل) في القلب على تعريفنا بالأخ "عمر" وإضافته إلى القائمة لنسعد كثيرا ونستأنس بآرائه ونثري الحوارات بمداخلاته القيمة والرصينة والمخلصة والتهنئة موصولة لكل أخ في القائمة معنا على هذه الإضافة الجديدة المتميزة التي شرفنا بها البروفيسور حبيب .
بالنسبة لما جاء في مداخلتك الرائعة أيها الأخ الحبيب "عمر "في قائمة ايمايل البروفيسور حبيب سروري أستاذ علوم الكمبيوتر في قسم الهندسة الرياضية في المعهد القومي الفرنسي للعلوم التطبيقية وجامعة (روان) ثاني اكبر المدن الفرنسية وهذا عنوان الايمايل لمن يريد الدخول في قائمتنا الكونية [email protected] وهي القائمة التي تضم بكل فخر وتواضع كوكبة ضخمة من خيرة مثقفي اليمن في الداخل والخارج على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم الفكرية السياسية والأكاديمية وطبعا العبد لله كاتب هذه السطور هو الحلقة الأضعف في القائمة.
لذلك فقد حبيت إعادة نشر الرد عبر هذا الموقع الالكتروني الأثير إلى قلبي لإشراك أكبر قدر معي من القراء الرائعين لهذا الموقع معنا في الحوار والنقاش وإثراء مواضيعنا بها، فهم قراء متفاعلين جدا من خلال قراءاتي الدائمة لتعليقاتهم الجميلة وعلى قدر كبير وعال من الثقافة والمعرفة والنضوج الفكري، والاختلاف في الرأي لا يفسد للأخوة قضية بيننا، بل إن التباين في الآراء هو ثراء وغنى لتلاقح الأفكار وتخليقها وتناسلها بما يعزز التآخي والترابط بين أبناء هذه الوطن الواحد أرضا ولغة ودينا وهوية وقدرا ومصيرا رغم انف المتآمرين و إلى الرد .
لم أجد أخي الحبيب "عمر" ما اختلف به معك مطلقا في تعقيبك الجميل والعاتب بكل ودّ واحترام على شخصي المتواضع، فأنا متفق معك في كل ما جاء فيه ولا خلاف بيننا، ولو كنت تقرأ لي ما نتداول به في القائمة قبل المداخلتين الأخيرتين لعرفت حقيقة موقفي من الوضع القائم شمالا وجنوبا ومن النظام كاملا، ولو كنت تتابع كتاباتي في صحيفة الديار من الفترة يناير 2009 وحتى توقيفها مطلع مايو 2009 لكنت عرفت الكثير عن رأيي في الوضع القائم وفي رأس الدولة والقبيلة والحزب الحاكم وستصدر الديار الأحد القادم إن شاء الله إذا لم تتكرر العرقلة من قبل وزارة ( الإعدام ) وأتمنى عليك اقتنائها وقراءة ما كتبته فيها، ناهيك أيها الحبيب عن كوني جنوبي النشأة والثقافة والهوى.
فانا تربيت وترعرعت في كنف أسرة جنوبية كريمة في عدن وبين أفرادها الكرام بنون وبنات وكأني احدهم تماما من ظهر أبيهم وبطن أمهم، وذلك بعد نزولي من القرية، فقد كنت أنا وأحد أبناء هذه الأسرة الفاضلة في نفس الصف الدراسي ولأننا جيران حيث كان والدي يملك محلا تجاريا بجانب منزلهم، ولأن والدتي بعيدة عني في (بني شيبة) في الشمال وانأ طفل صغير لم أتجاوز السابعة يومها في العام 19970م واحتاج إلى الرعاية الأسرية الكافية و إلى كنف أم حنونة وصادقة في حنانها، كانت هذه الأسرة الكريمة وهي نموذج واضح كريم وأصيل عن غالبية الأسر والبيوت العدنية يومها في تعاملها مع إخوانها أبناء الشمال، كانت تلك الأم الرائعة رحمة الله عليها تغدق عليّ عطفها وحنانها ورعايتها لصغر سني ولبعدي عن أسرتي ولن أنسى حنان وكرم وأخلاق تلك الأسرة الكريمة الفاضلة ما حييت .
