هناك فرق بين ممارسة العمل السياسي وبين اتخاذ موقف شرعي من قضية سياسية، فلا تخلو قضية من موقف شرعي .. واتفاق السلفيين مع رئيس الدولة أو مع الحزب الحاكم في مسألة الدفاع عن وحدة الوطن ومحاربة الدعوات الانفصالية، لا يعني مطلقا خروجهم عن قناعاتهم الخاصة بشأن خوض غمار العمل السياسي ..
فالوحدة وغيرها من المسائل والمبادئ الرئيسية العامة ك(العدل) و (التعاون على البر والتقوى) و (اجتماع الكلمة) .. الخ . قضايا شرعية يجب عليهم وعلى الحزب الحاكم وعلى الجميع الإقرار بها وتأييدها والدفاع عنها ..
وكذلك فإن موقفهم المؤيد ل(الوحدة) والرافض ل(الانتخابات) و (الديمقراطية) لا يمكن وصفه بأنه موقف سياسي .. بل قضايا ذات حيثيات فقهية ..
نعم كان لبعض السلفيين موقف معادٍ لاتفاقية الوحدة بين سلطات الشمال والجنوب في اليمن سابقاً ، ليس رافضا للوحدة كهدف شرعي وإنما لقضايا تتعلق بأيدلوجية الحزب الاشتراكي ودستور دولة الوحدة حينها، الأمر الذي يؤكد أنهم يدورون مع الموقف الشرعي لا مع رغبات أخرى، وهذا ليس على إطلاقه، فقد لا ينطبق على بعض الشرائح السلفية التي تبالغ في إعطاء الولاء لولي الأمر دون مراعاة للمصلحة والمفسدة من ولائهم المطلق ..
ولا أدري ما الذي كان ينبغي على السلفيين في اليمن قوله عن الوحدة في ملتقاهم العام كي لا يتهمهم الآخرون بأنهم أصحاب موقف سياسي موالٍ لهذا الطرف أو ذاك .. أو بأنهم مدفوعون من قبل الحزب الحاكم لعقد الملتقى ..؟!!
هل كان عليهم أن يسموا الملتقى العام (محاضرة) و البيان الختامي (فتوى) .. وهل كان عليهم أن يعبروا عن مواقفهم بصورة فردية وتقليدية عن طريق الأشرطة أو خطب الجمعة مثلا، حتى لا يتهموا بممارسة ما يحرمونه ويحذرون منه ..؟!
ثم ما الفرق بين أن يعبر السلفيون عن مواقفهم فرادا وبين أن يفعلوا ذلك مجتمعين، مع أنهم يتفقون في الغالب على رؤية معينة يحددها مبدأ فكري معروف ..؟
والغريب في الأمر أن جديد الملتقى الحقيقي لا يصب في صالح التهمة، فقد جاء مختلفا كثيرا عما كان يتوقعه الجميع، والأكثر غرابة أن جميع وسائل إعلام الحزب الحاكم في اليمن لم تتطرق له رغم أنها وظفت كل جهدها وطاقاتها لتتبع المواقف والكتابات المؤيدة للوحدة في الداخل والخارج، فهل يُعقل أن النظام كان وراء عقد هذا الملتقى ..؟!!
لم يكن وراء ذلك بكل تأكيد، لأسباب عديدة وردت في البيان الختامي، منها :
أولا .. لم يغلِّطوا المطالب ولم ينفوا وجود مظالم، وكان الاعتراض فقط على مسألة الانفصال والدعوة إليه، والنظام الحاكم لا يبحث عن من يدافع عن الموحدة، وإنما عمن ينحو نحوه في الدفاع عنها ..
ثانيا .. تجاوزوا ضرورة تقديم النصيحة للحاكم سرا كالعادة، فدعوه في بيانهم الختامي إلى ما دعاه إليه الآخرون ..
ثالثا .. من هذه المطالب ما ورد في شعارات بعض دعاة الانفصال وقيادات الحراك في جنوب اليمن، أما موقفهم من الحاكم فليس جديدا، بل معروف وثابت سواء في حالة استتباب الأمن أو تأزمه، لأنها مسألة عقدية بالنسبة لهم ..
رابعا .. كانوا أكثر ديمقراطية من السلطة، فلم يتضمن البيان أي تكفير أو حتى ألفاظا مسيئة لقيادات الحراك أو المعارضين لقضية الوحدة، عكس أسلوب إعلام الحزب الحاكم الذي يكفر ويخون ويتهم خصومه بالحق وبالباطل ..
خامسا .. الدعوة للحوار بين الرئيس وأهل الحل والعقد لم تحصر أهل (الحل والعقد) في علماءهم كالعادة بل في مختلف القوى الوطنية المؤثرة بمن فيهم قيادات الحراك ..
سادسًا .. من بين 16 بندا نجد أن موقفهم أو تأييدهم للسلطة والوحدة جاء في بند واحد بينما جاءت بقية البنود كإدانة لأخطاء النظام التي تسببت في تأزم الوضع والتي يجب إيجاد الحلول لها حفاظا على الوحدة ..
سابعا .. توجيه الدعوة لكل الشرائح السلفية ولبعض الشخصيات الإصلاحية رغم ما بينهم من اختلاف، يعني عدم وجود توجيه من جهة معينة، فلا يمكن تمرير هدف ما في ملتقى تعددت وتنوعت فيه وجهات النظر، إضافة إلى أن من وجهة لهم الدعوة لم توجه لهم كضيوف وإنما كمشاركين في فعاليات الملتقى ..
في الأخير .. أعتقد أنها خطوة إيجابية من جمعية الحكمة اليمانية السلفية ومن ممثلها الشيخ محمد بن محمد المهدي، وأتمنى أن ينحوا الآخرون هذا النحو، فلم يعد الوقت يتسع للمجاملات ولا للمداهنات ..
• نشوان نيوز