ثم إننا أيها الحبيب "عمر "ما عرفنا التعليم والثقافة والنظام والقانون سوى في عدن نحن كلنا أبناء الحجرية خاصة ونحن مدينين لهذه المدينة بكل أفضالها علينا وعلى أبائنا من قبلنا الذين عملوا بها بكل حرية وأمان حتى جاء الجنان الماركسي وشرد بهم وبتجارتهم وانتقلنا إلى المحافظات الشمالية وانتقل معنا كل رأس المال العامل يومها في عدن وهو في غالبيته حضرمي ومعهم غالبية أبناء عدن من خيرة الكوادر المتعلمة والمتخصصة في شتى المجالات ومنعامة الشعب دون تحديد .
وعشنا سويا في الحديدة جنبا إلى جنب بنفس الأخوة والتكافل والتراحم والتآخي الذي عشناه في عدن كشعب واحد يحملون الهوية اليمنية ويمارسون نشاطهم التجاري بكل حرية في وطنهم اليمن
ولم نسمع أحدٌ قال لهم ذات يوم انتم جنوبيين أو حضارمة، وتناسبنا معهم وتناسبوا معنا وتبادلنا التجارة والتعامل بكل أخوة، مع بازرعة إلى شماخ إلى الشقاع إلى بادويلان وباسويدان إلى باذيب وباشراحيل إلى باحاج إلى باوزير إلى باشنفر وباعبيد وبالبيد والحسيني وباقادر وغيرهم الكثير ومعهم كل الكادر الإداري التجاري من شباب وأبناء عدن الغالية، وهم الذين كانوا يديرون كافة الأعمال التجارية والملاحية في الحديدة في الشركات والوكالات والبنوك والتأمين والتخطيط والمعاهد الأهلية مثل بيت لقمان الذين علمونا الطباعة واللغة الانجليزية وكيفية المراسلات الخارجية والتعامل مع الخارج في كافة الأصعدة.
ولم يقل لهم أحدُ يوما انتم عدنيين أو ارجعوا بلادكم !! بل الأكثر من ذلك، يوم كان النظام ماركسيا في الجنوب كانت الجارة السعودية ترفض دخول أبناء الجنوب إلى أراضيها بدون استثناء عبر الشمال، فكنا لكي نساعد إخواننا في الدخول إلى السعودية نذهب إلى مكتب الجوازات ونشهد كذبا أنهم من مواليد محافظات شمالية دون ذكر ألقاب قبائلهم ونعلمهم بعض الألفاظ الشمالية لتك القرى وأسماء القرى التي بجوارها واسما مشايخها وعقالها، حتى لا يتم إرجاعهم ومنعهم من دخول السعودية التي كانت في السبعينات حلم كل إنسان يريد الرخاء والعيش الرغيد، وهذا ليس منّة منا تجاههم ولكن ردا لجمائلهم معنا سابقا وتجسيدا لمعاني الإخوة والهوية الواحدة بيننا..
حيث كانت أي أسرة في عدن يتوفى عنها ابنها الذي يحمل المخلقة - شهادة الميلاد- ( مخلقة مستعمرة عدن) كانوا يعطون شهادة الميلاد هذه لأي أب شمالي يريد إدخال ابنه في المدارس الحكومية التي كانت مجانا ولأبناء عدن فقط، ولا تقبل أبناء الشمال بينما أولاد موظفي التاج البريطاني من أبناء مستعمراتها في الهند وإيران والصومال وغيرها وهذا حسب تعليمات الاحتلال البريطاني يومها، فكانت هذه الأسر الكريمة مشكورة تتعاون مع إخوانهم من بمنحهم مخلقة ابنهم المتوفي ليدخل بها المدرسة باسم ابنهم المتوفى لا باسمه الحقيقي والأكثر أنهم يتعاملون مع هذا الجديد الذي يحمل اسم ابنهم كأنه ابنهم الحقيقي الذي مات وبكل حنان وأبوة وتآخي، فردينا لهم الواجب الأخوي والوطني والأخلاقي الذي سبقونا به بأخلاقهم ووطنيتهم ووحدويتهم قبل الوحدة الاندماجية السياسية بسنين.
وطبعا تم بعد ذلك إنشاء كلية بلقيس لأبناء الشمال وبدعم وتبرع وسخاء كبير من أبناء وتجار عدن الكرام تأكيدا لأواصر الأخوة والهوية اليمنية الواحدة، حيث تبرعوا يومها بعشرات ألاف الشيلينات ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر الحاج عبده حسين الادهل أطال الله في عمره من خلال حفلات فنية حضرها النعمان والزبيري والقيا فيها خطبا عصماء تطلب التبرع لإخوانهم أبناء الشمال وكان يحي تلك الحفلات فنيا الفنان القدير محمد مرشد ناجي أطال الله في عمره، وترأس الكلية يومها المستشار اليوم الأستاذ حسين الحبيشي أطال الله في عمره أو يرحمه الله إذا كان قد توفاه إليه، لست متأكدا .
فتخيل أخي "عمر" أن إنسان مثلي وكثير هم أمثالي يحملون كل هذا الحب لعدن خاصة وللجنوب عامة كيف لهم أن يكره ساكنيها وأهلها الذين هم بالأساس أهلنا وإخواننا وأنسابنا وأصهارنا ومدينتا الأولى وثرى قبر والدي المدفون فيها وهو الذي عاش سائق لنش بحري في شبابه ثم أحاله الاحتلال إلى التقاعد بكامل حقوقه ومستحقاته فتحول إلى التجارة ثم تحول إماما لأحد مساجد التواهي ومات فيه في صلاة الفجر في ابريل عام 1975م ودفن في الشيخ عثمان، وكثير من أهلي وأقربائي سياسيين ومثقفين وحزبيين وعسكريين ودكاترة جامعة وموظفين وخبازين يعيشون في كل المحافظات الجنوبية، فكيف لي أن أكره الجنوب ؟؟ يا أخي الحبيب عمر خلافنا نحن كل من في هذا الوطن هو مع الشلة الفاسدة المتنفذة على رقابنا وأرزاقنا وقدرنا ومستقبلنا في هذا الوطن من أقصاه إلى أدناه بخيارات لم تكن يوما خياراتنا أو ثقافتنا أو أحلامنا، وهذا ما نسعى ونناضل إلى التحرر منه ومن همجية القبائل في الشمال وعبثية البدو الأغبياء في الجنوب لإنقاذ الوطن ومعه المستقبل لأبنائنا.
ونحن ضد كل الممارسات الهمجية التي يرتكبها أدوات النظام ولا خلاف على ذلك ونضع أيدينا في أيدي بعض لتحقيق هذه الغاية، لكن المشكلة أن ظهور بيان المعتوه (البيض) وقبله رأس الفتنة "العطاس "ومطالبته بالانفصال قوىّ علينا السلطة واضعف موقف الشرفاء في مطالبتها بتصحيح الأوضاع وبقي الأمر أنت مع الوحدة أو مع الانفصال ؟؟ أنت معانا أو معاهم ؟؟ أنت شمالي أو جنوبي؟؟ فمن ذا الذي يوافق على بقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن؟؟
وأيضا من ذا الذي سيرضى بالانفصال والعودة إلى جحيم التشطير؟؟ لذلك كنا نتوقع من الحراك الرائع في بدايته الذي بدأ مطلبيا وحقوقيا أن يستمر بهذا الزخم الحقوقي والمطلبي القوي ولا يفسدوه بالمطالب السياسية الغبية خدمة لأعداء الوطن، لأنه جاء مخرجا وفرجا ومتنفسا للنظام ومنقذا له من السقوط !! كنا نراهن أن يستمر زخم الحراك ويتطور إلى اعتصامات سلمية وإضرابات جزئية ثم عامة ثم عصيان مدني كامل وكان كل الشرفاء والمقهورين قد بدأوا يعدون العدة للمساندة والدعم عبر المقالات الصحفية والمظاهرات الاحتجاجية المتواترة وعبر أحزاب اللقاء المشترك دعما للحراك ومطالبه المشروعة التي هي مطالب عادلة لكل اليمنيين على امتداد كل الأرض اليمنية، وكان سيرى إخواننا في الجنوب كيف سيهب الشمال لنصرته ومعاضدته وتخفيف الضغط عليه، لأن المعاناة واحدة والظلم نفسه والقهر والإذلال من نفس أدوات الحكم وقبائله وعساكره..
كلنا في الهم شرق ياأخي عمر، لكن دعوات الانفصال أحرقت الحراك ودعمت وعززت موقف النظام ضد شعبه وجعلت القبائل المتفودة التي تنتظر الفيد والغنيمة متحفزة للقتال طمعا في نهب الجنوب مرة أخرى ولن ينهبوا سوى ما هو غير أملاك أصحابهم القبائل فقط أو ما هو للدولة من مشاريع ومؤسسات خدمية كما فعلوا في السابق، أما كلامي عن إنني سأقاتل مع القبيلي علي عبد الله صالح، وهو ما لا أتمناه ولا أتمنى اليوم الذي يحدث فيه ذلك، هو بسبب خوفي على وطني من التجزئة والتشرذم والصوملة والعرقنة والأفغنة وليس أمامي خيارا آخر إذا ما فرضت علينا الحرب بتعليمات وأموال خارجية قذرة رأيناها واضحة في العام 1994م، وكم سيكون مؤسفا ومحزنا ومخجلا أن يقف اليمني شاهرا سلاحه في وجه أخيه اليمني ونقاتل بعضنا بعضا لينعم ويهنأ آل (....) وحدهم بالأرض والثروات ونحن من يدفع ثمن سفاهاتهم وعبثهم وانحطاطهم، أما قولي أننا نحن من دفع تكاليف الوحدة فهذا ليس نهاية موقفي وقناعتي ولكنه رد لم أكن ارغب به ومكرها قلته لا بطل على من يقولون أنهم هم من دفع ثمن الوحدة والأرقام واضحة، ونحن لا نريد أن نصغر وننزل بثقافتنا ومستوانا ونستمر بمثل هذه الصغائر فيما بيننا كمثقفين، المشكلة هي في وجود من يدفع لأجل الانفصال بأي ثمن وتحت أي شعار وبأي حجة وذريعة ووسيلة خصوصا بعد ظهور البرميلين النفط والدبة الغاز في حضرموت وشبوة.
أما حكاية السيارات الأسيزو الحاملة للخشب والمسافرة دائما بين الحديدة إلى حضرموت أرجو أن تنورنا بها لأنني فعلا أشوفها واستغرب لأن فارق سعر الشراء من الحديدة عن حضرموت لا يساوي تكاليف نقلها ومصاريف سائقيها بينما يوجد هناك أخشاب في عدن حضرموت وعدن أقرب لهم، وهناك بواخر تفرغ حمولتها من الأخشاب في حضرموت وعدن، ولا ادري ما سبب هذا العناء ؟؟ أرجو التوضيح إذا كان لديك أية معلومة، مع العلم أن ميناء الحديدة توقفت الحركة فيه تماما باستثناء المواد الثقيلة جدا وهذه لا تفيد أبناء المحافظة في الشحن والتفريغ ومعها صوامع الغلال، لا يستفيدون منها شيئا، وتحولت الحديدة مدينتي الجميلة بعد نزوحي إليها من عدن عام 75م إلى مدينة أشبه بالأشباح بينما كل أراضيها مستباحة ومنهوبة من قبل نفس الهمج والأدوات التي تنهب اليوم في عدن ومعها (الفضلي) اكبر ناهب للأراضي في أبين.
و إلى حيث قال الشاعر:
قالت عيسي وقد لاحت ذرى الأعلام من عدن *** أمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا قلت بل منتهى اليمن
سنناضل معا لإسقاط هذه النظام العبثي وغير المسئول أو المكترث بشعبه ووطنه ولكن تحت سماء اليمن الموحد الفسيح وتحت مظلة الوحدة الوارفة الظلال للجميع، فذلك سبيلنا وهدفنا وقدرنا ونرجو الله مخلصين أن لا يوفق المتآمرين في شمال الوطن وجنوبه في جرنا لنقاتل بعضنا بعضا باسم الوحدة أو الموت، الانفصال أو الموت.
• محمد راوح الشيباني
• كاتب ومفكر يمني – تعز
• خاص بنشوان نيوز